أجمل الامهات التي انتظرت ابنها.. فعاد اليها مستشهداً

حجم الخط

(أمهات الشهداء نساء من عالم اخر وام الشهيد "خالد" ليست كباقي الامهات، توشحت كوفيته لتوصله الى حيث أراد، هزت سريره يوماً وارضعته حليب الكبرياء، وبنفس الساعد أعلت نعشه ورافقته الى حيث قبره، مُرددة هتافات البطولة فيما رغم جرحها، مسحت دموعنا كي لا نستكين وتلت علينا وصيته الأخيرة كأنها تشحن فينا الهمم، غطّته ومسحت بيدها الطاهرة فوق جبينه ليزداد وجهه طهراً، بكاه رفاقه وهي لم تبكيه وكأن الدمع كان خجولاً، وحين عاد النعش فارغا نظرت بعينيها نحو السماء وكانها تراقب روحه الصاعدة نحو السماء، كم كانت قوية وكم كنا ضعفاء في حضرتها، وعادت ونحن نراقبها وبين شفاهها كلماتٌ ترددها بلا صوت، لعلها كانت تحاور أزقة المخيم وجدران بيوت "الوكالة" وأرصفة الشوارع الضيقة التي بدأت تسأل عن "خالد" وهي تجيب(، هذا النص، نشره صابر جرادات عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عقب مشاركته في عرس الشهيد "خالد جوابرة" ابن مخيم العرّوب على بعد 10 كم شمال محافظة الخليل، على الطريق الواصل بين مدينتيّ بيت لحم والخليل، ويقطنه عشرة آلاف لاجئ فلسطيني، هُجّروا من أراضيهم عام النكبة 1948م، وتواصل قوات الاحتلال الصهيوني اغلاق كافة مداخل المخيم بالكتل الإسمنتية والأسلاك الشائكة كغيره من قرى ومخيمات محافظة الخليل، عاصمة الغضب الفلسطيني.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين زفت إلى جماهير الشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده الشهيد الأسير المحرر خالد محمود جوابرة، وأشادت في بيانها بشجاعته وإصراره على مواجهة المحتل وبعائلته التي قدمت الكثير من التضحيات في سبيل تحرير كافة التراب الوطني الفلسطيني، مؤكدة على ان شعبنا الفلسطيني اكثر تصميما في المضي قدماً بانتفاضته حتى دحر الاحتلال الصهيوني واسترجاع شعبنا كافة حقوقه، معاهِدةً كافة الشهداء و"خالد" خاصةً ، بالبقاء على دربهم حتى تحقيق الاهداف التي من اجلها قضَوا، وبأن تبقى البوصلة نحو القدس.

"حج، بطل، أسير، شهيد" كلمات الأم في وصف خالد الشهيد، هي التي أنجبته من أجل فلسطين كاملة، وبلغة بسيطة بعيدة عن كل أشكال الطباق والتورية وأمام عدسات الكاميرات وأقلام الصحفيين، قالت بكل بساطة "أنا مش مخلفة عشان أطعمي خبز وطبيخ، خلّفته عشان نحرر فلسطين وفي هدول الشباب بدنا ندخل تل أبيب".

كلماتٌ جذبت أنظار العالم لنجلها الشهيد ابن الـ18 عاماً، وهي تحمل نعشه على كتفيْها، وتهتف بين جموع الشبان بصورة وتفاعل غير مسبوق، لتكون هي بالفعل، "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً" محمولاً على الأكتاف، مُحاطاً بالأصدقاء والرفاق، بعضهم عايشوه حين كان يقتسم معهم "البرش" والخيمة داخل سجون الاحتلال، وبعضهم الآخر ألقوا برفقته الحجارة وزجاجات "الموليتوف" على جنود الاحتلال ودوريّاته في أزقة المخيم، وعيونه ترنو للعودة إلى عراق المنشية، بلدته التي هُجر أهله منها منذ زمن، وها هو يرتقي اليوم شهيداً نداً عنيداً تحت زخات الرصاص، ليلحق بجموع شهداء انتفاضة القدس وفلسطين.

تعرضت عائلة الشهيد البطل "خالد جوابرة " كغيرها من العائلات الفلسطينية إلى الاعتقال عدّة مرات، حيث اعتقل جميع أبنائها ووالدهم، ولا زال يقبع ابنها معتصم الملقّب بـ(صامد) في سجون الاحتلال لإمضاء محكوميته البالغة ثلاث سنوات.

بدأت حكاية العائلة في مقاومة العدو من إبعاد الأب عن ارض الوطن الى العراق لمدة ثلاث سنوات، ليتم بعدها اعتقال أبناء العائلة الثمانية، حيث أمضى عمار ( 5 سنوات ) ورائد ( 5 سنوات ) بريء ( 3 سنوات) طارق ( 4 سنوات ) الشهيد خالد ( عامين ونصف ) عبد المجيد ( سنة ونصف ) معتصم ( 7 سنوات ) علما ان معتصم الملقب بصامد لازال يقبع في سجون الاحتلال الصهيوني اللعين، و تنتهي محكوميّته بعد قرابة الشهر.

