فلسطين على برميل بارود

حجم الخط

 

الأحداث المتسارعة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة تشير إلى احتمالات مواجهة قادمة لابد منها، سواء بقطاع غزة أو اندلاع انتفاضة عارمة بالضفة الغربية، أو المنطقتين معاً، كما تشير التقديرات إلى إمكانية انخراط أطراف أخرى بهذه المواجهة ودخول حزب الله المعركة بكافة قدراته وطاقاته وإمكانياته المتوفرة.

فشل الكيان الصهيوني منذ عام 1967  من اقتلاع شعبنا بالضفة والقطاع وما تبقى من فلسطين، ورغم كل حروبه التي شنها على مواقع الثورة ومخيمات شعبنا بالشتات، وسياسة الطرد والنفي وتشريع القوانين ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت، وعمليات تهويد القدس وتغيير معالمها، قلع الاشجار، فتح السجون وزج مئات الآلاف من الفلسطينيين بسجونه بأحكام جائرة وقاسية، ولم يترك وسيلة غير انسانية إلا واستخدمها، ورغم كل ذلك بقي شعبنا الفلسطيني ثابتاً متشبثاً بأرضه، صامداً متحدياً، رافضاً المشروع الصهيوني، يضاف لذلك عدم تمكن الكيان من التوسع والامتداد بدول الجوار، اتجاه الاردن وسوريا ومصر وبقي مشروعه محصوراً على فلسطين والجولان.

لقد شكلّت الثورة الفلسطينية والصمود الفلسطيني وتشبث الشعب الفلسطيني بأرضه العقبة الأساسية أمام إيقاف تمدد المشروع الصهيوني وتوقفه، فرغم كل الحروب التي شنها الكيان الصهيوني والمجازر التي ارتكبها، إلا أن شعبنا الفلسطيني بقي صامداً متشبثاً ومتمسكاً بحقوقه بالحرية والعودة، ورفضه لأي مبادرة تنتقص من حقوقه.

لم يكن خروج الثورة من بيروت آخر المعارك، حيث انتقلت المواجهات إلى الداخل الفلسطيني، فكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987،  الاقصى عام 2000، عدوانه على غزة 2008-2009/2012/2014، وتصعيد إجراءاته وقمعه بحق شعبنا بالضفة والداخل المحتل منذ 48،  وتصعيد إجراءاته اليومية والمضايقات المستمرة وحصار غزة، والكثير من الإجراءات تؤكد كلها على أن الموجهة لم تنتهِ، حيث شهدت السنوات الأخيرة تصاعد المواجهات شبه اليومية بالزجاجات الحارقة والحجارة والإطارات المشتعلة والسكاكين والآلات الحادة وعمليات الدهس والعمليات النوعية التي تجري بالضفة الفلسطينية والتي تستنزف العدو وتربكه، وتتركه عاجزاً عن منعها وإيقافها.

السؤال المطروح هل ستحصل مواجهة؟ ما هي طبيعتها ونتائجها المنتظرة؟ ماذا يريد كل طرف؟ هل ستختصر المواجهة على غزة فقط؟ أم معها الضفة الفلسطينية؟ وهل ستمتد إلى لبنان؟

يقول بن غوريون، " حربنا مع العرب هي حرب وجود وليس حدود"، وأي مراجعة ودراسة لتاريخ الصراع منذ بداية استيطان فلسطين، تجد أن الحركة الصهيونية وكيانها وبدعم من الغرب ينكروا على الشعب الفلسطيني حقه بالوجود، فهذه معضلة للكيان الصهيوني يسعى إلى التخلص منها، فكل ممارساته وإجراءاته وقوانينه لم تتمكن من تفريغ فلسطين من سكانها، فالحالة الراهنة تشير إلى التفوق الديمغرافي الذي يميل لصالح العرب ويعتبر الخطر الحقيقي على وجود واستمرار هذا الكيان، فهو يسعى إلى التخلص منه بأي ثمن،  فهولا يقبل بأي حل يضمن استمرار هذا التواجد، الذي سيكون خلال السنوات القادمة متفوقاً سكانياً، فحل الدولة الواحدة بأي شكل من الأشكال بالنسبة للكيان تهديد لوجوده وبداية نهايته، أيضاً أي انسحاب إلى الخلف ولو خطوة واحدة أيضاً هي تهديد لوجوده، ولكن هل الحرب هي الحل بالنسبة للكيان؟

يسعى الكيان الصهيوني من أي عدوان قادم على غزة أو الضفة إلى تحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه عام 1967 إلى موجات لجوء جديدة، من خلال خلق المبرارات التي تسمح له بالعدوان معتبراً أن المقاومة بالقطاع وعمليات الضفة وتسليح حزب الله سبباً ومبرراً لشن هذا العدوان، مع ضمانة توفير تغطية وحماية دولية بالدفاع عن المبررات الصهيونية لعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني والذي لمسناه خلال الاعتداءات الثلاثة الأخيرة على القطاع، وهنا سيكون السؤال، هل سيحقق الكيان أهدافه بالمعركة القادمة؟ وإن لم يتمكن ما هي النتيجة؟

بالمقابل، المقاومة الفلسطينية تختلف بجاهزيتها عن جاهزية الكيان الصهيوني، وهنا يدخل عامل الرعب، الجماهير الفلسطينية تشكّل حماية واحتضان للمقاومة على عكس جمهور المستوطنين، ورغم بساطة الأسلحة والإرادة الشعبية ورغبة المقاتل إحساسه بالتضحية من أجل الحرية والاستقلال، وتشبثه بالأرض، هذا العامل سيكون له دوراً أساسياً بالمعركة المنتظرة، باعتبار أن الإنسان الفلسطيني ليس له ملجأ آخر غير وطنه، وأن الحالة العربية ليست كمثل الحالة التي كانت عام 1948، حيث تم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دول الجوار واستقبلتهم تلك الدول وأقامت لهم مخيمات، وإن أي لجوء فلسطيني باتجاه دول الجوار لا يلاقي إقبالاً اطلاقاً لا شعبياً ولا رسمياً.

أي حرب قادمة، هي حرب المصير، مهما كان حجم الدمار والقتل؛ فالكيان الصهيوني وجمهوره ليس لديهم التضحية بالحجم والنسبة التي تتوفر لدى الإنسان الفلسطيني ومقاومته، فكل أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الكيان الصهيوني لن تفيده، فهي تشكل خطراً على وجوده لضيق مساحة المعركة واختصارها على بعض الكيلومترات، وتواجد أعداد كبيرة وهائلة من قواته وجنوده، وبحال دخول حزب الله المعركة وهذا الاحتمال وارد، حيث أكد الحزب أن لديه من الامكانيات التي تستطيع أن تحقق النصر على هذا العدو بعد إلحاق دمارٍ كبيرٍ بكل المنشآت الصهيونية العسكرية والمدنية وتدمير البنية التحتية أيضاً.

هل الكيان الصهيوني سيدخل حرباً غير قادر على حسمها لصالحه؟ وغير قادر على تهجير المزيد من الفلسطينيين؟ ممكن، ولكنه لن ينتصر، لأن شعبنا على استعداد كامل للمعركة القادمة داخل وخارج فلسطين، معركة المصير الاستقلال والعودة ونهاية الكيان، ولا حل إطلاقاً ما دام الظلم قائم إلا بعودة الحق لأصحابه.