صفقات التبادل: رعاية دولية وتنفيذ ما سبق والتزم به أولاً

حجم الخط

خرق «إسرائيل» دائماً الاتفاقيات، وهي لا تلتزم بأي صفقات تعقدها مع الفصائل أو مع السلطة الفلسطينية، كما أنّ تاريخها حافل بالخروقات وعدم الالتزام، ففي صفقة التبادل التي عقدتها مع حركة فتح في 23/11/1983، والتي تمّ بموجبها إطلاق سراح معتقلي معسكر أنصار اللبناني و65 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال.

في مطار اللدّ، وقبل إقلاع الطائرة التي ستقلّ الأسرى المحرّرين مارست «إسرائيل» خدعة وأعادت ستة من الأسرى الفلسطينيين الذين كانوا ضمن الصفقة إلى سجونها، كذلك في صفقة إبعاد تسعة وثلاثين محاصراً في كنيسة المهد إلى قطاع غزة وعدد من الدول الأوروبية، فبعد أن التزمت «إسرائيل»، وبرعاية أكثر من دولة، بإعادتهم بعد فترة محدّدة من الزمن، إلا أنها لم تلتزم بأي شيء، حتى أنها رفضت إعادة أحدهم وهو المبعد عبدالله عواد الذي استشهد ولم تسمح «إسرائيل» بإعادته ميتاً.

من حقّ أسرانا على الفصائل وعلى السلطة الفلسطينية تحريرهم من الأسر، لكنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ الاحتلال يخرق كلّ الاتفاقيات وشروط الصفقات ولا يلتزم بأي تعهدات، لذلك يجب قبل الشروع في أي مفاوضات أو الاتفاق حول صفقة جديدة لتحرير الأسرى، يجب أولاً، أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد حول كلّ تفاصيل الصفقة أو الاتفاق، من حيث أسماء الأسرى المشمولين بالصفقة، والجهة الدولية التي ستضمن وترعى هذا الموضوع، ويفضل أن يكون ذلك من خلال أعضاء اللجنة الرباعية مجتمعين، وأن يتم تحديد المناطق التي سيخرج إليها الأسرى المحررون.

من الضروري، قبل الشروع في تنفيذ أي صفقة تبادل بين «إسرائيل» وأحد الفصائل أو السلطة الفلسطينية، أن يجري تنفيذ ما التزم به سابقاً وخرقته «إسرائيل» ولم تلتزم به، فالدفعة الرابعة من الأسرى ما قبل أوسلو 31 أسيراً أغلبهم من الداخل الفلسطيني ـ أراضي48 الذين التزم الاحتلال أمام السلطة الفلسطينية بإطلاق سراحهم، ولم يف بتعهداته، يجب أن يتم إطلاق سراحهم أولاً، وأن لا يكون أي منهم من الأسرى المشمولين في الصفقة الجديدة، بالإضافة إلى الأسرى المحرّرين في صفقة «الوفاء للأحرار» والذين أعيد اعتقالهم 65 أسيراً ، أما الأسرى المبعدون إلى قطاع غزة أو خارج الوطن والذين انتهت مدة إبعادهم، فيجب أن يعودوا إلى أماكن سكنهم، ومن ثم يجري البحث في شروط الصفقة الجديدة، على أن تكون برعاية واسعة عربية وإقليمية ودولية، وبرعاية الصليب الأحمر وهيئة الأمم المتحدة.

على السلطة والفصائل أن تتعلما من أخطائهما السابقة، وعليهما أن لا تستعجلا الأمور، قبل التدقيق في تفاصيل التفاصيل، ويجب أن تكون هناك هيئة دولية مثل الأمم المتحدة وأعضاء الرباعية، كفرقاء أساسيين في ضمان تنفيذ الاتفاق والالتزام بكل شروطه، ويجب أن تكون شروط الصفقة واضحة ومعلومة لكلّ أبناء الشعب الفلسطيني، وليس كما جرى في صفقة «الوفاء للأحرار»، على الرغم من أهميتها وقيمتها، لكنّ «إسرائيل» خرقت شروطها بالكامل ولم تلتزم بها، بل أعادت اعتقال عدد كبير ممن تحرّروا، وفق الصفقة، من الضفة الغربية والقدس.

