في وصف الحال العربي

حجم الخط

”كم تغنينا بمرحلة التنوير, أو بداية عصر النهضة في بدايات القرن الزمني الماضي, لكن كانط ربط ما بين سن الرشد والتفكير الشخصي المنعكس بالضرورة في المسلكية, شخصية كانت أو عامة. من هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: “اعملوا عقولكم أيها البشر, لتكن لكم الجرأة على استخدامها فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدّر والمكتوب.”

ربما استشعر المبدع نزار قباني الوضع العربي الحالي حين كتب قصيدته متى يعلنون وفاة العرب؟” التي يختتمها بـ”رأيت العروبة معروضةً في مزاد الأثاث القديم… ولكنني… ما رأيت العرب”. تزداد أزمات دولنا, فلا تحكّم بالثروات ولا القرارات ولا الحدود, نزداد حروبا وفقرا, نتحول نحو المزيد من الانحدار هبوطا. تزداد دولنا انقساما ومديونية ورفعا للأسعار, تتعاظم درجات العداءات البينية وعلى مستوى النسيج الاجتماعي للدولة الواحدة. رغم العشق لابن خلدون, لكن لن نستعرض ما قاله في وصف العربي, هذا الذي تتبارز في التأكيد عليه كل المواقع الصهيونية الإلكترونية. نعم, بتنا نستعين بالعدو لينتصر لنا على من يُفترض أنهم أشقاؤنا. ما قاله ابن خلدون في منتهى القسوة, غير أنني سأستعرض جزءا مما كتبه الشيخ محمد الغزالي صاحب المؤلف القيم “الإسلام والاستبداد السياسي”, فهو يقول: “إن زوال إسرائيل قد يسبقه دمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن, قبل أن يستذلها العم أو الخال, وقبل أن ينال من شرفها غريب, إنه لا شيء ينال من مناعة البلاد, وينتقص من قدرتها على المقاومة, كفساد النفوس والأوضاع, وضياع مظاهر العدالة, واختلال موازين الاقتصاد, وانقسام الشعب إلى طوائف، أكثرها مُضيع منهوك, وأقلها يمرح في نعيم الملوك”.

كم تغنينا بمرحلة التنوير, أو بداية عصر النهضة في بدايات القرن الزمني الماضي, لكن كانط ربط ما بين سن الرشد والتفكير الشخصي المنعكس بالضرورة في المسلكية, شخصية كانت أو عامة. من هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: “اعملوا عقولكم أيها البشر, لتكن لكم الجرأة على استخدامها فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدّر والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها”. في وطننا العربي, تجد المنظّرين للديمقراطية والعدالة والتقدمية وتحرير المرأة, إنهم في ممارساتهم الشخصية, الأكثر ديكتاتورية وظلما للآخر, لا يطيقون ولا يسمحون بتفوق المرأة عليهم, يحاربون إنجازاتها ليبقوا هم من تتوجه إليهم الأنظار.

من قبل, عاش العرب في الأندلس مرحلة الطوائف, عندما استقل كل أمير من أمراء الأندلس ببناء دويلته المنفصلة عن الجسد الأم, وتأسيس أسرة حاكمة من أهله وذويه, فنشأت 22 دويلة (هل هي صدفة أن عدد دولنا العربية في عام 2017 هو 22 دولة؟). لذا فقد نشأت دويلات في غرناطة وإشبيلية وقرطبة والمرية وملقة وغيرها, ثم بدأت الدويلات في الانهيار واحدة بعد الأخرى, إلى أن جاء الملكان الإسبانيان فرناندو وإيزابيلا, اللذان أصرا على عقد قرانهما في قصر الحمراء, حاصرا بجيشهما غرناطة, فقام أبو عبدالله الصغير بتسليم مفاتيحها, لهما, ونقَضا كل بنود الاتفاق معه, فطرداه وأجبراه على الخروج من إسبانيا نهائيا. وفي منطقة البشارات, القريبة من غرناطة, وقف يلقي نظرته الأخيرة على المدينة الضائعة, فخاطبته أمه قائلة: “ابك كالنساء مُلكا لم تحافظ عليه كالرجال” المكان الذي توقف فيه أبو عبدالله في طريقه إلى المنفى, أطلقَ عليه الإسبان اسم “زفرة العربي الأخيرة”. مضى أبو عبدالله إلى المغرب مكسورا في منفاه, إلى أن تم قتله في نزاع عادي.

إذا كان العقل في العادة, هو وصف القدرة على التمييز والإدراك, واتخاذ القرار بالاستفادة من بيانات الدماغ البشري, خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي, مثل: الشخصية, التفكير, الجدل, الذاكرة, الذكاء, التحليل وحتى الانفعال العاطفي, يعدّها البعض ضمن وظائف العقل, لذا, فإن نظريات كثيرة ما زالت تبحث في كينونته وجوهره وماهيته, وكيفية عمله, منذ عهد أفلاطون وأرسطو, وصولا إلى النظريات العلمية الحديثة, التي تعتبر العقل ظاهرة تتعلق بعلم النفس, وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح بترادف مع مصطلح الوعي. إن موسوعة المفكر محمد عابد الجابري المؤلفة من أربعة أجزاء: “تكوين العقل العربي 1984, بنية العقل العربي 1986,العقل السياسي العربي 1990, العقل الأخلاقي العربي 2001″, جرى تكريسها لنقد العقل العربي, ولقد أكدّ على أن نقد العقل هو جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة, ولكن نهضتنا العربية الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى, ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بغير عقل ناهض, عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟ نعم أصبح للعقلية العربية سماتها عند الأكثرية: إن امتلك البعض منّا عقلية جدلية على طريق النهوض, يوجهها نحو العقلية التحطيمية لإنجازات الآخر, ارتباطا بتضخم الأنا في ذاته. بالتالي, فمن الطبيعي أن نواجَه بالانكسارات المتتالية التي تؤسس بدورها ونتيجة لمتطلبات مجتمعية روحية لمرض التغني بأمجاد الماضي, كإطار معترِض لعملية التسابق القائم بين المجتمعات على صعيد العالم. فهل (ومثلما طرح أحد الكتاب) لو اختفى العرب, سيتوقف التقدم العلمي؟ وستكف الأرض عن الدوران؟ وسيتعطل العالم؟. كلا.. فالعرب في الحسابات العالمية بشكل عام, ليسوا أكثر من مستهلكين وبلادهم مصدرة للثروات, وأرضهم مجالا للسيطرة عليها بطريق مباشر أو غير مباشر. في زمننا وبدلا من السير قُدما في مسار النهضة, نتراجع سنوات إلى الوراء. في زمننا ما زالت الوظيفة تتم من خلال الواسطة وليس اعتمادا على الكفاءة. في زمننا النصب يعتبر فهلوة, والاستقامة والقيم الأصيلة والتمسك بالأخلاق تعتبر سذاجة. في مرحلتنا تفوق المرأة على الرجل يعتبر كفرا. في زمننا يعتبر الاتصال بالعدو واستقباله طبيعيا! من منا لم يُصب بغصّة والغضب الشديد والشعور بالمذلّة وهو يرى الوفود الصهيونية وأعلام الكيان على سفاراته في عواصمنا العربية؟ من منا لم يصب بالألم الشديد والوفود من البعض العربي تتوالى في زيارات تقوم بها للكيان الصهيوني؟ على الرغم من أن مقاطعة إسرائيل في العالم, تتعاظم وتقفز سنويا إلى معدلات جديدة, إيمانا بعنصرية الدولة الصهيونية!