تحالفوا مع النازية ويتهمون الحسيني

حجم الخط

قال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، إن الزعيم الألماني أدولف هتلر، لم يكن ينوي إبادة اليهود، إلا أن مفتي القدس آنذاك، الشيخ أمين الحسيني، أقنعه بذلك. وزعم نتنياهو في تصريحات أطلقها (الثلاثاء 20 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي) أمام المؤتمر ال73 للصهيونية، ونشرها مكتبه، «إن هتلر لم يُرد إبادة اليهود في ذلك الوقت، لقد أراد أن يطردهم، ولكن الحاج أمين الحسيني ذهب إلى هتلر وقال له: إذا طردتهم فإنهم سيأتون إلى هنا، (فلسطين)، فتساءل إذاً ماذا أفعل بهم؟ فقال له: أحرقهم». ويقول اليهود إن النظام النازي في ألمانيا، أحرق ملايين اليهود في مدة ثلاثينات ومطلع الأربعينات من القرن الماضي. وادّعى نتنياهو أيضاً: أن الحاج أمين الحسيني، هو من ردد مقولة: «إن اليهود يريدون تدمير المسجد الأقصى» وأضاف: «لذا فإن عمر هذه الفرية مئات السنوات، وقد أدت إلى الكثير الكثير من الهجمات، جبل الهيكل موجود والمسجد الأقصى موجود ولكن الفرية أيضاً، لا تزال قائمة». ويقصد نتنياهو ب«جبل الهيكل»، هيكل النبي سليمان عليه السلام، الذي يدعي اليهود زوراً أن المسلمين بنوا على أنقاضه المسجد الأقصى، الذي اثبت المؤرخون أن لا وجود له على الإطلاق.
الصهيونية وقادتها، ومن ثم تعبيرها المادي «إسرائيل» فيما بعد، قادرون على اختلاق الأحداث والأساطير من تلك التي ظلوا يرددونها على طريقة «اكذب، اكذب، ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس»، بزعم «الأرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وبخاصة أن هذا «الشعب» هو «شعب اللّه المختار».
الصهيونية و«إسرائيل» أعادتا إنتاج النازية والفاشية في أشكال أكثر تطوراً، والدليل قرارات سابقة لتجمعات دولية كثيرة، كان على رأسها قرار الأمم المتحدة رقم «3379» في 10 نوفمبر 1975، والقاضي «باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». إن إلغاء القرار كان عملاً غير شرعي، ولم يجئ سوى لاعتبارات الموازين الدولية الجديدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية.
كانت السمة البارزة لأوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، هي تحول العلاقات الاقتصادية من مرحلة الإقطاع إلى الرأسمالية، والى جانب مرحلة التحول هذه، جرى طرح المسألة القومية في أوروبا بوتائر عالية. الصهيونية استغلت هذه الظروف لطرح المسألة «القومية اليهودية»، وبدأت بنسج التحالف مع الرأسمال الصناعي الأوروبي، ومحاولة السيطرة على الرأسمال البنكي، ولذا من الصعوبة بمكان الفصل بين المسألتين، وليس من الصدفة، أن ينعقد المؤتمر الصهيوني الأول في تلك المرحلة بالذات، ولذلك عقدت الحركة الصهيونية تحالفاً مع القوى الاستعمارية في اتفاق كامبل - بنرمان عام 1907، الذي استهدف تمزيق أوصال الوطن العربي، ووضع المقدمة لإقامة «إسرائيل».
فيما بعد، عقدت الصهيونية مع النازية ثلاث اتفاقيات: الأولى «اتفاقية الترانسفير» في عام 1933 من أجل تسهيل هجرة يهود ألمانيا إلى فلسطين، وبموجبها، وخلال السنوات 1933 - 1938، تم ضخ 40 مليون دولار بوساطة البنك الانجليزي الفلسطيني إلى فلسطين. وكان هذا هو أساس إنشاء الاقتصاد «الإسرائيلي»، حيث توخت الحركة الصهيونية من علاقتها مع النازية، التحكم في يهود ألمانيا، وترحيل رأس المال الضخم للبورجوازية اليهودية، واستغلال السياسة العنصرية للنازي، لإجبار اليهود على الهجرة إلى فلسطين. هذه هي الاستنتاجات التي خلص إليها البروفيسور السوفييتي بونداريفسكي ونشرها في عام 1984.
كما عقدت الصهيونية اتفاقية ثانية مع النازيين في عام 1934، وأخرى ثالثة في عام 1937، وتقضي ب«تزويد الحركة الصهيونية للغستابو بأية معلومات عن التنظيمات اليهودية في أوروبا، وعن أية نشاطات لهم ضد النازيين، مقابل دعم هؤلاء لإقامة الدولة الصهيونية». 
هذا ما يطرحه عبدالرحمن عبدالغني في كتابه: ألمانيا النازية وفلسطين، وهو ما يتفق مع ما طرحه الجنرال غالدر في مذكراته الحربية.
اليهودية مثل الإسلام والمسيحية هي ديانة، وهي بتخطيط صهيوني تحولت إلى (عقيدة سياسية)، ثم إلى (عقيدة قومية)، وفيما بعد بالضرورة إلى (عقيدة استعمارية)، هذا ما يطرحه روجيه غارودي في كتابيه «الأساطير المؤسسة للسياسة "الإسرائيلية"»، و«قضية "إسرائيل" والصهيونية السياسية».
أما اليساريون الأوروبيون آنذاك، فقد رأوا في «المسألة اليهودية» عندما بدأت الحركة الصهيونية بتصويرها بأنها «قضية شعب له حقوقه في وطن، وتاريخياً- من وجهة نظر الصهيونية- فإن ذلك يعني فلسطين»، فقد رأوا في هذا الادعاء أن (اليهودية استمرت بفضل التاريخ وليس رغماً عنه، ولذلك فإن تحرر اليهود يعني تحرر المجتمعات من اليهودية)، ورأوا في اليهودية (رمزاً للديانة التي يعتنقها اليهود... لأن فكرة «الأمة اليهودية» هي فكرة خاطئة تماماً ورجعية في أساسها»، لذلك فمثلما النازية هي ضد كل ما هو إنساني من خلال دعوتها إلى (العرق الآري النقي)، فإن الصهيونية أيضاً تدعو إلى (العرق اليهودي النقي)، ولذا فهي ضد الإنسانية أيضاً.

