16 عامًا على عملية 17 أكتوبر المجيدة

حجم الخط

توافق اليوم الذكرى السادسة عشر لأبرز عملية اغتيال في تاريخ المقاومة الفلسطينية، عملية اغتيال الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي، والتي تمت في 17 أكتوبر عام 2001، والتي نفذهتها مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ردًا على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى.

و بعد اغتيال أبو علي مصطفى، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان من الضروري أن يكون الردّ قاسيًا، نظرًا لتمادي الاحتلال في استهداف الشعب الفلسطيني في أوج انتفاضته التي مرّ عامٌ على انطلاقها، حينها، وفي ظلّ تخاذل السلطة التي فرضت نفسها بتعاونٍ مع الاحتلال على شعبها المنتفض، وتماديه أدى به لاغتيال قامةٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ كبيرة كأبو علي مصطفى، ظنًا منه أن الانتفاضة بهذه الحال يمكن وأدها.

لكن ما لم يتوقّعه الاحتلال "الإسرائيلي" الذي نفذ العملية الجبانة، أنّها ستكون شرارةً لمرحلةٍ قويّة في تاريخ هذه الانتفاضة التي كان من الصعب عليه وأدها، فكان الردّ قاسيًا على أوّل عملية اغتيالٍ في الانتفاضة الثانية، حين نفذت مجموعةٌ مسلحة حكم الانتفاضة بحقّ الوزير "الإسرائيلي" رحبعام زئيفي.

العين بالعين

ظهر أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجديد، أحمد سعدات، عقب أيامٍ قليلة من اغتيال أمينها العامّ السابق، أبو علي مصطفى، في حفلٍ تأبينيّ لسابقه، وأعلن عن مبدأٍ جديد، واستحدث عنوانًا لم يكُن معروفًا في تاريخ الثورة الفلسطينيّة التي مضى عليها أكثر من خمسين عامًا حينها.

قال سعدات "لن نكون ندًا للأعداء ولن نستحق احترام الشهداء، ولن نحترم احترام شعبنا بشهدائه وقادته وشيوخه وأطفاله ونسائه، إذا لم يكن شعارنا.. العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس.. فعهدًا لنا يا رفيقنا أبو علي، عهدًا لك يا معلمنا، يا رمزنا يا عنوان عزتنا، أن لا يكون شعارنا أقلّ من الرأس بالرأس".

وأضاف سعدات في خطابه الشهير حينها، ما عُرف برسالةٍ مباشرة للمجموعات المسلحة، وأمام الجماهير "هذا لكم يا كتائب الشهيد أبو علي مصطفى يا رجال قوات المقاومة الشعبية".

ولم يكن دور سعدات بعيدًا عن عملية الاغتيال البطولية، فالذي نادى بها، هو من كان مسؤولًا عن متابعتها، مع رفيقه القائد العام لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، عاهد أبو غلمة، الذي كان يتابع مباشرةً منفذي الاغتيال.

التخطيط

كان حمدي قرعان الشخص الأنسب الذي وقع عليه الاختيار لتنفيذ عمليّة تاريخيّة تُحدث ضجةً كُبرى، وتسطّر  عنوانًا في تاريخ المقاومة الفلسطينيّة، فحضر إليه مجدي ريماوي الذي طلب منه صورةً شخصيّة لتجهيز الهويّات وجوازات السفر المزوّرة، فيما طلب منه زيارة فندق "حياة ريجنسي" الذي يزوره وزير السياحة "الإسرائيلي" رحبعام زئيفي بشكلٍ مستمرّ، ويعيشه في إحدى غرفه، والتي كانت في لحظةٍ لاحقة مسرحًا لقتله بعدة رصاصات.

بعد تخطيطٍ وخطواتٍ عدة، كان من نصيب باسل الأسمر ومحمد الريماوي أن يشتركا مع قرعان في العمل البطوليّ الذي جاء لتلقين الاحتلال درسًا لاغتياله الأمين العام أبو علي مصطفى.

