في العلاقات العربية - الإفريقية

حجم الخط

قارة إفريقيا، هي الثانية في الحجم بين قارات الأرض الست، وهي الثالثة من حيث الكثافة السكانية، حيث لا يفوقها حجما سوى قارة آسيا. وتتفوق القارتان، آسيا وأوروبا على القارة الإفريقية، في عدد السكان. وتغطي القارة ما يعادل أكثر من خمس مساحة اليابسة كلها بالكرة الأرضية، وتضم 53 بلداً مستقلاً، بعد انفصال جنوب السودان عن المركز. 

تتميز القارة، بأنها هضبة شاسعة، تقطعها القليل من السلاسل الجبلية. ويحيط ببعض جهاتها سهل ساحلي ضيق. وهي قارة ذات تنوع رائع ومدهش. وفي القارة أطول نهر في العالم، هو نهر النيل، الذي يجرى من هضبة الحبشة مروراً بالسودان، إلى مصر ليصب شمالاً في البحر الأبيض المتوسط.

وتتمتع إفريقيا بثروة معدنية هائلة، ففيها تكوينات ضخمة من النحاس والألماس والذهب والنفط. كما تمتلك القارة ثروة غابية قيمة. إضافة إلى ذلك، يمكن استعمال عدد من الأنهار الإفريقية، لإنتاج الطاقة الكهرومائية. كما تنتج إفريقيا معظم الإنتاج العالمي من الكاكاو والبقوليات. 

وتمتلك ثروة حيوانية هائلة، وأراضي زراعية شاسعة، وقدرات هائلة على تلبية احتياجات المنطقة بأسرها من القمح والخضراوات والزيتون والحمضيات ومختلف أنواع الفواكه، والاحتياجات الأساسية الأخرى من الغذاء. ومع كل الثراء، فإن هذه القارة، أضعف مستوى في التنمية الاقتصادية، من القارات الأخرى.

فالزراعة، وهي النشاط الاقتصادي الرئيسي بالقارة السوداء، لا تزال تدار بالطرق البدائية، التي أديرت بها منذ آلاف السنين. أما في مجال الصناعة، فقد كان لنقص رأس المال، وقلة العمالة المدربة، وغير القادرة على التنافس مع الصناعات الوافدة، من القارات الأخرى، الأثر السلبي على نموها. 

إذا ما تم النظر إلى خريطة القارة الإفريقية، ومقاربتها ببلدان المشرق العربي، فإن السعودية تقع على الطرف الغربي، للقارة الآسيوية. وعلى هذا الأساس، فإن المملكة من بين الدول الأكثر جواراً للقارة الإفريقية. فهي تشاطئ القارة في البحر الأحمر من جهته الشرقية، بينما تشاطئ إفريقيا هذا البحر، من جهته الغربية. ولهذا البحر أهمية قصوى في مجرى الملاحة العالمية، حيث يربط بحر العرب، بالبحر الأبيض المتوسط، ويكون بذلك نقطة وسط بين القارات القديمة الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا.

ومنذ اكتشاف طريق الرجاء الصالح، باتت إفريقيا عنصراً استراتيجياً في الربط بحرياً بين عالم الشرق والغرب. وتضاعفت هذه الأهمية بعد شق قناة السويس، التي قصرت الطرق بين القارات البحرية الثلاث. كما تكمن أهميتها الاستراتيجية في مشاطأة القارة لمضيقين حيويين: مضيق باب المندب الذي تقع ضفته الشرقية في قارة آسيا، وضفته الغربية في إفريقيا ومضيق جبل طارق، الذي تقع ضفته الشمالية في إسبانيا، وضفته الجنوبية في المغرب. والممران معبران دوليان مهمان لقوافل النفط العملاقة، وللأساطيل التجارية البحرية، وأيضا للأساطيل العسكرية. وإذا ما أضفنا لهما قناة السويس، بدت بجلاء الأهمية الاستراتيجية القصوى للقارة الإفريقية.

إن سلامة هذه المعابر الثلاثة، أمر مهم وحيوي، بالنسبة للمصالح الاقتصادية العربية، كما هي بالنسبة للعالم أجمع. ومن هنا ينبغي أن يكون في سلم مواضيع العلاقة بالقارة الإفريقية، سلامة المرور بهذه المعابر. 

إن وجود علاقة استراتيجية مع دول القارة الإفريقية، على هذا الأساس، لا يدخل في باب علاقة الجوار فحسب، بل هو خطوة جوهرية لضمان أمننا القومي. وهذه العلاقة، لكي تكون صلبة، وتملك القدرة على الاستدامة، ينبغي أن تكون من باب الاقتصاد. فليس هناك من سبل أنجح لتحقيق اختراقات سياسية من الاهتمام بما ينفع الناس.

وهناك عوامل وجدانية وتاريخية تساعد على تأسيس هذه العلاقة الصلبة. أولها أن بلدان شمال إفريقيا هي أقطار عربية، ويربطها في الغالب دين الإسلام. ومن جهة أخرى، فإن الديانة الكبرى، لشعوب القارة هي الإسلام، رغم تعدد الديانات فيها. وذلك ما أسهم منذ حقب طويلة في تعميق العلاقة التاريخية بين بلادنا وشعوب وحكومات القارة السوداء. 

في القارة السمراء، التي لا تزال في الغالب بكراً، فرص استثمارية كبرى، على الصعيدين الزراعي، والصناعي. فدول القارة، ذات الأراضي الزراعية الشاسعة، بحاجة إلى مكننة الزراعة، واستخدام أحدث أساليب العمل فيها. ورؤوس أموالها لا تمكنها من تحقيق ذلك. إن علينا التقدم بجسارة في هذا السياق، وتشجيع رؤوس الأموال الخليجية للعمل في تلك الدول. 

كما أن بالإمكان الاهتمام بمصادر التعدين، في تلك البلدان والاستثمار فيها، بما يحقق المنافع المشتركة، للعرب والأفارقة على السواء.

ولا ينبغي أن يكون موضوع الاستقرار السياسي عائقاً أمام حركتنا. فغياب الاستقرار السياسي في كثير من الدول الإفريقية مرده حالة الفقر والجوع، والأوضاع الاجتماعية المزرية. ومتى ما تمت معالجة هذه الأزمات، فستنعم هذه البلدان بالأمن والاستقرار، وتتقدم بخطى ثابتة نحو التنمية والبناء.