في القاهرة جرى التوقيع على انهاء الإنقسام المدمر بين حركتي «فتح وحماس»، هذا الإنقسام الذي عصف بالساحة الفلسطينية لمدة زادت عن عشر سنوات، والذي أيضاً كانت له تداعيات وآثار سلبية وخطيرة ومدمرة على قضيتنا وشعبنا ومشروعنا الوطني، وحتى تفاصيل حياتنا ومفرداتها اليومية، وأدى ذلك الى تراجع الإهتمام العربي والدولي بقضيتنا، ولم تعد تحتل الصدارة في المشهدين العربي والدولي، حتى دولة الإحتلال واجهزتها الأمنية، حسب مراكز البحث والإستطلاع الإسرائيلية، لم تعد القضية الفلسطينية، هي ما يتصدر إهتماماتها، وباتت الساحة الفلسطينية ساحة مفتوحة لأصحاب الدكاكين والأجندات المختلفة من دول صغيرة وكبيرة، الكل يلعب في ملعبنا ويفرض شروطه علينا في تمويل مشروط خدمة لمصالحه واهدافه واجنداته.
ولا نريد الغوص في تفاصيل التفاصيل، فنحن نرى ان هذا التوقيع خطوة اولى مهمة على صعيد الوأد الكلي للإنقسام المدمر. ومع ترحيبنا الكبير بهذه الخطوة التاريخية، والتي سيكون لها تأثيرات أبعد من الساحة الفلسطينية، ولكننا نرى بأن هناك خطوات تنفيذية متصلة بعمل الحكومة منها الرفع الفوري للعقوبات التي أدمت شعبنا المحاصر في قطاع غزة، وزادت من تفاقم أزماته الإنسانية والحياتية والمجتمعية، من مياه وكهرباء ومعابر وغيرها.وحتى لا يتعقد المشهد ويترك المجال للمتصيدين او الرافضين للوحدة وانهاء الإنقسام من اصحاب المصالح والمنتفعين والمستفيدين من إستمراره، فلا بد من خطوة سريعة من قبل الرئيس، بوقف ورفع كل الإجراءات العقابية التي اتخذت بحق قطاع غزة من تخفيض للرواتب لموظفي السلطة في قطاع غزة والتقاعد القسري للآلاف منهم ووقف دفع أثمان فواتير الكهرباء للشركة الإسرائيلية ووقف التحويلات الطبية ووقف دفع رواتب اسرى ومحررين وغيرها، وهذه الخطوة يجب ان يستتبعها خطوات، تتمثل في دعوة الفصائل الموقعة على اتفاق 2011 في القاهرة، من اجل الشروع في معالجة جوهر الإنقسام، من خلال رسم استراتيجية وطنية سياسية اجتماعية، كبديل عن نهج وسياسات كارثة اوسلو المدمرة، بديل يقوم على أساس استراتيجية الصمود والمقاومة.
وكذلك العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على توحيد المؤسسات الفلسطينية ادارياً والتحضير للإنتخابات العامة، بما فيها الإنتخابات للمجلس الوطني على اساس التمثيل النسبي الكامل، وفي المناطق التي يتعذر فيها اجراء الإنتخابات، وبعد بذل جهود جدية وحقيقية لإجرائها يكون التوافق، وبما يقود الى بناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي تشاركي يفتح الباب لأوسع مشاركة سياسية فلسطينية امام الفلسطينيين للمشاركة والمساهمة في تقرير شؤونهم وتقرير مصيرهم.
نحن كما قال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، اسماعيل هنية، شعب واحد ووطن واحد وقضية واحدة ومصير واحد واهداف مشتركة، ولذلك يجب ان يكون لنا عنوان واحد ومرجعية واحدة وسلطة واحدة وحكومة واحدة"، الجميع منا ككل فلسطيني وبالذات طرفي الإنقسام ادرك تماماً، بأن استمرار الإنقسام يعني استمرار النزف والخسارة للكل، والجميع سيصبح متهماً امام شعبنا وامتنا العربية ومحبي ثورتنا وقضيتنا.