التقى أفراد خلية "اغتيال زئيفي" برجلٍ آخر غير مجدي الريماوي الذي وكّلهم رسميًا بتنفيذ العملية وخطّط معهم لها، عُرف حينها بـ "الرجل المجهول"، والذي التقى بهم مرةً واحدة قبل تنفيذ العملية، ليوضح لهم تاريخ المجرم زئيفي، وهو صاحب فكرة "الترانسفير"، وليوضح لهم تاريخه المشؤوم، إضافةً لتفاصيل عن العملية وعن وجود الهدف "زئيفي" في مكان تنفيذ العملية، ومخطط حياته داخل الفندق ومواعيد خروجه.

وكان زئيفي أحد أكبر المنادين بضرورة تطبيق فكرة "الترانسفير" في ذلك الوقت، وهي الفكرة التي تقوم على مخططات لترحيل الفلسطينيين من الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال بشكلٍ كامل، وهو يميني متطرّف.

التنفيذ

وصل أبطال العملية إلى فندق "حياة  ريجنسي"، دخل القرعان والأسمر غرفتهما في الفندق التي حُجزت في وقتٍ سابق، بأسماءٍ وهميّة وجوازاتٍ مزوّرة، وتركوا مسدساتهم داخل السيارة التي تواجدت على باب الفندق.

 في الصباح تأكد كلاهما من وجود المجرم زئيفي في المكان وفقًا لما تم إعلامهم به مسبقًا، يستيقظ الوزير "الإسرائيلي" يتناول إفطاره في الفندق، ثم يعود لغرفته قبل أن يغادر المكان، وكان ذلك الوقت المحدد لتنفيذ المهمة البطولية.

في الخامسة والنصف صباحًا، تأكد القرعان من وجود المجرم "الإسرائيلي" في الفندق من خلال التأكد من وجود سيارته أمام المكان، ثم رآه يتناول إفطاره مع أشخاص آخرين في ساحة الفندق. صعد إلى سلم الطوارئ حاملًا مسدساتٍ أخذها من السيارة مع رفيقه الأسمر، فيما وصلت سيارة الريماوي على باب الفندق لينطلقوا معًا بعد تنفيذ المهمة.

وضع البطلان مسدساتهما على خصريهما وانطلاقا داخل الفندق إلى مكان غرفة "زئيفي"، واتجها من سلم الطوارئ، وعلقا ورقةً تبيّن أنّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نفذت عملية الاغتيال ردًا على اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى. بعد دقائق من الانتظار وصل "زئيفي" غرفته وكان بطنه قد امتلأ بآخر وجبةٍ أكلها، متجهًا إلى غرفة رقم 816، فقام البطل القرعان بإطلاق الرصاصات تجاهه، بعد أن أسمعه آخر كلماتٍ ناداه فيها "زئيفي.. هيه".

علامة فارقة في تاريخ المقاومة

أحدثت العملية ضجةً كبيرة، وأعلت صوت المقاومة الفلسطينية في كلّ أنحاء العالم، فكاتم الصوت حين ينطلق من رصاص مقاومين يكون دويّه أعلى من صواريخ طائراتهم التي قصفت أبو علي مصطفى في مكتبه بمدينة رام الله، واعتبرت أنّ اغتياله سيكون موجعًا وسيُضعف الانتفاضة آنذاك.

وأثبتت الجبهة الشعبية في هذه العملية أن يدها ويد الثورة طويلة وتستطيع الوصول لكبار القتلة والجنرالات والوزراء الصهاينة، وأثبتت المقاومة أن البطولة دائمًا ممكنة في حال توفر الإرادة والكفاءة السياسية، وأن التواطؤ الداخلي مع التنسيق الأمني قد يضر أو يعطل في بعض الأحيان، لكن إرادة المقاومة الصلبة نافذة رغم كلّ شيء.

