حتى يتراجع المتشائمون عن تشاؤمهم

حجم الخط

غريب أن يدعو جيسون غرينبلات، المجتمع الدولي لمساعدة الفلسطينيين على إنهاء الانقسام واستعادة وحدتهم الوطنية، خاصة وأن الإدارة الأميركية تعلم يقيناً أن إسرائيل صاحبة مصلحة حقيقية في بقاء واستمرار هذا الانقسام. لا يتعلق الأمر بمواقف أخلاقية فهذه الإدارة وتلك التي سبقتها، لا تنطلق في سياساتها من البعد الأخلاقي، أو القوانين والقرارات الدولية. لو كان الأمر على هذا النحو لكان على الإدارات الأميركية أن تدافع عن القرارات الدولية، التي تتصل بالصراع الفلسطيني والعربي الصهيوني، ولما كان الوضع على ما هو عليه. دعوة غرينبلات مهمة من حيث أنها ترفع الفيتو الأميركي عن ملف المصالحة الفلسطينية، ولكن هل ستبادر الإدارة الأميركية لتقديم المساعدة للفلسطينيين، وهل ستقف في وجه أي تحرك إسرائيلي لمنع تحقيق المصالحة؟

والسؤال الأهم، هو هل ستقبل الإدارة الأميركية استعادة الفلسطينيين لوحدتهم، وبناء شراكات جديدة، هي عملياً جوهر المصالحة، مع وجود المقاومة وأسلحتها وكتائبها، أم انها تنتظر أن تقوم حماس بكل ما يسمح بإزالة كل العقبات بما في ذلك قضية السلاح، ما يعني أن تنقلب على ذاتها، وتتحول إلى حماس أخرى مدجّنة ومنزوعة الأظافر والأنياب؟

في أروقة الأحاديث غير المعلنة يرى البعض أن موضوع المقاومة، لا يشكل عقبة أمام تحقيق المصالحة، ويجري تداول أفكار من نوع أن تقدم حماس ضمانات لعدم تفعيل هذه المقاومة، أو أن تقبل بأن تكون جزءاً من قوام جيش وطني، وبعض آخر، يرى إمكانية إبطال دور المقاومة وأسلحتها من خلال هدنة طويلة.

الحديث عن المقاومة وأسلحتها كعقبة حقيقية، موضوعية أمام سلطة تلتزم بقيود أوسلو، وترفض أي سلاح غير رسمي، أمر في غاية التعقيد، لكنه ليس العقبة الوحيدة أمام المصالحة. بعض المتفائلين يطرحون صيغة حزب الله والدولة اللبنانية، لكن الوضع في فلسطين المحتلة يختلف اختلافاً جذرياً ولا يسمح بتطبيق مثل هذه الصيغة. في الواقع فإن سؤال المقاومة، والعقبات الأخرى مرتبط إلى حد كبير بمدى قناعة الكل الفلسطيني، بتوفر فرصة حقيقية لتحقيق اختراق في موضوع التسوية، وصفقة القرن التي تتحدث عنها الإدارة الأميركية وآخرون في المنطقة.

بالنسبة لعديد الفصائل والسياسيين الفلسطينيين، فإن الإدارة الأمريكية غير مؤهلة استناداً لما يصدر عنها من مواقف، منحازة لإسرائيل، لأن تعمل من أجل تسوية سياسية منطقية ومقبولة لدى الفلسطينيين على مختلف مشاربهم السياسية.

والسؤال ذاته مرتبط، أيضاً، بمدى استعداد حماس لدفع ما يمكن اعتباره ثمن ما اقترفت من أخطاء اعترف بها رئيس الحركة السابق خالد مشعل.

مبدئياً، فإن من يخطئ عليه أن يكون مستعداً لدفع الثمن، الموازي لحجم نوع الخطأ، ولذلك فإن الثمن كبير حين يكون الخطأ بحجم الاعتراف، بأن خطوة الحسم كانت خاطئة وان حماس أخطأت حين اعتقدت أن السيطرة على قطاع غزة بالطريقة التي وقعت يعني انتهاء حركة فتح، وهو مضمون اعتراف مشعل.

في تقدير ما جرى حتى الآن في القاهرة الأسبوع المنصرم وبداية هذا الأسبوع، فإن الأمر لم يتعد مبادرة حماس بالاستجابة لشروط الرئيس محمود عباس وهي حل اللجنة الإدارية، وتمكين حكومة الوفاق الوطني والموافقة على إجراء الانتخابات.

كل ما صدر بعد ذلك لم يتجاوز الترحيب والإشادة وإبداء الاستعداد للمضي قدماً نحو تحقيق المصالحة. الحكومة سترسل عدداً من وزرائها إلى قطاع غزة، كفريق استكشاف، لمدى استعداد حماس ومؤسساتها وموظفيها ومقاوميها وسياسييها لتمكين الحكومة من العمل بكامل الصلاحيات في قطاع غزة. مسألة التمكين هي جوهر الموضوع ولكن في غياب الاتفاق على الآليات والتفاصيل وكيفية مواجهة العقبات.

هل ستأخذ مسألة التمكين بطريقة إمام الجامع، الذي لا مجال لأحد أن يناقش، أو يعترض أو حتى أن يصحح؟ بمعنى مباشر هل ستبادر الحكومة ووزراؤها لاتخاذ القرارات، وما على حماس وموظفيها سوى الانصياع والطاعة، ثم إذا لم يحصل ذلك كلياً أو جزئياً تعود الحكومة لتشكو من أن حركة حماس لم تمكنها من ممارسة صلاحياتها؟ هذه الأسئلة الجزئية لا ترغب في أن تبث منطق التشاؤم إزاء العملية برمتها، بقدر ما أنها تلفت النظر إلى ضرورة البدء بحوار وطني جامع، لوضع خارطة طريق، وآليات وحلول متفق عليها لكل عقبة محتملة، والكل يعرف ماهي هذه العقبات. إذا كانت المصالحة تعني الشراكة الوطنية كل حسب جهده وحجمه وفعله، فإن الأمر يقتضي مثل هذا الحوار وتجنب تحويل المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى إلى مجرد شهود زور.

فوق هذا وفي أساس التحرك نحو تحقيق المصالحة على مبدأ الشراكة الوطنية بما تستدعي من تنازلات، فإن حضور الدور المصري المباشر، أمر شديد الأهمية. مصر في هذه العملية هي شريك في التخطيط والتنفيذ، ولأنها تشكل الضامن الحقيقي الأول لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، ودفع العملية إلى نهاياتها السعيدة.