عند صدور حكم الإعدام على أدولف آيخمان، طلب الأخير أن يعتنق الديانة اليهودية، وعندما سئل عن السبب أصر على أن يجيب عن السؤال في مؤتمر صحفي، وبحضور كبرى وكالات الصحافة العالمية قبيل لحظة إعدامه. قبيل تنفيذ الحكم، انتصب آيخمان في وقفة عسكرية وأدى التحية النازية (رفع اليد إلى الأمام) وقال أمام عدسات الكاميرات:
«أردت أعتناق اليهودية ليس حباً بها، ولا حباً ب«إسرائيل»، إنما أردت بذلك أن أهتف لنفسي أن كلباً يهودياً قد أعدم، ليدرك من يتبعوه من الكلاب ذلك. كان سيسعدني قبل أن أموت أن أقول لليهود: إن أشد ما يحز في نفسي أنني ساعدتهم على النجاة من القتل. لقد كنت أكثر إنسانية معهم، بينما كنوا أكثر خبثاً وقذارة. أيها الكلاب: إن أرض فلسطين ليست إرثكم، ولا أرضكم. فما أنتم إلا عصابة من الإرهابيين والقتلة ومصاصي دماء الشعوب. يؤلمني أن أشبّهكم بالكلاب، فالكلاب تعرف الوفاء الذي لا تعرفونه، لكن نجاسة الكلاب وحيوانيتها من سلوككم ذاته.. اهنأوا ما شئتم بإجرامكم في فلسطين. حتى تجيء اللحظة التي تولون فيها الأدبار، وتعلو صرخاتكم تشق العنان. فتذوقوا مذلة النهاية التي لا تتصورون أنها بانتظاركم، وعندها ستكون الكلاب الضالة أفضل مصيراً منكم». 
هذه أجزاء من الحقائق التاريخية التي تؤكد جميعها بما لا يقبل الشك، أن الصهيونية كانت حليفاً رئيسياً للنازية، وأنها تآمرت على الدم اليهودي نفسه في سبيل إنشاء كيانها المصطنع الزائل حتماً، إن آجلا أو عاجلاً.