مجدداً في أزمة اليسار الفلسطيني

حجم الخط

من نافل القول أن أزمة اليسار الفلسطيني طابعها شمولي في جانبها الذاتي والموضوعي، ولما كانت كذلك فمن العسير أن يتم تناول أزمة اليسار وتفكيك عناصرها دون الوقوف عن كثب على الهوية الفكرية اليسارية أي العنوان الفكري الذي تأسس عليه اليسار في نشأته ومساره، وهو العنوان الذي ما زال يعمل بقوة في تعميق الأزمة واعادة انتاجها في كل مرحلة ان اليسار الفلسطيني شأنه شأن اليسار العالمي قام وتأسس على الفكرة الثورية المؤمنة والمتبنية للعدالة الاجتماعية، والمنحازة الى عموم الفئات الاجتماعية من الفقراء والمسحوقين والخاضعين لظروف الاستلاب والاستغلال ، وفي القلب منها الطبقة العاملة، الامر الذي يعني ان اليسار في مضمون حركته الثورية هو نقيض الافكار الليبرالية، وهو في حالة صراع ومواجهة مع اليمين بكل تلاوينه، وفي حالة صراع وجدل فكري وسياسي مع برامجه وأفكاره وسياساته وممارساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواقفه من حرية المرأة ودورها في المجتمع ، كذلك فإن اليسار في حالة مواجهة مع سياسات اليمين التي تعالج الشأن الوطني والقومي الذي شرع وجود الكيان الصهيوني وأنتج الطبقة الطفيلية السياسية والتجارية التي لها مصلحة مع الرأسمال الأجنبي وأجنداته السياسية والاقتصادية .. وعليه فاليسار فكريا هو فكرة العدالة والمساواة ومحاربة الاستغلال، والاستقلال والسيادة، والنهوض، وحرية المرأة والنظام الاقتصادي الاشتراكي، هو موقف طبقي ووطني وقومي ، يتجسد في حاله موضوعيه داخل المجتمع يعبر عن مصالح الشعب والجماهير ، ومعني ببناء مجتمع خالي من الاستغلال الطبقي والفقر ومعني برفض الانقسام الوطني وتعميق النسيج الوطني الواحد هذا المضمون لمفهوم اليسار يعني أن هناك تكويناً فكرياً شاملاً يلامس كل هذه المفردات ويصبغ على اليسار هوية ثقافية واجتماعية وأيديولوجية مفارقة لهوية اليمين .. ووفق هذا المفهوم لليسار وأفكاره يتجدد السؤال المشروع .. هل هذا التكوين والبناء الفكري لليسار كان قائماً ومظهراً بوضوح في بنية اليسار الفلسطيني ..؟؟ كيف تعاطى اليسار مع هذا العنوان في برامجه الثقافية وثقافة كوادره وأعضاءه وسياساته ..؟؟ هل اخذ هذا العنوان حظه من الأهمية والمكانة التي تجسد هويته الفكرية ..؟ أم أنه اكتفي بتسمية نفسه باليسار ..؟ ليس من اليسار في شيء أن تطلق عدة شعارات وعبارات محفوظة عن ظهر قلب يتم ترديدها أو التشدق بها دون الايمان بها أو الوعي بمدلولاتها او الالتزام والذود عنها فاليسار كمنظومة فكريه ومنظومة مواقف ورؤى هو حالة ثوريه تجديديه وانتاجيه في المجتمع ويعمل على اعادة انتاج الثقافة العلمية والوطنية وثقافة العدالة والمساواة في كل مرحله وكل زمن ارتباطا بالتطورات التي تحدث على بنية المجتمع في كل مرحلة، فلكل مرحلة استحقاقاتها من الثقافة والإبداع والتجديد. وبدون تحامل على يسارنا وقلعته المحاصرة من كل صوب فإن الموضوعية تقتضي القول والاعتراف أن اليسار الفلسطيني " بأدواته الحالية " قد توقف عن الإنتاج والإبداع في تحليل بنية المجتمع واستحقاق المرحلة فكرياً واجتماعياً، ذلك أن اليسار قد أخفق في خلق بنية فكرية وثقافية لكوادره وأعضاءه موحدة ومتجانسة قادرة على صهر العضوية في طريق واحد الأمر الذي أدى إلى تشويه الهوية الفكرية وتآكلها لصالح الهوية الليبرالية والدينية .. حيث تخلى اليسار منذ سنوات أو عقود عن إعطاء الأهمية والحاجة الى برامج ثقافيه يسارية أو العمل على ورشات وندوات ومحاضرات في الفكر اليساري الثوري واكتفى في الغرق حتى الثمالة في العمل السياسي الوطني اليومي الذي لا ينتج إلا ثرثرة مثقفي المكاتب ومحتسي قهوة الصباح والمساء ..! وانكب على تحليل ما ينتجه اليمين الفلسطيني من مواقف واطروحات في سياق التسوية والحل النهائي والمواقف الداخلية الأمنية والاقتصادية والمشاريع الغربية المتكررة والمتواترة .. مما حوله الى متلقي لمواد ومواقف تلهيه عن افكاره الثورية التي انطلق بقوة منطقها وصحة ممارستها، بل غير قادر على اللحاق برسائله الداخلية والخارجية بما يطرحه اليمين بشقيه في الساحة السياسية .. ولم يبقى من الحالة اليسارية الا بعضا من الانتلجنسيا القديمة التي ترغي او ترطن في السياسة وسطحياتها والأيديولوجيا وكلاسيكياتها .. ان تشوه الهوية الفكرية وتعرضها للاختراق الممنهج من قبل كل اليمين العالمي ممثلا بمؤسسات اجتماعيه واهليه وعلميه وانسانيه واقتصاديه ..الخ من مؤسسات القوة والهجوم الناعم على المجتمع وكوادر اليسار بشكل خاص قد ادى الى عملية تخريب في بنية اليسار الفكرية الامر الذي يستوجب وضع الخطط والبرامج الثقافية المتوازية مع خطوات عمليه ونظريه شامله لمواجهة تحدي هذا الترهل الفكري والعملي .. ولما كان اليسار هو حالة موضوعيه ولا يتوقف حضوره على اطر بعينها فن المجتمع فان اليسار سيخرج من شرنقته في المجتمع في كل مرحلة بلونه الخاص وبأفكاره التي لا تحيد عن العدالة الاجتماعية ...

 * عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين