ما بعد إنتصار الأسرى

حجم الخط

هذا الإضراب المفتوح عن الطعام الرابع والعشرون الذي خاضته الحركة الأسيرة الفلسطينية منذ بداية هذا الإحتلال، يشير الى ان الحركة الأسيرة سجلت انتصارا فيه لم تعرف تفاصيله حتى اللحظة...وبإنتصار الحركة الأسيرة في هذه الملحمة البطولية، تكون قد ثأرت لهزيمتها في اضراب أب /2004،وقبل الحديث عن ما سيترتب على هذا الإنتصار ...علينا ان لا نبالغ ولا نتطير فيما تحقق،والقول بان هذا نصر أسطوري..علينا ان نتحدث عن ما قاله الأسير القائد وليد دقه عن عملية صهر الوعي،وهي الأخطر تلك العملية التي لمسنا مدى خطورتها في فعاليات التضامن مع الأسرى على المستوى الشعبي والجماهيري .. والحزبي والفصائلي وكذلك بهتان وضعف الدور الرسمي ...والشيء الأخطر هو عدم انتصار الحركة الأسيرة لذاتها،فالإضراب في سقفه الأعلى لم يصل حجم المشاركة فيه الى 1500 من حوالي 7000 أسير، وطبعا ليسوا جميعا خاضوا إضراب الأربعين يوماً .....وهنا الخطر الأكبر وهو صهر وعي الحركة الأسيرة.

نعم ما تحقق هو نصر وإنجاز بكل المعايير والمقاييس،بغض النظر عن تفصيلية أو ملاحظة هنا او هناك،إنتصار لأن الظروف الذاتية للحركة الأسيرة الفلسطينية ليست بخير،ولا الحالة الفلسطينية العامة،فالحركة الأسيرة الفلسطينية تداعيات الإنقسام ملقية بظلالها عليها،ولذلك لا نخجل اذا ما قلنا بأنها لم تعد موحدة لا على المستوى القيادي ولا مستوى المؤسسات الإعتقالية ولا الأداة التنظيمية الوطنية ولا الخطة ولا البرنامج،وأيضاً الأوضاع التنظيمية لكل الأحزاب والفصائل وبدرجات متفاوتة أصابها نوع من الهون والضعف..ولا أبالغ حين أقول انه في بعض الأحيان كانت تطغى الجهوية والعشائرية والعلاقة الشخصية على العلاقات والأصول الحزبية والتنظيمية.

اما على الصعيد الفلسطيني العام ،فالوضع الداخلي مأزوم ونظام سياسي أكثر ازمة،ويعاني من إخلالات وإعتلالات عميقة،إنقسام يتأبد وتستطيل مداياته ويتشرعن،وغياب القيادة المبدعة والمبادرة والقادرة على ان تشكل نموذجاً وقوة مثل للجماهير،هيبتها والثقة بها تتراجع،وهناك من يرى بأن دورها في دعم وإسناد إضراب الحركة الأسيرة كان باهتاً ولم يرتق الى مستوى الحد الأدنى في دعم ومساندة الحركة الأسيرة في ملحمتها البطولية،حتى ان أصوات وازنه وطنية،بمن فيهم زوجات القادة البرغوثي وسعدات،قالوا بان السلطة تسعى لإجهاض اضراب الأسرى.وبالمقابل الأحزاب والقوى وبدرجات متفاوتة أيضاً يبدو أن ازماتها الداخلية هي الأخرى جعلت دعمها اللفظي والشعاري للحركة الأسيرة في إضرابها اكثر من الفعل والممارسة على أرض الواقع،أما الجماهير الشعبية فرغم مشاركتها الفاعلة في فعاليات الدعم والمساندة لحركة الأسيرة،ولكن بقيت دون الطموح والأمل،وهي لا تتحمل المسؤولية المباشرة هنا بل ما يتحملها البعد القيادي بشقيه السلطوي والفصائلي،حيث غابت عمليات التأطير والتنظيم الواسعة للفعاليات بمختلف أشكالها وحركة الدعم والإسناد،وإن سعت اللجنة الوطنية المساندة لإضراب الأسرى للإمساك بالمقود القيادي،ولكن لم تنضج التجربة وتترسخ في الواقع والميدان،ولا ننسى بان الجماهير كذلك تعرضت وتتعرض الى عمليات " طحن" معيشي،حيث البطالة والفقر والربط بمؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين"،بحيث اضحى المواطن يجري خلف لقمة عيشه وتامين قوته اليومي،وكذلك خضع ويخضع لعملية صهر وعي من اجل تطويعه لقبول الواقع المعاش،والسير في خيارات السلطة ومواقفها واجنداتها ومشاريعها،عبر الربط الوظيفي والمعيشي،هذا قابله أيضا حالة قمع وتنكيل واسعتين من قبل المحتل،لكل من يقول بالمقاومة وإستمرارها كخيار ونهج،في محاولة لنقل الجماهير الى حالة من اليأس والإحباط،بأن هذا الخيار لن يقود إلا الى السجون او الشهادة والتدمير والتضييق على الناس.

