منظمة التحرير الفلسطينية واتفاق أوسلو والشرعية المفقودة

حجم الخط

 

من الذي فقد الشرعية؟ منظمة التحرير الفلسطينية أم قيادتها؟ هل المعضلة بالمنظمة؟ نحن مع المنظمة أم مع قيادتها؟ هل المطلوب إسقاط القيادة أم المنظمة؟ ومن هو المفترض أن يُحاسب، المنظمة أم القيادة؟ كثيرون أولئك الذين يحاولون أن يحّملوا مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع بالساحة الفلسطينية إلى منظمة التحرير الفلسطينية والتطاول عليها كأن القيادة بريئة من كل هذه السياسات التفريطية، سواء كان بحسن نية أو نابع عن جهل، لقد شكلت المنظمة بمرحلة الكفاح المسلح حالة إجماع فلسطيني، باعتبارها الوطن فلسطين الذي يجمع الشعب الفلسطيني حتى التحرير.

 شكّل اتفاق أوسلو كارثة على الشعب الفلسطيني وحقوقه، بغض النظر عن كل المبررات التي قد يطرحها ذو العلاقة، ولم يكن الوصول إلى هذا الاتفاق المقيت صدفة، وإنما جاء نتيجة تراكم لسياسات ورهانات كانت معششة برأس القيادة الفلسطينية وتفكيرها ونهجها، فبدلاً من معالجة الأخطاء، ومراجعة السياسات للمراحل السابقة واستنتاج العبر والدروس، تواصلت القيادة الفلسطينية بسياساتها مراهنة للوصول إلى حل من خلال التفاوض، وصولاً إلى اتفاق اوسلو الكارثي.

ما زال الوطن محتلاً، وسياسة الكيان الصهيوني قائمة على نفي الوجود الفلسطيني، فلا اتفاق أوسلو، ولا  كل التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينية شكلّ مانعاً وعائقاً لاستمرار سياسة مصادرة الأراضي والاستيطان وغيرها من السياسات التي بمحصلتها تكرس الاحتلال، وخلال هذه الاتفاقية تقطعت أجزاء الوطن والشعب وهُمشت مؤسساته،  ولم تتمكن من فرض أي نوع من أنواع السيادة الوطنية، وتراجع دورها أقل من السقف الذي حدده لها أوسلو، وفرضت هذه القيادة مصطلحات جديدة لأن يتعامل معها شعبنا باعتبارها سلطة وطنية، وهي بطبيعتها سلطة خدماتية لا تمت للوطن والشرف والكرامة بأي صله.

اختطفوا منظمة التحرير، ليقولوا أن القرار هو قرار الشعب الفلسطيني، وأخذوا القضية إلى منحدر خطر، أضاعوا بها كل الانجازات التي حققتها نضالات وتضحيات شعبنا ومعاناته، وأصبح المخيم لا شيئا لهم، تحوّل من حاضن للثورة ورمزية النضال، إلى عبئ لسياستهم، والتي ساهمت لاحقاً لأن تكون مخيمات اللجوء الهدف السهل للنيل منها بعد أن كان الاقتراب منها خط أحمر، ها هم لاجئو العراق تم استهدافهم وتشتيتيهم، ومخيمات سوريا تم استهدفها وتهجير سكانها من جديد على أكثر من خمسين دولة، وها هي مخيمات لبنان المستهدفة وتشهد بعضها اشتباكات، ما كان هذا ليحصل لولا تقاعس هذه القيادة التي تراجع اهتمامها بالمخيمات وحق العودة، هذا لسان حالها وما تقوله، ماذا بنا أن نعمل؟ فلا باليد حيلة وقدرة، هل هذا الموقف مقنع فعلاً لشعبنا؟  تعلمنا بصفوف الثورة ومن مدرستها أن المخيم خط أحمر، وأن استهدافه وتصفيته هو تصفية القضية الفلسطينية لصفته الاعتبارية، فهل يجوز أن يبقى المخيم مستهدف وقيادة صامتة غاصة بنومها؟

لا يمكن لهذا الكيان أن يسمح لقيادة بالعودة إلى غزة وأريحا أولاً من أجل تحقيق جزء من أهداف شعبنا، فهو ليس احتلال دولة لدولة، وإنما استيطان قائم على اقتلاع شعب من أرضه ناكراً عليه وجوده، الكيان الصهيوني ليس كياناً عادياً وإنما استثنائياً، مرتبطاً بالنظام الرأسمالي، هو جزءٌ من مشروع صهيوني، قائم على التوسع، تلتزم الدول الرأسمالية الغربية بوجوده وأمنه وتسلحه بأحدث الأسلحة ليمارس وظيفته الموكله له.

عرفنا منظمة التحرير الفلسطينية بأن القرار بها كان يصنع من فوهة البندقية من أجل التحرير وحماية قضيتنا من التبديد والضياع، وكانت البندقية هي التي ترسم وتحدد طبيعة السياسة التي يجب ممارستها للمرحلة المقبلة، والتي كانت الجماهير تشكل حماية لها، فكيف الحال اليوم إذا كانت القيادة المهيمنة ترفض البندقية والكفاح المسلح وتعمل على تصفيته بالضفة والقطاع خدمة ودفاعا عن امن الكيان الصهيوني من خلال ما يسمى التنسيق الأمني؟

إسقاط هذه القيادة ضرورة ملحة، وخلق قيادة بديلة وثورية أيضاً هي أكثر من ضرورية، ولكن كيف؟ هل هناك أطراف فلسطينية أخرى داخل منظمة التحرير الفلسطينية لديها المقدرة على إعلان الكفاح المسلح وتفعيل العمل الفدائي؟ أم الاكتفاء بانتفاضة الداخل التي تميزت بالعمليات الفردية العفوية مثل الطعن والدهس التي شكلت إرباك للعدو باستمرار؟

إن إسقاط القيادة المتربعة على رأس الهرم يجب أن يقابلها فعلاً حقيقياً من الداخل والخارج، يُولّد حالة ثورية توافق عليها قطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني، تشّكل له احتضان وحماية، برنامج سياسي ونضالي وترسيخ كل امكانيات شعبنا من أجل معركة التحرير، فإذا بإمكان شعبنا بالشتات أن يحشد الآلاف بمؤتمرات، أليس لديه القدرة لحشد الآلاف أمام سفارات العدو مطالبا بحق العودة الى وطنه؟ هل بإمكانه أن يحشد الآلاف أيضاً أمام مقرات الامم المتحدة للمطالبة بحقوقه بفلسطين؟ فإسقاط هذه القيادة هي بحاجة الى فعل ثوري حقيقي مرافق لنضالات شعبنا بالداخل، تساهم بتصعيد نضالاتهم وتطويرها وأن يوفر الشتات لهم كل مقومات الدعم والصمود والتصدي والحماية، مع خلق أشكال نضالية اخرى وتطوير القائمة، هكذا بإمكاننا ان نعيد الاعتبار إلى منظمة التحرير الفلسطينية  وخلق قيادة بديلة قادرة على مواصلة المسيرة الثورية على طريق التحرير والعودة.