ولذلك الهدف المركزي لهذه المصالحة، يجب ان يكون الإتفاق على استراتيجية وطنية موحدة قادرة على مجابهة والتصدي للمخططات الصهيونية المستهدفة تصفية قضيتنا الوطنية، من خلال العوامل التي تساعد على تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني، عبر إستنهاض العوامل التي تساعد على تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني، بما في ذلك آليات التوافق على أشكال الكفاح وتوقيتها، وكيفية اتخاذ القرارات السياسية المصيرية بشكل موحد، وما هية البرنامج الوطني للشعب الفلسطيني بعد كل ما شهدته فلسطين خلال أربعة وعشرين عاماً منذ وقع اتفاق اوسلو، وكيفية ضمان إنخراط كافة القوى الفلسطينية في النضال المشترك بدل الصراع ضد بعضها البعض والمناكفات الداخلية.
أجواء الفرح التي عاشها شعبنا في كل أماكن تواجده بهذه المصالحة، إنعكست إيجاباً على شعبنا وأهلنا في القدس، حيث كان العرس التراثي الفلسطيني بمبادرة من مركز يبوس الثقافي، الذي انطلق مساء امس الخميس من قلب مدينة القدس وشارعها الرئيسي صلاح الدين، في رسالة واضحة للمحتل، تقول له مهما "هودتم" وامعنتم في القمع والبطش والتنكيل والعقوبات الجماعية، فشعبنا سيستمر في البقاء والوجود، وسيسرق الفرحة والبسمة من انياب "غول" إحتلالكم "المتوحش"، وهذا العرس التراثي الفلسطيني، جاء ليقول ويؤكد لكم بأن القدس هويتها وأرضها وفضاءها لن تكون سوى عربية بمعالمها الحضارية والدينية الإسلامية والمسيحية، حتى لو انسحبتم انتم وحامية وراعية الإرهاب والإحتلال الأولى في العالم، امريكا من منظمة التربية والعلوم والثقافة" اليونسكو" التي دائماً وقفت وتقف الى جانب شعبنا ضد احتلالكم، والتي قالت لكم لا تسيروا عكس حقائق التاريخ، فإحتلالكم وكل ما تقومون به بحق القدس والأقصى والمقدسات والتاريخ والاثار الفلسطينية باطل وغير شرعي، ويتناقض مع الشرعية الدولية واتفاقياتها وقراراتها، وأنه لا حقوق لكم في أماكننا الدينية وفي المقدمة منها المسجد الأقصى..
العرس الفلسطيني المقدسي حمل دلالات تراثية ووطنية وسياسية وفنية وموسيقية، وقال بأن هذا الشعب الرازح تحت الإحتلال، لم يكن في يوم من الإيام يحب القتل والموت، بل هو شعب محب للحياة والبقاء، ولكنه يريد التحرر والإنعتاق من الإحتلال الذي يقتل فيه روح الفرح والبسمة، من خلال عقوبات جماعية وقرارات وقوانين وتشريعات عنصرية ترتقي الى جرائم حرب وتطهير عرقي.العرس الفلسطيني اكد على ان الفن والموسيقى، هي شكل من أشكال وجودنا الإجتماعي الحضاري، وكذلك شكل من أشكال المقاومة ضد محتل غاصب، يريد السطو على فلكلورنا وتراثنا، ولعل الجميع يعرف بأن هذا المحتل حتى أكلاتنا الشعبية من الحمص والفلافل قد سرقها. ومن يسطو على الأرض والآثار، يسطو على الحضارة والتراث والزي والفلكلور.
إن حالة الفرح هذه والمشاركة الشعبية والجماهيرية والمؤسساتية الواسعة، تجلعنا متمسكين دوماً، بضرورة تكثيف مثل هذه الفعاليات والأنشطة، وكذلك توحيد الجهود والعمل المشترك ما بين كل المؤسسات المقدسية، بعيداً عن الشخصنة والمناكفات والتحريض غير المبرر.
وختاماً نقول نريد لشعبنا ان يفرح ويحتفل شعبنا، بإستكمال طي صفحة الإنقسام المدمر، التي كادت أن تطيح بقضيتنا ومشروعنا الوطني، من خلال بناء قاعدة راسخة ومتينة، وبرنامج سياسي توافقي بين الكل الفلسطيني، قائم على أساس اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس وبدون مستوطنات وتنازل عن حق العودة المرتكز الأساسي لقضيتنا الفلسطينية.