وأثبتت العملية أيضًا دناءة هذا العالم المعروفة مسبقًا، لكنّها أتت لتؤكده قطعًا، بدءًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتان انتقدتا العمل البطوليّ والذي جاء انتقامًا لدماء الشهداء الفلسطينيين وأميرهم أبو علي مصطفى، في حين أنّ كلا الدولتين لم تستنكرا اغتيال أبو علي والذي تم بواسطة مروحية "إسرائيلية" في عمارةٍ سكنيّة، حيث أحدثت انفجارًا ضخمًا وأودت بحياة الرجل وكادت تصيب آخرين من انفجارها المروّع بالمكان.

وفيما بعد تنفيذ العملية، أثبتت بشكلٍ أكبر خيانة السلطة وتواطؤها. السلطة التي جاءت بفعل اتفاق السلام الذليل مع الاحتلال "الإسرائيلي"، قبل أعوامٍ قليلة فقط من اغتيال "زئيفي"، وبدلًا من أن تتخذ من الانتفاضة سبيلًا لتصحيح مسارها الخاطئ، اتخذت منها دليلًا يثبت بشكلٍ قاطع تواطؤها وخيانتها، فقامت بملاحقة المقاومين الذين نفذوا عملية الاغتيال البطولية، وتعهّد رئيس السلطة آنذاك ياسر عرفات باعتقال كلّ من خطط للعملية ونفّذها، وقام فعلًا بذلك، حينما اعتقلت مخابراته الأمين العام للجبهة أحمد سعدات، وقائد كتائب أبو علي مصطفى، عاهد أبو غلمي، والمقاتلين الأربعة الذين نفذوا وخططوا للعملية البطولية.

ولم يكتفي بذلك، إنما قام بمحاكمتهم أمام أبناء شعبهم داخل مقرّ سلطته في رام الله، وأصدر بحقهم أحكامًا تُدينهم بقتل العدو المجرم "رحبعام زئيفي". وفيما بعد، قام خليفته الذي تقلد منصب رئيس السلطة محمود عباس، بتسليم الأبطال الخمسة لجيش الاحتلال، تسليمًا بسيطًا دون أيّ مقاومة أو تعبير ولو كاذب عن الرفض والوقوف إلى جانب أبطال فلسطينيين لم يكتفوا بالنظر للمجازر بحق الانتفاضة وقادتها، إنما قرّروا أن يكون للانتفاضة ردّها، فكانوا أداتها التي تنفذ وتقتصّ.

التبني الرسمي

وقد أصدرت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى بيانًا رسميًا، تبنت فيه العملية قالت فيه "أنّ مجموعة الشهيد وديع حداد الخاصة التابعة لكتائب الشهيد أبو على مصطفى أقدمت على اغتيال رمز من رموز الحقد الصهيوني الإرهابي المجرم، رحبعام زئيفي، صاحب فكرة الترانسفير العنصرية".

وأضاف البيان "ليعلم الإرهابي شارون أن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا وأن من يستهدف قيادات ومناضلي الشعب الفلسطيني لن يبقى رأسه سالمًا".

وأكد البيان "من الآن وصاعدًا سيكون كل المستوى السياسي الصهيوني هدفًا لمجموعاتنا الخاصة .. وسنلقنهم دروسًا مؤلمة كردّ على جريمة اغتيال القائد أبو على مصطفى وأكثر من 60 مناضلًا فلسطينيًا".

الاعتقال والمحاكمة

وحاولت دولة الاحتلال اعتقال من تعتبره مخطط العملية، مجدي الريماوي، فاقتحمت بلدة بيت ريما قرب رام الله، يوم 24 تشرين أول (أكتوبر) 2001، وقتلت أفراد نقطة حراسة فلسطينية بينما كانت المروحيات الصهيونية تقصف البلدة وقوات من المشاة تتقدم عبر حقول الزيتون ومع الصباح كانت سلطات الاحتلال تقتل خمسة من قوات الأمن الوطني الفلسطيني على مدخل القرية وتسقط العديد من الجرحى الذي تركوا في حقول الزيتون ينزفون وتهدم ثلاثة منازل لمن تعتبرهم مطلوبين لها، وتعتقل 11 فلسطينيًا زعمت أن من بينهم اثنين من منفذي عملية اغتيال زئيفي هما صالح علوي ومحمد فهمي الريماوي.

