الفعل الانتفاضي وسياسات الاحتلال القادمة

حجم الخط

في لقاء مع صحيفة " يديعوت أحرنوت" بتاريخ 28/4/2016 ضم مجموعة من قادة ألوية في جيش الاحتلال العاملة في الضفة الغربية المحتلة أشاروا للصحيفة خلاله إلى حالة الهدوء السائدة خلال الشهر الأخير، والتراجع بمعدل العمليات والمواجهات في أنحاء الضفة والقدس؛ حيث شهد شهر نيسان 5 عمليات بالمقارنة مع العمليات الأخرى، وشهر أكتوبر العام الماضي 72 عملية، ونوفمبر 47 عملية، وديسمبر 43 عملية، ويناير العام الحالي 21 عملية، وفبراير 20، ومارس  عملية23 .

 لكن الهدوء النسبي خلال شهر نيسان يرونه بأنه نتاج عدة عوامل، أبرزها الإجراءات العميقة المتخذة والتي تحول دون توسع وتطور الفعل الانتفاضي.  وأشاروا إلى أن هذا الفعل الانتفاضي سيتجدد ويتطور، وسيكون وتيرته أسرع ومستواه أعلى.

 وقد تحدثوا عن عدد من الإجراءات اتخذوها للرد على الانتفاضة، أبرزها:

  • تحديد السمات العامة للمواصفات الشخصية للفدائي المحتمل:

خطوتهم الأولى تمثلت بتحديد سمات ومواصفات محددة، تم صياغتها بناءً على قراءة عميقة للشباب الفعالين في الفعل الانتفاضي، تتعلق بالموقع الجغرافي للمناضل، وسنه ودوافعه، ويشيرون أنهم بدأوا بالبحث عمن يُحتمل أن تنطبق عليه المواصفات في كافة المواقع.

 وحسب بعض المعطيات التي أشاروا لها إلى أنه ما بين 50 إلى 60% من المناضلين منفذي العمليات لهم احتكاك سابق مع قوات الاحتلال، أو كانوا معتقلين، أو ممن شاركوا في القاء الحجارة، أو ألقي القبض عليهم داخل فلسطين المحتلة عام 48 دون تصاريح دخول،  أو كانوا محرضين وداعمين للانتفاضة ومقاومة الاحتلال، أما الأعمار فهي ما بين 15 سنة إلى 25 سنة.

 وقد تم العمل في كل قرية ومخيم ومدينة على استهداف هذه الشريحة من الشباب ومتابعة صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقال جزء منهم او مداهمة منازلهم وتهديد ذويهم.

  • الضغط على العائلات:

إحدى الأساليب التي اتُبعت لقمع الفعل الانتفاضي هي الضغط على العائلات، وهذا من خلال تحذيرهم " بأنه في حال مشاركة أبنائهم بالحالة المقاومة سيتم اتخاذ إجراءات بحق العائلة، ومصادرة أدوات عمل على سبيل المثال أدوات زراعية وبالأخص في القرى، أو سحب تصاريح دخول للعمل في فلسطين المحتلة عام 48، وهدم المنزل، وإجراءات عقابية أخرى تُنفذ حال قيام أحد أفراد العائلة بالمشاركة في الفعل النضالي"، ويؤكدون على أهمية العقوبات الاقتصادية وفعاليتها كعقاب رادع، رغم قناعتهم بأن هذا الضغط على العائلات وقمعهم لن يؤثر على استعدادية الشباب لاستمرارهم في الفعل الانتفاضي، إلا أنه يمثل رسالة للعائلات بأن يؤثروا هم على الشباب 

  • هدم المنازل والتأثير المعنوي والترهيب:

إن رسالة هدم المنازل يعتبرونها فاعلة ضد العائلة، ورسالة لعائلات أخرى، يضاف لذلك نمط التعامل مع القرى التي خرج منها الفدائيون، من حيث عدم تقديم تسهيلات لها تتعلق بالحركة، ويتم استخدام العقوبات الجماعية ضد أبناء عائلة الفدائي وحمولته، وهنا مهم التأكيد على أن الإجراءات الأقصى بالضرورة تكون ضد الحمولة مع اعفاء عائلات أخرى داخل البلد من العقوبة.

  • التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة:

أشادوا بالتنسيق الأمني كعامل مهم من ناحية الحد من الفعل النضالي، مع إعطاء امثلة تتعلق بمتابعة المدارس والملاحقة وغيرها.

  • من أجل المستوطنين:

يتحدث قادة الاحتلال ويقولوا " نحن هنا من أجل المستوطنين والأمن والأمان لهم، بالأخص في ظل تراجع الشعور بالأمن والأمان خلال الأشهر الأخيرة".

