قباطية .. نقطة تحول

حجم الخط

منذ ان اندلعت هذه الهبة في الاول من اكتوبر من العام الماضي، والاحتلال يواجهها بشتى الاشكال وجرائم القتل والاعدام الميداني والاعتقالات الواسعة وغيرها من صنوف القمع، الا انه كان حريصاً، وهو ما ورد على لسان اكثر من مسؤول امني وسياسي على عدم اتباع ما يسميه ( سياسة العقاب الجماعي ) او المس ( بالسكان )، تقديراً منه بان هذا الاسلوب يستجلب ردوداً واسعة ودخول قطاعات اوسع من ابناء الشعب الفلسطيني على خط المواجهة المباشرة مع الاحتلال.

هذه السياسة بدأت بالتغير خلال الايام الماضية، فبعد عملية بيت ايل التي نفذها الشهيد امجد سكرى، فرض الاحتلال حصارا واغلق جميع مداخل رام الله، لكن الامر لم يطل بسبب حساسية وضع المدينة التي تعتبر مركزاً للقيادة الرسمية الفلسطينية، ومركز لعمل الكثير من المنظات الدولية والبعثات الدبلومسية، وما يعنيه ذلك من تعقيدات فرض حصار شامل عليها، فرفع الحصار بعد اقل من 48 ساعة عنها.

لكن التغيير الاوضح في هذه السياسة هو ما شهدناه من حصار واسع ومحكم الى حد كبير على بلدة قباطية، كبرى بلدات محافظة جنين وشمال الضفة الغربية عموماً، وذلك اثر تنفيذ ثلاثة من ابنائها لعملية القدس النوعية، والتي مثلت فشلاً ذريعاً للمستوى الامني والعسكري في كيان الاحتلال بسبب تمكن المنفذين الثلاثة من الوصول لقلب القدس رغم الحصار وكل الاجراءات الامنية المشددة على مداخلها وفيها، بل وتمكن المنفذين من ادخال اسلحة محلية الصنع، اضافة الى طريقة تنفيذهم للعملية التي ادت الى مقتل مجندة على الاقل.

مباشرة بعد العملية بدأت سلطات الاحتلال، وبقرار من اعلى مستوى سياسي وبتوجيهات مباشرة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بفرض حصار محكم على قباطية، ودخول قوات قوات كبيرة من جيش الاحتلال ومخابراته لتنفيذ عمليات اقتحام واعتقالات واسعة داخل البلدة.

الرد القبطاوي كان اعنف واشمل ربما من ما توقعه الاحتلال، رد يذكر بتاريخ هذه البلدة الشامخة وماضيها في الانتفاضتين الاولى والثانية، فقد خرج كل اهالي قباطية شيبا وشبانا، نسوة ورجالا تدافع عن البلدة، بل تبادر الى مواجهة قوات الاحتلال التي تدخل البلدة، وتبادر الى الذهاب الى الحواجز والسواتر الترابية التي اقامتها قوات الاحتلال لملاقتها، رغم ان بعض هذه الحواجز والسواتر يبعد اكثر من كيلومترين عن مركز البلدة.

مواجهة الحصار تتم بكل الاشكال، بالحجارة والمقاليع والمولوتوف، جرافات لاهالي البلدة مهمتها اعادة فتح كل ساتر يضعه الاحتلال وخاصة على الطرق والمداخل الفرعية، يبتكرون فكرة رش الاليات العسكرية بالدهان والاصبغة، التلاحم والتآخي بين ابناء وعائلات البلدة يتجلى باروع صوره، فما من بيت يترك وهو محتاج لاي شيء.

تحدي اهالي البلدة للحصار تجلى ايضاً بالروح المعنوية العالية التي ابدوها في لقاءاتهم مع وسائل الاعلام، وفي كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشرون السخرية من جيش الاحتلال، ومن حصاره واجراءاته، ويظهرون ابداعات شبان البلدة في مواجهة الاحتلال.

هذه الروح الانتفاضية العالية، والشهداء التسعة الذين قدمتهم قباطية منذ اندلاع الانتفاضة، ومنهم شهداء عملية القدس الثلاثة، اضافة الى ماضي البلدة وشهرتها في النخوة والشهامة وصلابة ابنائها، خلقت التفافاً واسعاً حول قضيتها ورفض حصارها، فابناء القرى المجاورة، وابناء مدينة ومخيمها، كانوا سنداً لها، واسهموا في فك الحصار عنها.

قباطية، ارغمت قوات الاحتلال على الانسحاب منها وفك حصارها بعد ثلاثة ايام من فرضه، دون ان تحقق اي هدف من وراء ذلك، وهذا ما اعترفت به وسائل الاعلام العبرية صراحة.

ازاء كل هذا، فان ملحمة قباطية، بدء من العملية النوعية التي نفذها شهداءها الثلاثة في القدس، ومروراً بكيفة مواجهتها للحصار، وانتهاء بحجم الالتفاف الجماهيري حولها وحول قضيتها، والتي انتهت بانتصار البلدة واهاليها، وبالذل والخيبة لجيش الاحتلال، تعتبر درساً لابناء الشعب الفلسطيني واي مكان او تجمع قد يتعرض لحصار مماثل، وتشكل نموذجاً يحتذى بالارادة والعزيمة على الانتصار، وربما تشكل نقطة تحول في مجريات هذه الانتفاضة.