كلمة الرفيق كايد الغول في ندوة "المقاومة المتجددة تحمي حق العودة"

حجم الخط

كلمة الرفيق كايد الغول

في ندوة "المقاومة المتجددة تحمي حق العودة"

تونس 16/5/2015

الأخوات والإخوة الأعزاء

من فلسطين المحتلة التي تعيش هذه الأيام ذكرى نكبتها السابعة والستين، والصامدة في وجه المشروع الصهيوني والمتصدية لأهدافه .. من غزة الصامدة في وجه العدوان والحصار والدمار، أتقدم إليكم وإلى مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانية والقائمين عليه، بالتحية المحمولة بكل معاني الاعتزاز والتقدير على عقد هذه الندوة الهامة التي تعكس أصدق معاني الترابط والوحدة في مسيرة نضالنا الوطني والقومي والإنساني بمنطلقاتها التحررية والديمقراطية .. كما أحييكم أيضاً، على اختياركم عنوان الندوة بـ"المقاومة المتجددة تحمي حق العودة"، خاصة في ظل الظروف والمتغيرات الفلسطينية والعربية الراهنة التي تتسم بالكثير من المتغيرات والمسارات السلبية والهابطة النقيضة لمصالح وتطلعات شعبنا، بما فيها تطلعه صوب العودة إلى دياره التي هُجّر منها عام 1948.

إيّتها الأخوات والإخوة

هناك أسئلة تتجدد وتكبر مع كل عام يمر على النكبة، عن الأسباب التي حالت دون النجاح في وقف تداعياتها ومفاعليها التي تجاوزت منذ سنوات حدود فلسطين، وعن المطلوب لتجاوز هذه الأسباب.

أعتقد أنه بدون وعي طبيعة وأهداف المشروع الصهيوني، وبدون بحثٍ عميق ومراجعة جادة لمسار الصراع وكيفية إدارته منذ قيام كيانه على أرض فلسطين، وبدون مراجعة البرامج والأدوات وأشكال النضال وصيغ العلاقات والتحالفات، لن يكون بمقدورنا مجابهة وتجاوز الأسباب التي قادت ليس فقط لاستمرار الكيان الصهيوني حتى يومنا هذا، وإنما أيضاً في وقف أهدافه وأطماعه في المنطقة.

وكما هو معلوم لديكم، فإن تجسيد المشروع الصهيوني بإقامة دولته على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها عام 1948، جاء في سياق وظيفي لهذه الدولة يستهدف استمرار حالة التخلف والتجزئة والتفكيك والاستتباع لدول ومجتمعات وبلدان وطننا العربي، بهدف حماية وتكريس المصالح الرأسمالية الامبريالية التي تقوم على الاستيلاء والتحكم بمواردها وثرواتها، ومن ثم خلق العقبات الكفيلة بإعاقة استنهاضها وتطوّرها.. وقد استطاعت الدولة الصهيونية في إطار وظيفتها هذه، من امتلاك إمكانيات هائلة بدعمٍ صريح ومباشر من النظام الامبريالي عموماً والولايات المتحدة الامريكية منه على وجه الخصوص، بحيث باتت اليوم قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية متميزة، وأقرب ما تكون إلى حالة امبريالية صغرى في المنطقة العربية والشرق أوسطية، بدأت تُعبّر عن ذاتها في مجرى الاحداث الجارية في المنطقة بتدخل مباشر أو غير مباشر.

وانطلاقاً من ذلك، فأنني أشير بوضوح إلى قناعتنا بأن الصراع مع الدولة الصهيونية العنصرية، هو صراعٌ عربي _ صهيوني بالدرجة الأولى، وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة البحث في المشروع الصهيوني من حيث طبيعته وعلاقته بالرأسمالية العالمية، وتأثيراته المتزايدة في شؤون دول المنطقة، وفي كيفية إدارة الصراع معه حفاظاً على المصالح العليا للأمة العربية، وهنا تتجلى أهمية الأدوات والبرامج التي تربط ما بين المهمات الديمقراطية المحلية، والمهمات القومية التحررية التي تتطلّب اشكالاً فعّالة من صيغ التنسيق والتكامل بين قوى حركة التحرر العربية.

إيّتها الأخوات والإخوة

إنّ المشهد الراهن للحالة الفلسطينية غير المنعزلة عن الحالة العربية عموماً، يشير إلى جانب أشياءٍ أخرى، بأن الصراعات الجارية في العديد من بلدان المنطقة والتي تتمظهر الآن  في غالبيتها بصراعاتٍ طائفية مذهبية دموية، في سياق مخطط منضبط لإعادة تقسيم وصوغ خارطة المنطقة على هذا الأساس من جديد، سيؤثّر سلباً بشكلٍ مباشر وخطير على القضية الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل المساعي المحمومة لحرف أولويات وطبيعة الصراع في المنطقة التي أتاحت وتتيح لدولة العدو بأن تصبح عنصراً فاعلاً وحليفاً لبعض دول وأطراف الصراع  الجاري.