في يوم الأربعاء 24/4/2002م، كانت المقاطعة في رام الله محاصرة بالدبابات الصهيونية، وكانت كنيسة المهد محاصرة وبداخلها المئات، وتحت وطأة الضغط الأمريكي والتهديد الصهيوني تشكلت محكمة عسكرية من قضاة ومحامين ممن كانوا محاصرين في المقاطعة مع عرفات.

وأصدرت تلك المحكمة قراراً يقضي بعقوبة السجن حتى 18 عاما بحق أربعة أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتهمة القتل والمشاركة في قتل وزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي بتاريخ 17/10/2001م.

وقد أصدرت المحكمة العسكرية حكما بالسجن لمدة ثماني عشر عاما بحق الرفيق حمدي قرعان الذي أطلق النار باتجاه زئيفي، وباسل الأسمر بالسجن لمدة 12 عاماً على مساعدته في العملية، ومجدي الريماوي بالسجن ثماني أعوام للتخطيط للعملية، والقائد عاهد أبو غلمة مسؤول الجهاز العسكري للجبهة الشعبية في الضفة بالسجن لمدة عام.

وفي أعقاب هذا الحكم، عقد اتفاق بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال والولايات المتحدة وبريطانيا على سجنهم في أريحا تحت رقابة أمريكية وبريطانية، وفي كانون ثاني 2002 اعتقلت السلطة الفلسطينية الأمين العام للجبهة الشعبية، أحمد سعدات وانضم إليهم.

يبدو أن عنوان الصفقة المشبوهة كان فك الحصار عن المقاطعة في رام الله، وصيغة ما لإنهاء حصار كنيسة المهد، لكن ذلك لم يحدث، فقد اعتقل القائد سعدات في سجن أريحا بإشراف أمريكي بريطاني، وأبعد مناضلو كنيسة المهد، فيما بقي عرفات أسير المقاطعة حتى يوم مماته.

في 25 يناير 2006 أجريت الانتخابات النيابية الفلسطينية وحصلت حركة حماس على أغلبية ساحقة تمكنها من تشكيل الحكومة، وكانت الجبهة الشعبية تطالب دوما عباس أن يفرج عن سعدات، وجاءت حماس كلاعب جديد على الساحة السياسية الفلسطينيّة وأعربت عن نيتها الإفراج عن سعدات ووعدت بالعمل على الإفراج عن الأمين العام للشعبية، رغم تهديد وزير الأمن الصهيوني شاؤول موفاز آنذاك السلطة الفلسطينية بأنها لو أفرجت عن سعدات الذي انتخب في 25 كانون ثاني/يناير الماضي عضوا في المجلس التشريعي الجديد من سجن فلسطيني بمدينة أريحا بالضفة الغربية فإن دولة الاحتلال ستغتاله على الفور.

في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 14/3/2006، أقدمت قوات الاحتلال المدججة بالدبابات والآليات المدرعة وطائرات مروحية على محاصرة المقاطعة وسجن أريحا الذي يعتقل فيه الأمين العام للجبهة الشعبية، أحمد سعدات ورفاقه الأربعة والعميد فؤاد الشوبكي.

وبدأت بتدمير جدران المباني بروية وببث مباشر على الفضائيات لكل العالم، وصولاً إلى دك السجن، وبعد أن قامت بتدمير السجن ودك جدران الزنزانة التي يتواجدون فيها، واجه القائد أحمد سعدات ورفاقه مصيرهم بشجاعة دون أن يمتلكوا أبسط وسائل الدفاع عن أنفسهم إلا من سلاح الإرادة الصلبة والإيمان الذي لا يتزعزع بقضية الشعب والوطن. حيث تم اعتقالهم واختطافهم على مرأى ومسمع العالم، وبمؤامرة دنيئة من السلطة الفلسطينية وبريطانيا وأمريكا والاحتلال الصهيوني.