قراءة في المشهد السياسي الإسرائيلي وأجندة اليمين الصهيوني

حجم الخط

 

مركز حنظلة للأسرى والمحررين

                                       العلاقة ما بين ثلاثي السيطرة (السياسة، المال، الصحافة):

 

تحتل قضايا الفساد التي أثيرت ضد رئيس وزراء العدو " بنيامين نتنياهو" ومالك صحيفة " يديعوت أحرنوت" " أرنون موزس" وأطراف من رؤوس الأموال العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام، حيث تفحص شرطة الاحتلال في شبهات مخالفات جنائية شابت صفقات شراء الغواصات الألمانية، والتي في طريقها للتحوّل خلال الساعات القادمة إلى مرحلة التحقيق الجنائي الكامل.

تورط قيادات سياسية صهيونية في قضايا فساد ليست جديدة على صعيد البنية السياسية داخل حكومة الاحتلال من "أرئيل شارون" والتحقيقات معه فيما يُعرف باسم " قضية الجزر اليونانية"، و"ايهود أولمرت"، والتلميحات حول "ايهود باراك"، وملاحقة "نتنياهو" سواء خلال حكومته الأولى ولاحقاً، هذا وعدد عن فضائح الاختلاس والرشاوي وغيرها.

ولعل أكثر القادة السياسيين فساداً هو "ليبرمان" وحزبه، حيث أجريت تحقيقات على مدار السنوات الماضية عكست مدى تغول سيطرة رأس المال على القرار السياسي ودعمه عبر التبرعات والرشاوي وتقديم مشاريع وخدمات، ليغدو المستوى السياسي الإسرائيلي معبراً عن احتياجات رأس المال ومرتبطاً به.

إن المستوى السياسي يُعبر عن مصالح مشروع كولنيالي توسعي مناط به دور وظيفي داخل المنطقة، يتحكم به النظام الرأسمالي العالمي ويمثل امتداد له، ولذلك فإن قادة اليمين وسيطرتهم على المشهد السياسي المعبر عنه يتمظهر بأشكال عدة، ويستخدم أدوات متعددة: منها الصحافة والتي ينسجم ملاكها مع المستوى السياسي أو يختلف مصلحياً لا أيديولوجياً.

إن الملاحقة القانونية لـ"نتنياهو" خلال هذه الفترة مثلت أكبر تحدي لسلطته وسيطرته خلال الأعوام الأخيرة، وبدأت بفتح الأبواب أمام بدائل حال أدت التحقيقات إلى تقديم لائحة اتهام ضده في حين بدأ "نتنياهو" باستخدام استراتيجية هجومية ضد الاعلام، والشرطة والقضاء من جهة، وسيقوم باللجوء إلى خطاب التخويف الذي ( يشكّل مركب تجنيدي في الخطاب المقدم من نتنياهو) ([1]).

 هذه الخيارات ستدفع " نتنياهو" إلى محاولة تصدير هذه الأزمة والتغطية عليها سواء عبر ازدياد وتيرة التحريض على أبناء شعبنا داخل فلسطين المحتلة، وتوسيع دائرة الاستهداف لهم، والتصعيد على المستوى الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس، ورفع وتيرة التصعيد في الملفات الأخرى من جهة أخرى.

ولعل " نتنياهو" يدرك جيداً أنه لا ثقة به شعبياً بالمقابل فإنه المفضل كرئيس وزراء أكثر من أي شخصية قيادية أخرى -  هذا التناقض مرده استطلاع للرأي أظهرت نتائجه بأنه إن صارت الانتخابات سيحصل "نتنياهو" على أعلى النسب في مواجهات خصوم سياسيين آخرين بنسبة ( 31% ) ([2]).

ولكن ما يقلق " نتنياهو" قبل التحقيقات هو بداية خروج منافسين له يشكّلون تهديد له، حيث حصل رئيس هيئة أركان الحرب السابق " يوآف غالانت" بذات الاستطلاع على نسبة ( 25%)، وما ازداد قلقه هو تقدم "يائير لبيد" من حزب " هناك مستقبل" ([3])،  ومحاولات " يعلون" تقديم نفسه كخيار يمثل الاستجابة لمرحلة جديدة وفتحه حوارات مع "لبيد" في إشارة إلى أن رؤية "يعلون" السياسية لخصها بقوله " موضوع السلام تحّول إلى شعارات ويجب أن نعمل على تكريس حالة الاستقرار أكثر على أساس المصالح المشتركة، حيث أن مصطلح " السلام العربي الإسرائيلي تحوّل إلى مصطلح غير واضح، فنحن في ذات الخندق ليس مع المصريين والأردنيين فقط، بل مع دول عربية أخرى في المنطقة والخليج وشمال أفريقيا وهي أيضاً تحت التهديد الإيراني والمحور الشيعي، وتعاني من الإرهاب الداعشي، والأخوان المسلمون، نحن في ذات الزورق، لذلك يجب التقاط هذه الفرصة والتأسيس لعلاقات على قاعدة المصالح المشتركة ([4]). حيث عمل يعلون منذ استقالته من أجل بناء خيار بديل لـ"نتنياهو" لكن ربما مع هذه التطورات قد اكتشف أهمية قول الرئيس "شارون" قبل عدة سنوات "الأساس أن تبقى على العجلة ولا تغادر "، حيث كان ربما من الأفضل وافق على عرض "نتنياهو" بأن يبقى وزير خارجيته، وربما خيار بناء بديل ائتلافي أكثر سلاسة وعملية بحكم تعقيدات الوضع الداخلي في حزب "الليكود".