في أي صفقة قادمة، يجب عدم شرعنة سياسة الإبعاد للأسرى المحررين، حيث أنّ 40 في المئة من الذين تحرّروا في صفقة «الوفاء» أبعدوا عن أماكن سكنهم، فالأسير يعود إلى مكان سكنه وليس إلى مكان آخر، فهناك سابقة يبنى عليها، وهي الصفقة التي نفذتها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة في أيار 1985، حين أطلق سراح ألف ومئة وخمسين أسير فلسطيني، أغلبهم من المحكومين بالسجن المؤبد والأحكام العالية، ولم يبعد أي أسير فلسطيني عن مكان سكنه، سوى من اختار هو الخروج طواعية وبإرادته.

إنّ آمال أمهات وزوجات وأبناء وعائلات الأسرى، معلقة على صفقة التبادل التي قد تجري ما بين المقاومة الفلسطينية، وبالتحديد حركة حماس مع دولة الاحتلال، لأنهم يدركون جيداً أنّ هذا الاحتلال، يستخدم أبناءهم الأسرى كملف من أجل الابتزاز السياسي، وبالتالي نيل حريتهم من زاوية العملية التفاوضية، أو ما كان يعرف بحسن النوايا وغيره غير ممكن، فالاحتلال يريد من السلطة دفع ثمن سياسي لقاء ذلك، فالقضايا الإنسانية والأخلاقية خارج حساباته وتفكيره، لذلك هم يعلقون الآمال الكبيرة على صفقة التبادل التي تجري بلورتها مع حركة حماس، كما ذكر أكثر من مسؤول في الحركة ، بمن فيهم أبو عبيدة القائد العام لكتائب القسام، وكذلك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي قال أن لا صفقات تبادل قبل تنفيذ ما التزم به سابقاً، ونحن نفهم من ذلك إطلاق سراح من أعيد اعتقالهم من الأسرى الذين تحرّروا في صفقة «الوفاء للأحرار» والمبعدين الذين لم يعد أي منهم إلى مسقط رأسه، بناءاً على شروط تلك الصفقة، وستحسن صنعاً وفعلاً حركة حماس، لو تضمنت الصفقة عودة مبعدي كنيسة المهد.

إنّ الوحدة والتنسيق بين كلّ ألوان الطيف السياسي والوطني الفلسطيني، في وجود مرجعية واحدة، يمكن بإمكاننا تحقيق أفضل النتائج في إدارة الصفقة وإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى، ويجب أن تشتمل الصفقة على تحرير كلّ الأسيرات والأطفال والنواب والوزراء، وكذلك الأسرى المرضى من ذوي الأمراض المزمنة.

نحن أمام عدو مراوغ، عدو ضامن للمظلة الحامية له والجاعلة منه دولة فوق القانون الدولي، يعربد ويخرق القانون والاتفاقيات الدولية كما يشاء، وهناك من يحميه من أي قرارات أو عقوبات قد تتخذ في حقه أو تفرض عليه بسبب خرقه للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية، وتلك المظلة توفرها أميركا وقوى الغرب الاستعماري.

بعد أن أصبحت فلسطين عضواً منذ أوائل نيسان الحالي في محكمة الجنايات الدولية، يفترض أن تتغير الصورة، ويجب إعداد ملف كامل بكلّ الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ولا يزال يرتكبها وأجهزته الأمنية وإدارة مصلحة سجونه في حق أسرانا، ورفع ذلك إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل جلب قادة الاحتلال الذين ارتكبوا جرائم في حقّ أسرانا إلى محكمة الجنايات الدولية، من أجل اعتقالهم ومحاكمتهم على تلك الجرائم، فهي جرائم حرب بامتياز، وهناك الكثير من الأدلة التي تدين قادة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضدّ أسرانا.

وفي الختام، أقول علينا أن لا نتعجل صفقة التبادل، بل يجب التروي والتشاور والتنسيق بين كلّ مركبات ومكونات العمل السياسي والوطني الفلسطيني، وقبل الشروع في تنفيذ الصفقة، فليعمل الاحتلال على تنفيذ ما التزم به سابقاً، ويتراجع عن خروقاته وتجاوزاته الخطيرة.