وبدون شك، فإن هذا التطور الذي لم تعد ملامحه خافية على أحد، سيشجع حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً ويمينية وانكاراً لحقوق الشعب الفلسطيني، على التقدم بمشاريع تقوم على الحل الإقليمي للصراع العربي معها والتي تستهدف في الجوهر الوصول إلى عقد اتفاقيات صلح مع البلدان العربية والتطبيع معها بعيداً عن الفلسطينيين عنوان الصراع وأصحاب القضية.

وفي ذات السياق، فإن تشكيل حكومة أقصى اليمين الصهيوني برئاسة نتنياهو، التي جاءت انعكاساً للتحولات الجارية فيما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي الذي تحوّل بأغلبيته الساحقة صوب الرؤى والمنطلقات والممارسات اليمينة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، سيوفّر لهذه الحكومة البيئة والحاضنة في استخدام الحرب والإرهاب والقوة لفرض تصورها في حل الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي، والذي لن يتجاوز في أحسن الأحوال حكماً إدارياً ذاتياً في الضفة الغربية دون القدس، مع عدم الممانعة في إنشاء كيانٍ ما في قطاع غزة منفصلاً بالكامل عن الضفة، وهو ما يجري العمل الآن على بلورة شروطه من خلال الاقتراحات التي يحملها بعض زائري القطاع من الأوروبيين وغيرهم، حتى وإن بدت هذه الاقتراحات تتعلق بالجوانب الإنسانية لسكّان القطاع مقابل تهدئة طويلة الأمد، ووقف التسلّح وتطويره، ووقف بناء الأنفاق.

إيّتها الأخوات والإخوة

إن هذه الصورة التي استعرضتها سريعاً لا تعكس في ذهني تشاؤماً، بقدر ما تفرض علينا أهمية وضرورة المراجعة الجدية والهادئة والمعمقة للسياسات الرسمية التي اعتُمِدت خلال العقود الماضية، وبخاصة تلك التي اعتمدت المفاوضات خياراً وحيداً في إدارة الصراع مع دولة العدو، ولمدى كفاءة المؤسسات الوطنية وأشكال العمل القائمة في إدارة الصراع الذي تزداد تعقيداته.

وعليه، فإنني أرى :-

أولاً:- ضرورة الشروع في حوار وطني شامل تُشارك فيه القوى الوطنية والإسلامية كافة، وممثلين عن تجمعات الشعب الفلسطيني في الشتات، يعمل على مراجعة التجربة واستخلاص دروسها، وإعادة الاعتبار لحقوق شعبنا التاريخية في فلسطين، والبدء بإعادة طرحها في المحافل الإقليمية والدولية خاصة في ظل إصرار دولة العدو على رفض التسليم بحقوق شعبنا التي قررتها الشرعية الدولية في العودة وتقرير المصير والدولة، وفي ظل تسارع تجسيد المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية من خلال الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات عليها، والمسارعة في إجراءات تهويد القدس وغيرها من الإجراءات.

ثانياً:- إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية استناداً إلى توفّر ركيزتين لا غنى عنهما، ركيزة سياسية تستند على استراتيجية وطنية متوافق عليها، وأخرى تنظيمية تحدد أسس الشراكة الوطنية.

 وفي سياق هذه الرؤية، ندعو لأن يتم إخضاع ملفات المصالحة لها، والتعامل معها بعيداً عن الصراعات والمصالح الفئوية التي لا زالت تتحكم فيها، والتي للأسف الشديد ألحقت أشد الضرر بالقضية الوطنية وبمصالح شعبنا، خاصة مع إطالة أمد الانقسام الذي تمأسس بكل معانيه وأبعاده السياسية والمجتمعية، وما ترتب على ذلك من مخاطر الإحباط واليأس لدى قطاعاتٍ من شعبنا، واستمرار حالة الاستبداد والافقار والحصار.

ثالثا:- إعادة بناء مكونات النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية واستناداً إلى برنامج تحرري وطني ديمقراطي نتمكن من خلاله إدارة الصراع مع العدو بمختلف الوسائل.

وفي هذا السياق، ندعو إلى إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفق ما سبق وبما يعيد الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده والدفاع عن مصالحه تعزيزاً لمكانتها وصفتها، وبما يحوّلها فعلاً إلى إطار جبهوي تتطلبه مرحلة التحرر الوطني التي تحتاج إلى نظم وتوحيد القوى والطاقات لخوص صراعٍ موحد ومتواصل ضد العدو حتى تحقيق الحرية والاستقلال لشعبنا.

كما ندعو، لإعادة النظر في وظائف السلطة بما يُخلّصها من قيود اتفاقيات أوسلو، ويحوّلها إلى مكوّن إيجابي في النظام السياسي يعمل على توفير عوامل الصمود لشعبنا، وإحدى أدواته في مقاومة الاحتلال.

وفي ذات السياق أيضاً، ندعو إلى إعادة بناء وتوحيد وتفعيل الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية، لتتحمل مسؤولياتها في تعبئة وتنظيم القطاعات التي تُمثّلها، والدفاع عن مصالحها بعيداً عن الاحتواء والاستخدام الضار لها.