الشهيد البطل خالد وأثناء وجوده في سجون الاحتلال منعته قيادة فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من خوض الإضراب والمشاركة فيه كون عمره كان آنذاك ( 16 سنة )، لكنه رفض، وفي اليوم التالي خاض الإضراب، ليفكّه بعد يومين بقرار حزبي من قيادة الفرع في السجون منضبطاً لقرارات المنظمة الحزبية في المعتقل الذي يقبع فيه.

وفي قصة أخرى تحمل عشرات المعاني الرفاقية والإنسانية الدافئة ونبذ الذات وتقديم الجماعة، قام الشهيد البطل أثناء وجوده في سجون الاحتلال بتقسيم قطعة شوكولاتة إلى عشرة أقسام لإطعام جميع رفاقه في الزنزانة دون أن يأكل منها، روح خالد هذه هي ما جعلته محط تميز واهتمام واحترام بين صفوف رفاقه في مخيم العروب ورفاقه في سجون الاحتلال.

الشهيد البطل " خالد " كان مستبسلاً في ساحة المعركة في أزقة مخيم العروب، وطلب من أحد رفاقه قبل استشهاده بخمس دقائق أن يستبسل في مواجهة جنود الاحتلال على مدخل المخيم كي يرثيه ويُعليه، لكن الشهيد " خالد "تقدم الصفوف واستشهد هو، ورثاه رفيقه الذي طلب إليه الاستبسال في الإقدام والمواجهة.

والدة الشهيد البطل في اليوم الثاني لاستشهاد ابنها، زارت قبره، ووضعت أكاليل من الورود على مثواه، مُعتبرة الأمر كـ "صباحية العريس" كما تجري العادة الفلسطينية، بأن تزور الأم ابنها صبيحة اليوم الثاني لزفافه.

وفي حديثها لـ"بوابة الهدف" تتفاخر أم الشهيد بالقول "لن ينال الاحتلال من عزيمتنا لهذا أنا سعيدة اليوم بارتقاء ابني، وأفتخر به وبكلّ الأبطال المقاومين للاحتلال، لأنّه بالمقاومة وحدها سيخرج ابني صامد والأسرى من سجون الاحتلال، وبها أيضاً نعود إلى بلدتنا الأصلية عراق المنشية ونحن من أرضعناهم حليب الشّهامة والدّفاع عن كرامة شعبنا، ولكنّ ما يحزنني هي حالة التشرذم والانقسام المريرة والمخزية التي تفرق بين أبناء هذا الشعب العظيم وإن الاحتلال سينهزم حينما نتوحد، مثلما توحد خالد مع شباب المخيم في الدفاع عنه".

وتتابع أم البطل: خالد كان كتوماً جداً لكنني كنت ألحظ عليه مدى تأثره بمشاهد الإعدامات التي ينفذها جنود الاحتلال، ومستوطنيه بحق النساء والأطفال والشبان من أبناء شعبنا، وكان شديد التأثر لمشاهد القوات الخاصة الصهيونية في اعتقال الاطفال والشبان في ساحات المواجه وكان دائم التمني للشهادة والانتقام للشهداء، وهي أمنية حقّقها ،وهذا ما دفعني للخروج للمشاركة بزفافه يوم استشهاده.

وقالت بحرقة لم تستطِع إخفاءها "أنا راضية عنه، ويا رب أكون أوفيت له في عرسه وزفافه".

عبد القادر الطيطي صديق الشهيد وواحداً من الرفاق الذين عايشوه في سجون الاحتلال الصهيوني يتحدث لـ "بوابة الهدف": إنّ خالد اعتقل لدى الاحتلال ثلاث مرّات، وقضى ما مجموعه عامين ونصف في سّجونه، بتهمة نشاطه المقاوم للاحتلال في المخيم، وانتمائه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة.

ويُوضح الطيطي أنّ الشهيد كان يلّقب نفسه "عسكر" نسبةً إلى الشهيد أحمد عطية عسكر، أحد أبرز قيادات كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لافتاً إلى أنّه صديق وفي ومقرّب من الشهيد الرفيق "محمد عماد الجوابرة " الذي استشهد قبل نحو عام في المخيم، حيث ان الشهيد "خالد" قبل يومين من استشهاده كان يستعد مع مجموعة من رفاقه إلى بناء نصب تذكاري للشهيد "محمد" واتفق مع الرفاق على أن يكون الجمعة هو يوم عمل النصب، ليكون الجمعة يوم عرسه، وليدفن بجوار رفيقه وصديقه الأكثر قرباً الشهيد "محمد".

ويختم الطيطي حديثة لمراسل "بوابة الهدف" جسد رفيقنا خالد عملياً مقولة الشهيد الأديب غسان كنفاني عندما قال "احذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص"، فكان خالد نداً لهذا المحتل، استشهد رفيقنا وهو يمطر قوات الاحتلال بالزجاجات الحارقة، وآخر كلمة نطق بها لحظة الإصابة " يا رفاق " وكان دائم الحضور بكافة المحافل والوطنية والحزبية.