وديع الياس حدَّاد "أبوهاني"

ولد الشهيد البطل في الشهيد وديع الياس في مدينة صفد في العام 1927، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في هذه المدينة وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطيته المميزة وتفقه فلي مادة الرياضيات. كما أنه شاباً رياضياً يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضة أخرى. ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني جراء النكبة عام 48 اضطر الشهيد ويدع للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته ووالده إلى مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك. وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأمريكية ليدرس الطب. لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي ازدادت مأساوية على ضوء النكبة الأمر الذي عكس نفسه على اهتماماته وتوجهاته المستقبلية، ودفعت به باتجاه الانخراط الفعلي في العمل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني، وقد تجلت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال على مقاعد الدراسة في إغاثه أبناء شعبه المشردين جراء النكبة. ولاحقاً عبر عن انخراطه في جمعية "العروة الوثقى" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها، وتولى الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية. وما إن أعلن عن تشكل "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات.. إلى جانب دورية "الثأر".. ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله إلى ساحة الأردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه إلى هناك، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلى جانب عيادتهما، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي، النشاط الوطني والقومي وليس الطبي. وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار الشن، كما استطاعا وعبر رفاق أردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلى نادي "المنتدى العربي" واعتباره أحد المنابر التي انطلق نشاط الحركة من خلاله. وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد وإسقاط حكومة هزاع المجالي وتالياً تدريب قيادة الجيش رحيل كلوب باشا، وقد مثلت هذه المواجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن، وعلى ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها، أصبحت تحظى بدر وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينمو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي. لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به، وقام بهجوم معاكس تمثل بانقلابه الأسود في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر". ومكث الدكتور وديع حوالي ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، وبعد جهود مكثفة أفرجت السلطة الأردنية عنه. وخلال وجوده في المعتقل، مثل الدكتور وديع أنموذجاً وقدوة لكافة القوى، ولم ينسَ رسالته الإنسانية والجماهيرية، حيث قام وخلال سجنه بإغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني. التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره وهناك وعلى ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد النصار، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسؤول الأول عن هذه الدورة، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً برأس قيادي في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً. وعلى ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا انتقل وديع إلى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني. وفي مرحلة لاحقة تولى مهمة العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينيا ًوعربياً (اليمن ـ ليبيا وأقطار أخرى) وعلى المستوى الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني. وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعاته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح، خصوصاً وبعد ما تأكد عجز الأنظمة العربية وقصور برامجها، وكان الشهيد وديع مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية على شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر، ولإخراج الفكرة إلى حيز الوجود الفعلي. قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية، و"طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية. وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67، وفي ظل الشعور المتزايد لدى قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطى وتتجاوز الأشكال والأساليب التي اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية. والتي ثبت عجزها على مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية والقومية الناصرية. ومنذ التأسيس تولى الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيستان هما المالية والعمل العسكري الخارجي، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة. ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا التشكيل الكفاحي، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة، والخط التكتيكي العسكري الذي قاده الرفيق الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضوررات إشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة. لسنوات مضت قبل استشهاد وديع عاشت قيادة الجبهة الشعبية مع الشهيد خلافاً تنظيمياً، تلمس رفاق الشهيد د. وديع حداد الدور الكفاحي الذي لعبه على المستويين الوطني والقومي، اعاد والمؤتمر الوطني الخامس الاعتبار التنظيمي له، باعتباره رمزاً وطنياً فلسطينياً ومناضلاً فذّاً قدم كل شيء في سبيل فلسطين التي حلم بها وعمل دائماً من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق. استشهد بتاريخ 2831978 في ألمانيا الشرقية.