التطبيع النسوي نتاج بنية معممة لا حالات فردية

حجم الخط

                                                 

       10/10/2017

 

إن نظرة سريعة على ما يُسمى مواقع التواصل الاجتماعي وردود أفعالها المتنوعة والمرتبطة بأحداث المسيرة النسوية للتطبيع، تذكرنا بواقع الثورة الفلسطينية عام 1936 حين كثفها الشهيد الأديب غسان كنفاني بدراسته عن الثورة "من يقاتل لا يقود ومن يقود لا يقاتل"، فلكل منا منهجيتهُ حول كيفية ونوعيه قتاله ضد الاحتلال، ولكن للأسف الأمور تقاس بخواتمها، ما يضعنا أمام مفترق طرق حاد؛ ما هي نوعية القتال وكيفيته التي تجدي بنظرية دحر الاحتلال والتحرر بشكل نهائي وإنشاء بنية اجتماعية ثقافية ترفض كافة أشكال الذل والهوان وبالتالي تعمل قلباً وقالباً لدحر الاحتلال وإنشاء دولة بكامل سيادتها وحدودها على كامل التراب الفلسطيني، أو تلك التي تدعونا للتعايش مع الواقع بشعار "الواقعية" وبالتالي التعايش معه وإنشاء بنية ثقافية اجتماعية سياسية هشة تدنو بنا إلى تقّبل الواقع الذي فُرض علينا.

 وعليه، هل الفكرة رفض فكرة التطبيع والتي هي بحد ذاتها خيانة بحسب تعاليم الثورة الشعبية؟ أم الانزلاق نحو تسفيه مفهوم التطبيع باعتباره نهج سياسي فردي وبالتالي الترصد والذم بالأشخاص أو المؤسسات الذين شاركوا في تلك المسيرة غاضين النظر عن البنية التي أسست لتلك الأحداث التطبيعية؛ فالتعامل مع القضايا السياسية يجب أن يتم من خلال أو عبر وعي سياسي وليس إلا!!

إن ما شهدناه من حادثة أليمة على كافة أفراد شعبنا وخاصة من قدّم منهم الغالي والنفيس على مذبح الحرية والاستقلال، تقودنا إلى إعادة التفكير مراراً وتكراراً في دور مؤسساتنا الوطنية والنسوية والحزبية؛ فموضوعة التطبيع بحد ذاتها خيانة لا يختلف عليها اثنان من أبناء الشعب الفلسطيني خاصة أو العربي عامة (إذا ما رأينا ذلك في عدة من الدول العربية منها الجزائر والمغرب مؤخراً  في حادثة طرد المتحدث باسم الكيان الصهيوني)، فقد نشأنا ونحن نردد عبارة القائد الفلسطيني أبو علي إياد  " أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر " ولكنها منذ قوله ذاك لم تزل الإشكال الذي لم يستطع شعبنا التخلص منه منذ انطلاق ما سُمي (مؤتمر مدريد ) وصولاً إلى توقيع اتفاقية أوسلو المشؤمة، والذي بدوره لم يفسد الفكر التحرري السياسي فقط وإنما أفسد في بنيته التربوية – السياسية، المبادئ الأخلاقية الوطنية التي نشأ بها شعبنا الفلسطيني، والتي عملت الاتفاقيات السلمية على  إفراغها من مضمونها الثقافي المناهض للاحتلال بكافة أشكالها، وبالتالي إلغاء البنية الفكرية المقاومة للشعب الفلسطيني.

بناءً على ما تعلمناه من مبادئ شعبية أو تربوية أو إن شئت سمها المبادئ الفكرية، فإن الفرد ابن بيئة خلق وترعرع بها وبالتالي هو ابن البيئة المحلية أو المكان الذي انشئ فيه، ابن ذلك الزمان والمكان وبالتالي الفكر، ولعلنا جميعاً نختلف إن كانت تلك التنشئة صحيحة أم لا فعلينا معاً خلق الظروف المناسبة لتنشئة الجيل الرافض لظروف خلق فيه.

 على بنية المجتمع المحلي بهيئاته ومؤسساته المجتمعية العمل على تهيئة وتنشئة المجتمع ككل من خلال استهداف المجموعات الشابة، والتي هي ما يبُني عليها أي مجتمع؛ فالأفكار الكبيرة تنتظر قوة اجتماعية تحوّلها إلى مشاريع سياسية ثقافية، بما أكده المفكر الشيوعي غرامشي " أن الحزب هو مثقف جمعي يعمل في الوسط الاجتماعي".

بمنطق الإرادة الشعبية، لم تتمكن أي حكومة كانت أن تمرر أي نوع من أشكال التطبيع مع محتلها ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً، فمثلاً  استهداف الدولة المصرية من قبل الكيان الصهيوني وعقد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة كان من أجل إخراج مصر من دائرة الصراع العربي – الصهيوني، فبرغم توقيع الاتفاقية إلا أن الإرادة الشعبية ما زالت حتى يومنا هذا ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني بكافة أشكاله، ورأينا أمس حادثة طرد الوفد الصهيوني في المغرب والذي يؤكد رغم مرور السنوات أن الإرادة الشعبية والتي هي نتاج تنشئة تنظيمية تعبوية مقاومة  هي من تحكم في نهاية الأمر.

لقد أسست الصيغ المتعددة للتسوية السلمية بتاريخها الأساس لبنية ما يُدعى اليوم بلجان التعايش مع المحتل، وذلك لتبرير فشل سياق الحل السلمي للقضية الفلسطينية، وخلق سلطة تنصر ذاتها بهزيمة شعبها، وبالتالي اللجوء إلى اختراق المنظومة الفكرية الشعبية وهي الأخطر على الشعوب كما قال الحكيم جورج حبش " قد نخسر جبهتنا السياسية والعسكرية ولكن لا يجوز ان نخسر جبهتنا الثقافية "؛ كما أن " الثقافة آخر قلاع المقاومة" كما رددها عبد الرحمن منيف، فلا يمكننا التبرير لمنظمات المجتمع المحلي سواء كانت سياسية أو نسوية أو اجتماعية فشلها في العمل الدؤوب من أجل  خلق بنية اجتماعية ثقافية مقاومة مناهضة لسياسات الاحتلال أو الهيمنة الأمريكية بمنتجاتها على المنطقة وتبرير استمرار بقاءها تحت مسمى هيئات مجتمع محلي، فشلت في زرع الثقافة الوطنية الثورية في عقول أبناء المجتمع أو تمكينهم ثقافياً وسياساً وثورياً سعياً وراء التحرر الإنساني والاجتماعي؛ فالمطلوب الآن العودة للجذور للعمل بين الأوساط الشعبية وتهيئة بيئة ثقافية واجتماعية مقاومة وليس بيئة استسلامية.