الانقسام وأثره على المواجهة القادمة

حجم الخط

 

 

إلى متى ستبقى الحالة الفلسطينية الراهنة كما هي؟؛ فالانقسام مستمر وعلى ما يبدو لا مؤشرات لتجاوزه، رغم كل جولات الحوار التي عقدتها الاطراف الفلسطينية المعنية، ومحاولات بعض الدول العربية التي لم تستطع تجاوز هذه الحالة، ورغم ضررها على كل تفاصيل الوضع الفلسطيني، إلا أن المسافة ما زالت طويلة جداً، ليس فقط باعتبار أن الطرفين يعبران ويمثلان مشروعان لا يتقاطعا من الناحية الاستراتيجية، التي هي أبعد من عملية التحرير.

لقد عبّرت الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة على وحدة الشعب الفلسطيني وأرضه ووحدة المصير، ولكن اليوم وأمام حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية، الوضع اختلف كلياً، فقد شهد قطاع غزة ثلاث حروب صهيونية، بالإضافة إلى استمرار الحصار المفروض عليه، حيث لا بصيص أمل لفكه على المدى المنظور، وواضح أن هناك تفاوت بالموقف بآليات فك الحصار، وهناك دور مؤثر للكيان الصهيوني في تشتيت الموقف الموحد وكيفية  مواجهته وتخفيف معاناة شعبنا هناك.

 

كانت جريمة الدهس التي نفذها مستوطن صهيوني عام 1987 بحق عمال فلسطينيين من مخيم جباليا الشرارة التي أشعلت انتفاضة الحجارة المجيدة، كما أن  اقتحام "شارون" للأقصى أشعل انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، واليوم ينتفض شعبنا في انتفاضة جديدة ربما لم تنضج مفاعيلها حتى الآن لتصبح انتفاضة شاملة وعاتية كالانتفاضتين السابقتين، وعلى الرغم من السؤال المطروح دائماً عن أسباب عدم وصول مستويات ردنا على جرائم الاحتلال المستوى المطلوب إلا أن الحالة العفوية التضحوية للشباب وتقدمهم الصفوف والحاضنة الشعبية الجماهيرية للانتفاضة تقودنا رويداً رويداً إلى انتفاضة شعبية عارمة يمكن أن تتطور لاحقاً إلى انتفاضة مسلحة في حال استخلاص الفصائل الفلسطينية العبر وتنهض من سباتها، وتقوم بتوفير ركائز ومقومات استمرار هذه الانتفاضة، خاصة في ظل تصعيد الاحتلال لجرائمه ضد شعبنا، من اقتحامات متتالية للأقصى من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، والحصار المستمر للقطاع وما ولدّه كما الثلاث حروب من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة فيه، بالإضافة إلى استمرار الجرائم المرتكبة للكيان الصهيوني في الضفة والداخل الفلسطيني المحتل.

نجح الكيان الصهيوني بتقطيع أوصال التجمعات الفلسطينية، ففصل الداخل، وسلخ القدس عن الضفة فأصبح الدخول إلى العاصمة الفلسطينية بحاجة إلى تصريح، ونجح لاحقاً أيضاً في فصل غزة عن الضفة وحاصر الأخيرة بكانتونات ونقاط تفتيش وخلق معاناة لا تنته لشعبنا هناك، كل هذا ترك سلبياته على مجمل العملية النضالية ووحدتها بمواجهة الكيان، ثلاث اعتداءات على قطاع غزة لم تتمكن الضفة من اشعال انتفاضة نصرة لغزة، وهذا لم يكن نتيجة تقاعس جماهيري، وإنما نتيجة لسياسة صهيونية وممارسات سلطوية من استمرار التنسيق الأمني وملاحقة خلايا المقاومة، والتي هدفت لإضعاف الحالة النضالية للشعب الفلسطيني وقواه، كما تقاعست القوى الفلسطينية،  وساهم الانقسام أيضاً بإخماد أي محاولة جادة تأخذ الجماهير باتجاه التصعيد بالضفة لنصرة المقاومة وصمود شعبنا بالقطاع.

من الذي يقرر شكل وطبيعة النضال والمواجهة؟ رغم ما حققته الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987،  إلا أنه كان لها قيادتين، ولهما قراراتهما، ورغم ذلك استمرت الانتفاضة تقريبا السنوات الخمسة وأوقفتها أوسلو، والانتفاضة الثانية تمكن الرئيس ابوعمار من ضبط التناقضات الفلسطينية الفلسطينية إلى حد ما، وحافظ على قيادة واحدة والحفاظ على درجة من التنسيق رغم بعض السلبيات والممارسات التي اكتنفت عمل السلطة والتزاماتها الأمنية آنذاك، ولكن هل هذه الحالة لم تستمر، وما زال شعبنا يتعطش لقيادة ومرجعية واحدة توحد طاقته ونضاله ضد الاحتلال.  

الحقائق على الأرض تتكلم، سواء بالوطن أو الشتات، لا يوجد حتى الآن قيادة واحدة ولا مرجعية واحدة، لا آمر ولا مأمور، حتى العمليات الفدائية التي حدثت بالضفة الفلسطينية وأغلبها بالقدس من دهس والطعن بالسكاكين لم تأتِ بقرار مسبق أو رغبة فصائلية أو من هذا المسؤول أو ذاك، كما كان يحصل بانتفاضة الأقصى من عمليات استشهادية حيث كان القرار يؤُخذ سابقاً، والانقسام حاصل ولا بوادر لتجاوزه، والفوضى عارمة رغم كل استعدادات شعبنا للتضحية.

الكيان يستعد للمواجهة متسلحاً بقوانينه وإجراءاته العنصرية، حيث تتحد كل أحزابه من يمينها إلى يسارها في العداء لشعبنا وحقوقه، لا فرق بين يميني ويساري كلهم متطرفين وجزء من الحكومة ومركز القرار، والحالة الفلسطينية سيئة، فلا أمل بالوحدة والانقسام يُكرس يومياً ويتعزز، سياسة الاقصاء ما زالت سائدة ومواقف الكثير من الفصائل ما زالت مرهونة لقرارات وتدخلات خارجية بأغلبها، وهذا يؤثر على القضية واستقلالية القرار بالمواجهات القادمة مع الاحتلال.

ورغم كل الاستعدادات اليوم للمواجهة القادمة، إلا أن هناك أمور يجب انجازها، وهي توفير مقومات الصمود لشعبنا بكل أماكن تواجده، وتوفير امكانيات التصدي، لأن المستقبل لا ينذر بحل دبلوماسي أو سياسي، وإنما لمواجهة اوسع ومصيرية، فتجاوز الانقسام ضروري من أجل المواجهة والاستعداد لها، وضرورة التنسيق والتعاون بكل الأشكال بين كافة الأطراف لأن المرحلة والعلاقة مع الكيان هي مرحلة وعلاقة صراع دامي وإلغاء للوجود والحياة، فهل هناك من يدرك ذلك.