لا الشعب فنى ولا الصراع انتهى

حجم الخط

68 عاماً مرت على النكبة الفلسطينية المستمرة منذ إنشاء الكيان الصهيوني، كنظام استيطاني كولونيالي من نوع خاص، هو الأبشع في التاريخ المعاصر. كيان استهدف أرض فلسطين، وابتلع، واستوطن، وهوَّد، وسيطر على 85% منها، وضم القدس. والآن، بعد 25 عاماً من مفاوضات «مدريد أوسلو»، وفيما تطلب ««إسرائيل»» الاعتراف بها «دولة للشعب اليهودي»، وترتكب جرائم الإعدام الميداني الموصوفة، وفظاعات حروب الإبادة والتدمير، نجدها ترفض مطلبين صغيريْن للمفاوض الفلسطيني، هما «تجميد الاستيطان»، أي ليس تفكيك المستوطنات وجلاء الاحتلال، وإطلاق «دفعة من قدامى الأسرى»، أي ليس تبييض السجون. كيان استهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني، وشرد 60% من أبنائه وحولهم إلى لاجئين في أربعة أرجاء المعمورة، ولا يزال ينكر الاعتراف بمسؤوليته عن تشريدهم، ويرفض، بالمطلق، الإقرار بحقهم في العودة إلى ديارهم.

كيان توسعي لم تكن «الهدنة»، (بين عامي 48 و67) بالنسبة له سوى فترة إعداد واستعداد لاحتلال واستيطان وتهويد باقي أرض فلسطين، عدا سيناء المصرية والجولان السوري الذي ضمه، عام 81، وما زال يزرعه بالمستوطنات، وينهب مياهه وثرواته الطبيعية، وأعلن، مؤخراً، أنه «سيحتفظ به للأبد». 

كيان مارق لم تكن موافقته على «قرار التقسيم» سوى مناورة واحتيال على السياسة الدولية، ما يعني أن عمليتي التطهير العرقي المخطط في العامين 48 و67، هما حدثان منفصلان في الشكل، متصلان في المضمون، ويشكلان جزءاً من حدث واحد كبير امتد طوال قرن من الزمان، هو عمر ترسيم مشروع الحركة الصهيونية ب«وعد بلفور» الاستعماري في عام 1917.

كيان مارق كان، ولا يزال، مصدرَ تهديد للأمة العربية ودولها، ورأسَ حربة لضرب حركة شعوبها للتحرر والتغيير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، ونقطة مراقبة ثابتة، وموقعَ حماية متقدم لمصالح «الغرب» الاستعماري الإمبريالي في الوطن العربي، حيث شارك، عام 56، أي بعد 8 سنوات، فقط، على إنشائه في العدوان الثلاثي على مصر، وضرب، في العام 81، المفاعل النووي العراقي، وشن أكثر من حرب وعدوان على لبنان، وحاصر واقتحم ودمر عاصمته بيروت في العام 82، وشجع وحرض الولايات المتحدة على احتلال العراق وتدميره في العام 2003، ونفذ عشرات عمليات العدوان والاغتيال في أكثر من دولة عربية، ونظم فيها أكثر من شبكة للتجسس والتخريب وإثارة الفتن بأشكالها، وما تدخلاته، المعلنة وغير المعلنة، العسكرية وغير العسكرية، في مجريات الحراك الشعبي العربي، طوال السنوات الخمس الأخيرة، سوى دليل إضافي على وظيفته الاستعمارية كما حددت معالمها اتفاقية «سايكس بيكو» في عام 1916. وأكثر، إنه الكيان الذي لم يمضِ 15 عاماً على إنشائه حتى ابتاع من فرنسا، في عام 63، مفاعلاً نووياً، استخدمه لأغراض عسكرية، وأبقاه، (وكل أسلحة الدمار الشامل الأخرى)، طي الكتمان، وخارج رقابة وكالة الاختصاص التابعة لهيئة الأمم، وأنتج، حسب أقل التقديرات، 200 قنبلة نووية، فيما تكشَّف، في الآونة الأخيرة، أمر انتهاء العمر الزمني لهذا المفاعل، وعدم إمكان تصليح ما لحق به من عطب، ما يشكل خطراً فعلياً على حياة البشر داخل فلسطين، وفي محيطها العربي، بل على حياة سكان المنطقة عموماً.

في ذكرى النكبة المستمرة، فلنكتف بالقول إن النظام الاستيطاني الاستعماري الصهيوني يمضي قدماً في استيطان وتهويد ما تبقى من فلسطين، الأمر الذي دفع جهات متعددة الجنسيات للقول إن التوسع الاستيطاني لا يترك متسعاً لإقامة دولة فلسطينية، فما بالك بباقي عناصر البرنامج الوطني، (العودة والدولة وتقرير المصير). لكن رغم 68 عاماً من النكبة المستمرة، فلا الشعب الفلسطيني فنى، ولا الصراع على الأرض انتهى، ولا حلم الصهيونية اكتمل، فالمقاومة مستمرة، وروح الفلسطينيين الوطنية ما زالت متأججة، وصمودهم حقيقي، ومطالبهم عادلة ومعمدة بالتضحيات.