 هذه رسالة قادة جيش الاحتلال والتي كشفت الصحيفة النقاب عنها من خلال هذه المقابلة. وإن  هذا اللقاء الموسع الذي أجرته الصحيفة، قد حمل عدة رسائل، منها محاولة بث نوع من الأمان الداخلي للمستوطنين بالأخص، وإعادة تقديم رسالة داخلية تتعلق بجيش الاحتلال كمؤسسة بعدما طاله نقد داخلي من قبل اليمين الصهيوني بالأخص، وهذا عن طريق استعراض التحديات والدور القمعي الذي يمارسه، وبذات الوقت إعداد داخلي لما هو قادم، حيث أن المواجهة لم تنته؛ فالتقديرات لدى جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية بأنها ستتواصل، بما يعنيه ذلك من ضرورة التأقلم حيث أن عدم وجود الأمن وروتين الحياة اليومي والتهديد والشعور بعدم الأمان أبرز نقاط ضعف هذا الكيان، وبذات الوقت فإن متابعة هذه التصريحات وغيرها تجعلنا نحدد السياسات المتبعة والتي سوف تتسع وتتصاعد وأبرزها:

أولاً: استهداف القطاع الشبابي، وهذا عبر الاعتقال مباشرة، أو المداهمات الليلية وجعل كل شاب وشابة في دائرة الاستهداف، والضغط والحذر وعدم الاستقرار، وبث شعور بأن كل فرد بهذا القطاع متابع، وأن كل تحرك وحتى رأي يصل له، وكل فكرة أو تصرف يمكن أن يقوم بها أحد المناضلين أو المناضلات بشكل ذاتي يتم إحباطها، على أمل أن تسبب هذه النشاطات لقوات الاحتلال حسب ما يريده الاحتلال حالة من التردد لديهم، على قاعدة أنهم يعلمون أو لديهم معطيات ما يريد الشباب فعله، علماً ان مثل هذه النشاطات من خلال المداهمة لمنازل نشطاء وشبان تتم على قاعدة إرسال رسائل، وتختار الأهداف ضمن معايير عامة.

ثانياً: خلق وسائل وأدوات ضغط، من خلال العقوبات الجماعية، والعقوبات لأبناء عائلات المناضلين، ومحاولة خلق عقوبات داخل البلدة الواحدة، وهذه ليست جديدة بل متوارثة من تجارب قوى الاستعمار، وتهدف إلى التمييز، وإنتاج أدوات تأثير داخلية من خلال سحب تصاريح، والتضييق على الحركة، وهدم المنازل ..إلخ، وخلق تمايز ومصالح بين قرية وأخرى ومناطق وأخرى، بحيث يتم تعطيل المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة الوطنية.

ثالثا: سياسة إغلاق المعابر والمدن، والتي سوف ترتبط بكل فعل نضالي، وتتسع، وقد يتم إعادة تفعيل الاغلاقات الداخلية، لكن مع عدم جعل هذه الإجراءات ضد الجميع، بحيث لا يتم تجييش الجميع.

رابعاً: شبكات التواصل الاجتماعي ومتابعتها، واستخدام المعلومات المتواصلة من خلالها، وتحديد وقراءة الرأي العام والآراء، بالأخص بين قطاع الشباب، وزيادة متابعة هذه الشبكة واعتمادها كأحد مصادر المعلومات.

خامساً: زيادة الضغط على المؤسسة الاقتصادية والأمنية لدى السلطة من خلال إجراءات غير مباشرة، لدفع الأجهزة لاتخاذ إجراءات أوسع واشمل وجعل الاقتصاد عنوان ضاغط.

سادساً: وقف مشاريع اقتصادية تتعلق بالأبنية التحتية بالأخص في القرى، ورهن استمرارها بالحد من الحراك ضد الاحتلال. وهذا تفصيلاً ترجمة ومعطيات السلام الاقتصادي.

سابعاً: تشجيع بعض مظاهر التسيب والتوتر في الشارع الفلسطيني، وبالأخص تغذية النزاعات العالية والاشكاليات.

 ولهذا الغرض ومن أجل أن نكون مستعدين، فإن هناك ضرورة تحديد سياسة مواجهة وتصدي، وعدم جعل الفعل الانتفاضي فعل فردي بدون مساندة؛  فالمطلوب هو القيام بحملات التعبئة والتوعية للشباب، خاصة فيما يتعلق بالاعتقال والتحقيق، وكيفية التعامل الآمن مع مواقع التواصل الاجتماعي، وكشف هدفية سياسة الاحتلال القائمة على قاعدة التمييز والتفرقة، والمبادرة إلى تشكيل لجان عمل شعبي في كافة المواقع، ورفع مستوى المواجهة.

 إن هذه المهام وأخرى بالضرورة أن تتصدى لها القوى الوطنية وأن يكون لها دور فاعل في التصدي لمخططات الاحتلال؛ فالقادم بالاستهداف أوسع وأشمل مما مضى، ما يعني ضرورة الاستعداد الكامل، خاصة وأن الهجمة الدائرة والمتصاعدة، لا تهدف لإحباط فعل نضالي فقط، بل إعادة تركيز الأوضاع بما يخدم سياسة ورؤية الاحتلال.

انتهى