عن مخاوف جولدا ..وعين العرب

حجم الخط

الكثير من المتغيرات السياسية والأمنية فرضت على الرأي العام العربي والإقليمي والدولي أن يولي اهتماما أكبر بما يجري بعيدا عن مركز الصراع في المنطقة في فلسطين وكان قدر القدس والمسجد الأقصى أن يتعرضا في هذه الايام لهجمة صهيونية عنصرية تهويديه متميزة دون أن تنظر لهما عين العرب بما يتناسب مع مكانتهما القدسية في العقيدة الإسلامية ومرد ذلك إلى أن مدينة عين العرب السورية ذات الغالبية الكردية كانت قد جلبت قبل عام وما زالت حيث المعارك الطاحنة تدور بالقرب منها اهتمام وكالات الانباء المحلية والعالمية وكأن هذه الديار من الأراضي السورية التي لم يذكرها الرحالة البطوطي في ترحاله من كثرة ما تحظى به من تغطيه إعلامية ، أصبحت في عداد المناطق الاسلامية التي دارت فيها معارك عسكرية حاسمة في التاريخ كاليرموك والقادسية وحطين.

وهكذا لم تعد عين العرب كعادتها في السابق ايام كان للعرب وللمسلمين قادة عظام كصلاح الدين والظاهر بيبرس وقطز وعبد الناصر ، لم تعد هذه العين الواسعة تشخص هذه الايام نحو اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، نحو الصخرة وباب المغاربة ومنبر صلاح الدين الذي أحرقه الصهاينة العنصريين في عتمة الليل ،في تلك الليلة التي أحرق الصهاينة فيها الاقصى لم تنم جولدا مائير المرأة الشيطانية اليهودية ذات الأصول البولندية التي كانت من الرعيل الأول للساسة الصهاينة الذين واكبوا قيام الكيان عام 48 ، لم تنم جولدا من خوف الغضب العربي الذي توقعته في الصباح ومن الخوف من موقف النظام العربي الرسمي المرعبة المتوقعة في ذلك اليوم وحين تم التعبير عن هذا الغضب للموقف العربي الرسمي عن نفسه في صورة بيانات شجب واستنكار تقليدية هزيلة و مكررة ومملة اعتادت على سماعها الجماهير العربية شعرت بالراحة و بالطمأنينة لأنها أدركت أن الأمة العربية والإسلامية تغط في نوم عميق وان مخاوفها من غضب عربي وإسلامي مزلزل يهز كيان الدولة العبرية كان خاطئا ، لقد ذهب مع الريح العقيم الذي لم يجلب المطر.

 هكذا انتقل بعد سنوات عجاف طويلة مركز الصراع من القدس من فلسطين القطر العربي الذي يقع في قلب الوطن العربي والإسلامي المغتصب من قبل شذاذ الآفاق الى مدينتي حلب السورية والموصل العراقية في محاولة من الأطراف المتصارعة كلها لحسم الصراع مع تنظيم داعش والنصرة وغيرهما من قوى التطرف الإسلامي والمعارضة المسلحة وكل ذلك يحدث بعيدا عن مركز الصراع الرئيسي في المنطقة وفي وقت تشهد به القدس والمسجد الأقصى الذي أقرت منظمة اليونسكو بأن لا علاقة له بالرواية اليهودية ..يتعرض كل منهما لأشرس هجمة يهودية عنصرية كان على ملوك دول الخليج العربي وحكامها من أمراء النفط و كذلك ملك الاردن الذي تشرفه ميزة السيادة الهاشمية على المسجد الأقصى ، كان على هؤلاء جميعهم أن ينتصروا لهذه الأماكن المقدسة بدلا من المشاركة مع أمريكا حليفة الكيان الصهيوني في محاربه ما تسميه بالإرهاب الدولي الذي صنعته هي نفسها في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يحتل آنذاك أفغانستان ..

تتتابع الأحداث العنصرية القمعية في المسجد الأقصى في هجمة غير معهودة ضد شعب فلسطين العربي المسلم والعالم العربي والإسلامي يلفه الصمت وعدم المبالاة ولا يتابع ولا يهتم إلا بما يجري من صراع بين داعش التنظيم الإسلامي المتطرف الذي ظهر في حاضنة عراقية طائفية والتحالف الدولي التي تقوده واشنطن وبذلك يتحول وجهة الصراع في المنطقة من صراع عربي صهيوني وفلسطيني إسرائيلي إلى صراع حول قضية إرهاب هي بعيدة عن جوهر التناقض الرئيسي الذي يحكم الصراع في المنطقه ، قضية إرهاب دولي اوجدها الغرب نفسه بعنصريته وحقده ومعاداته للإسلام والعروبة لتكون ذريعة يستخدمها لرسم خريطة جديدة لدول المنطقة تكون ذات طابع عرقي وطائفي ومذهبي ..والسؤال الملح الآن أمام هذه الأخطار هو متى تنهض حركة التحرر العربية من جديد بعد أن برز في سماتها التراجع متوافقا مع هزيمة يونيو حزيران عام 67 ؟

متى توحد قواها وتتخلص من ظاهرة التشرذم والانقسامات في صفوفها فيعود بذلك المد القومي التقدمي واليساري للمنطقة لمواجهة المشروع الصهيوني الامبريالي والقوي الرجعية العربية والقوى الطائفية والتكفيرية ؟

متى يحدث ذلك حتى تعود عين العرب تنظر للقدس بما يتناسب ويليق بمكانتها الدينية والقومية ؟.