نعم هذه الإضراب والإنجاز والنصر المتحققين عنه،أشاعت أجواء ومناخات إيجابية من الأمل،وبالقدر الذي جاء فيه كاشف للعورات ومعري للوضع والحالة الفلسطينية،فهو انتصر اولاً على برنامج مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها،القائم على أساس كسر إرادة الحركة الأسيرة وتحطيم معنوياتها،واستمرار تفككها وإنقسامها،وتفريغها من محتواها النضال والوطني،وهو كذلك ثأر للحركة الأسيرة من هزيمتها المدوية في اضراب اب/2004،الإضراب بفشله جعل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها "تتغول" و"تتوحش" على الحركة الأسيرة،في هجمة غير مسبوقة عليها، لسحب منجزاتها ومكتسباتها والتعدي على حقوقها،وممارسة اعتى الشكل القمع والتنكيل بها،حيث بلغت عمليات العزل ذروتها ولفترات طويلة بحق كادرات وقيادات الحركة الأسيرة التي تعتبر متمردة ومحرضة،وأيضاً هذا الإضراب أعاد للحركة الأسيرة هيبتها والثقة بها ،وانتصرت لتاريخها وارثها وتراثها،وبقيت الرمز والنموذج والمثال للشعب كقائدة لنضاله وتضحياته.

ولا ننسى بأن هذا الإضراب قد يشكل رافعة و"بروفة" نحو إستعادة الحركة الأسيرة لوحدتها القيادية والإعتقالية والتنظيمية الوطنية الموحدة،إذا ما احسنا إستغلال وإستثمار المنجزات المتحققة عنه،من حيث منع إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية من الإستفراد بالحركة الأسيرة كفصائل ومناضلين،وهذا يتطلب مغادرة عقلية الأنا والفئوية المقيتة،وكذلك محاصرة ولفظ من يتساوقون مع برنامج إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في سبيل مكاسب ومصالح وإمتيازات شخصية.

هذا النصر والمنجز المتحقق لا يمنعنا من القول بان الحركة الأسيرة يجب أن تكون عامل توحيد لا فرقة ولا إنقسام في المجتمع الفلسطيني،وفعاليات الدعم والإسناد لهم كانت شاملة على طول مساحة فلسطين التاريخية،ولعل أهلنا وجماهيرنا في الداخل الفلسطيني- 48 – كانت حاضرة وفاعلة في فعاليات وانشطة دعم وإسناد الحركة الأسيرة وبفاعلية .

نعم إنتصرت الحركة الأسيرة بامعاء وإرادة من خاضوا هذه الملحمة البطولية،ملحمة الأمعاء الخاوية،صمام امان إنتصار الحركة الأسيرة على عسف وظلم جلادها،ولكن بالمقابل رغم كل هذا النصر،فنحن ما زلنا نقول،بأن الحركة الأسيرة،من بعد كارثة أوسلو ومن بعد الإنقسام،لم تنجح في ان تنتصر لذاتها بشكل جماعي وموحد،بل منذ هزيمة اضراب آب/2004،وحتى هذا الإضراب،الإضرابات تم خوضها بشكل فردي تجربة المعتقلين الإداريين،او فصائلي تجربة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،وهذا يعبر عن عمق الأزمة التي تعيشها وتعاني منها الحركة الأسيرة،ولذا بات من الضروري والملح دراسة هذه التجربة بإيجابياتها وسلبياتها،ودراسة كيفية تطويرها،وبان تكون الرافعة نحو إستعادة الحركة الأسيرة لوحدتها.