رابعاً :- تجديد بنى قوى وأحزاب وفصائل العمل الوطني وفقاً لعملية ديمقراطية جادة، تستند إلى مراجعةٍ مسؤولة لبرامج العمل وأدواته، وللدور والوظيفة، وحدود المسؤولية في الوصول إلى الأزمة التي يعشها النضال الوطني الفلسطيني.

وفي سياق دعوتي هذه إلى التجديد، فإنني أدعو القوى اليسارية والديمقراطية إلى المبادرة في ذلك، وإلى العمل على توحيد رؤيتها وأدواتها، وابتكار الصيغ الفعّالة التي تمكّنها من بناء البديل الديمقراطي القادر على صون البرنامج الوطني من التبديد، ومن الدفاع عن مصالح شعبنا، واستنهاض الحالة الشعبية التي عاشت هموماً وخيبات أمل على مدار السنوات السابقة.

وبتقديري، أنّ عملية التجديد الواعية التي أدعو لها في صفوف قوى وأحزاب الحركة الوطنية هي التي ستقود إلى تجديد ذو معنى في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من المؤسسات الوطنية، وهي التي يُمكن أن تخرج الحركة الوطنية من أزمتها البنيوية التي بدأت تتسع معها دائرة المنادين بحلّها من خلال بناء حركة وطنية بديلة.

خامساً :- البحث الدائم في كيفية استنهاض أشكال المقاومة كافة، وعدم الخضوع لما تُمليه صعوبة اللحظة أو مظاهر الإحباط الداخلي التي قد تتولّد في بعض الأحيان نتيجة خيبات الأمل متعددة الأسباب.

وفي سياق ذلك، نؤكد على مركزية المقاومة المسلحة التي ندعو إلى ادارتها من خلال جبهة مقاومة وطنية تعمل على نظم أشكال العمل وتكتيكاته، وفق رؤية وسياسة موحدة، تعمل على الاستفادة القصوى من استخدام هذا الشكل في النضال ضد العدو، وتجنب شعبنا العمل العشوائي الذي قد يترتب عليه خسائر مجانية في صفوفه.

إن إيماننا العميق بفكرة المقاومة يدعونا إلى البحث الدائم عن تجديدها، والارتقاء بها وبوسائلها، وممارستها في مكانها وزمانها المناسبين، وبهذا المعنى فإن اخلاصنا والتزامنا في الجبهة الشعبية بالكفاح المسلّح وضروراته، لا يعني أبداً التناقض مع ممارسة الأشكال الأخرى من المقاومة الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية المستندة إلى برنامج الاجماع الوطني، فضلاً عن الأشكال الأخرى من المقاطعة ووقف التطبيع وتعزيز لجان التضامن التي تعمل على محاصرة دولة العدو وإسناد نضالنا.

سادساً:- تدويل الصراع بالعودة إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، يعمل على انفاذ قراراتها ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني بآليات ملزمة وبأجندة زمنية محددة، مع العمل على إخضاع دولة العدو إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وإعادة الاعتبار لقواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وما يتيحه لنا الانضمام إلى المعاهدات والمواثيق الدولية لتدويل قضايا الأسرى، ونهب الأرض والثروات، والاستيطان، وتهويد القدس، وجرائم الحرب والعدوان وغيرها.

وما سبق، يتطلّب بالتأكيد القطع مع المفاوضات الثنائية بالرعاية الأمريكية، وعدم الاستجابة لأية ضغوطات في العودة إليها، وعدم التعامل مع أية مشاريع سياسية تستهدف حصر حقوق الشعب الفلسطيني بدولة ستكون أسيرة للشروط الأمريكية الإسرائيلية.

سابعاً :- وبالمعني المباشر، أدعو لتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة باعتبارها تُشكّل نقلة يُمكن البناء عليها في ترميم الحالة الفلسطينية، ويأتي في مقدمة هذه القرارات وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ودعوة الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير للانعقاد، وضمان انتظام اجتماعاته تجسيداً للشراكة الوطنية في التقرير بالمواقف والسياسات التي لها علاقة بالشأن الوطني العام، ومن أجل تحمّل مسؤولياته بإنهاء الانقسام الكارثي بآفاق وطنية .

أيتها الأخوات والإخوة

أود التأكيد مع نهاية كلمتي على أنّ حق العودة الذي يشكّل عنوان ندوتكم، هو بالنسبة لنا جوهر الحل المرحلي الذي ارتضيناه قاسماً مشتركاً للبرنامج الوطني الفلسطيني، مع الوعي بأن تحقيقه لن يكون إلاً نتاج عملية نضالية تحررية وديمقراطية نستطيع من خلالها استرداد كامل ترابنا الوطني، وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها، وحل المسألة اليهودية ضمن هذا المنظور.

مرة أخرى، أتقدّم بالشكر والتقدير لكم، مع التمنيّات بنجاح ندوتكم