 إن البدائل المطروحة الآن والتي ستتشكل ستخرج من دائرة معسكر اليمين سواء "يعلون" أو بدائل الليكود من " غينيت ولبيد" والمشترك ما بين الجميع و"ليبرمان" هو التأكيد على أن الحل السياسي لا يمكن إلا من خلال مفاوضات بمشاركة دول الخليج ومصر و"إسرائيل" ودول أخرى ([5])حسب "ليبرمان"، و"كحلون" ضد العودة لحدود عام 1967 وقبول مشروط لخطة كلينتون "القدس عاصمة إسرائيل"  ([6]إلا أن البدء بمرحلة البحث عن وريث ما زال مبكرا؛ فنتنياهو لن يتنازل بسهولة إلا إذا كان مضطراً ومجبراً، رغم أن سياسته كانت استبعاد كل من يمثل تهديد له من داخل حزبه أو يمثل بديل مستقبلي، ولعل من سيكون الرابح الرئيسي هو من يستطيع أن يقدم خطاب التخويف والخطاب اليميني العنصري الذي يحاكي توجهات الحالة اليمينية المسيطرة داخل المجتمع الصهيوني.

  • ·    قانون التسويات " ضم مناطق c":

إن استراتيجية اليمين باتت أوضح الآن من جهة الهدف الآني وهو تحقيق ضم للمناطق المصنفة (c) ودور المستوى السياسي في هذا الإطار ضمن تقاسم الأدوار هو الدافع باتجاه تشريع القوانين والتشريعات مثل قانون "تسويات الأراضي" والذي  يبني مشروعيته على قرصنة وسرقة الأراضي الفلسطينية المقامة عليها مستوطنات، وتمرير التشريع رغم المعرفة المسبقة بأنه يمكن أن يتم تعطيله في المحكمة العليا الصهيونية، وبالتالي الاستفادة من رفض العليا للتشريع في التحريض عليها أولاً وتمرير القانون، وتقليص دورها الرقابي كسلطة قضائية من جهة عبر إقرار تشريع خاص، والدفع نحو تمرير تشريع ضم المناطق المقامة عليها تبدأ بمستوطنات "معالي ادوميم وغوش عتسيون" كخطوة نحو ضم مناطق (c) كمساحة أوسع من الأراضي وتواجد سكاني محدود، حيث أن تقدير اليمين بتواجد مئات آلاف الفلسطينيين في مناطق (c) من جهة أخرى، ويترافق مع ذلك التشديد على البناء غير المرخص - حسب تعبير حكومة الاحتلال - لأبناء شعبنا في مناطق عام 48 وإطلاق حملة هدم للمنازل كما حدث في أم الحيران وقلنسوة، وهذه إجراءات ستتصاعد، إضافة إلى ذلك كشف دور كشف عنه أحد العنصريين الصهاينة "أن ما يقارب من مليون فلسطيني معنيون بالهجرة وعلينا مساعدتهم على ذلك ومصادرة  الأراضي ([7]).

إن مجمل ما ذُكر، يشير إلى تقاسم الأدوار ما بين السلطات التشريعية والسلطة السياسية والمنظمات اليمينية بهدف توسيع مصادرة الأراضي والاستيطان وضم مناطق داخل الضفة رسمياً خلال المرحلة القادمة، مستغلين الأوضاع الإقليمية والدولية، وبهذا الاطار تم رصد مبلغ 5 مليار شيكل لمشروع تجهيز الطرقات وتطوير المواصلات التي تتضمن ضم الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة عبر تطوير الطرق عبر  القطار السريع لبعض المستوطنات، وشق شوارع التفافية جديدة، وهذا يعني حملة مصادرة أراضي جديدة واسعة([8]).

  • ·                                            أولويات حكومة الاحتلال والرد الفلسطيني:

إن أولويات حكومة الاحتلال الراهنة الاستيطان وفرض أمر واقع يقضي بتقليص مساحة الأراضي المتواجد عليها الفلسطينيون عبر المساحة الأوسع وهذا يستدعي توسيع الهجرة وترسيمها ومصادرة الأراضي، وتوسيع حالة الاستهداف، وتدمير الاقتصاد الفلسطيني الهش أصلاً، ومحاولة فرض واقع جديد في الضفة سياسياً، وزيادة الضغط على غزة عبر التلويح بالعدوان والذي بات يقدر بعض وزراء حكومة العدو أنه يمكن أن يكون خلال الصيف القادم، وحاصل ذلك يستدعي وقفة فلسطينية جادة بإنهاء الانقسام، وخوض نضال جاد على الأرض بكافة أشكاله في ظل أوضاع دولية صعبة، فعلى حد تعبير أحد الصحافيين الصهاينة" فإن ذات روح سياسة ترامب ونتنياهو تعتمد على أيديلوجية دينية لا تحتاج لحقائق ودلائل ([9]).

(انتهى)

 

[1] - صحيفة يديعوت أحرنوت ( 1-6-2016 مقابلة مع يعلون ).

[2] - استطلاع للرأي - القناة العاشرة الصهيونية بتاريخ 21/6/2016.

[3] - صحيفة يديعوت احرنوت استطلاع للرأي 7/9/2016                                                                  

[4] - مقابلة مع "يعلون" سابقة الذكر.

[5] - القناة العاشرة الصهيونية مقابلة مع "ليبرمان" وزير الحرب الصهيوني بتاريخ 14/1/2016.

[6] - القناة العاشرة الصهيونية مقابلة مع "موشيه كحلون" وزير المالية بتاريخ 17/1/2017.

[7] - مقابلة مع أحد العنصريين الصهاينة بتاريخ 17/1/2016.

[8] - صحيفة يديعوت أحرنوت الملحق الاقتصادي بتاريخ 31/ 1/2017 .

[9] -  مقالة صحفية - يديعوت أحرنوت بتاريخ 29/1/2017