التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب مشروع سعودي لضرب المقاومة

حجم الخط

من الواضح بان النظام الرسمي العربي من بعد اتفاقية كامب ديفيد،حدثت تغيرات عميقة في بنيته ودوره ووظيفته،فالنظام انتقل من النقيض الى النقيض ،ففي زمن المد التحرري الوطني،كان النظام الرسمي العربي،بقيادة البرجوازية الوطنية العربية،يرفع شعارات اللاءات الثلاثة لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف مع الإحتلال،وما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة،وكلفة المقاومة أقل بكثير من كلفة الإستسلام،ولكن تلك الشعارات تآكلت وتجوفت بعد سقوط برامج البرجوازية الوطنية ودورها التاريخي،حيث انتصرت الشرائح العليا من هذه البرجوازية الوطنية والشرائح الطفيلية والكمبرادورية وتحالفت مع القوى الدينية المتأسلمة في قيادة النظام الرسمي العربي،فمن بعد اتفاقية كامب ديفيد،تم استدخال ثقافة الهزيمة وشعار الراحل السادات 99% من اوراق الحل بيد أمريكا،والإنتقال والتغير في بنية ودور النظام الرسمي العرب وظيفته،إتجهت نحو تطبيع العلاقات مع الإحتلال....وكان واضحاً بأن النفط والبترودولار الخليجي،لعب ويلعب دوراً كبيراً في تخريب وعي الجماهير والشعوب،وحتى حركات التحرر،حيث جرى فسادها وإفسادها،الثورة الفلسطنية مثالاً،ولعل عملية الإنتقال من العداء للتطبيع مع المحتل وشرعنة العلاقات معه،اخذت تتطور بشكل كبير بعد مؤتمر مدريد واتفاقيات وأوسلو،حيث جرى الإعتراف المتبادل بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال،وأصبحت السلطة المكبلة بإتفاقيات امنية واقتصادية" بلدوزر" التطبيع على المستوى الرسمي،ولتحدث تغيرات بنيوية عميقة في بنية النظام الرسمي العربي ودوره ووظيفته،أثناء وبعد الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية،في تموز/2006 ،حيث وقفت العديد من الأنظمة العربية،وفي المقدمة منها السعودية الى جانب إسرائيل في حربها،وإن كان ذلك بشكل سري وليس علني،وتحدث وزير خارجية قطر أنذاك حمد بن جاسم عن ثقافة " الإستنعاج"،وبما يعني أن النظام الرسمي العربي يعاني من حالة إنهيار غير مسبوقة،وحالة إستجداء وذل لم يعرفها التاريخ العربي لا بقديمه ولا حديثه...التطورات اللاحقة بعد ما عرف بما يسمى بالربيع العربي،جاء ليقول ،بأن النظام الرسمي العربي،يسعى الى تطبيع علاقاته مع إسرائيل بشكل علني ومشرع،في ظل ما قامت به العديد من الأنظمة العربية الخليجية،من تحريف وتحوير للصراع عن أسسه وقواعده من صراع عربي – إسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي- إسلامي- مذهبي ( سني وشيعي)،حيث جرى نقل الفتنة من الجانب الرسمي الى الجانب الشعبي،وتصوير ايران ومن يقف في محورها من قوى وحركات تحرر عربية وفلسطينية بانهم أعداء الأمة العربية،والمقصود هنا ايران وسوريا وحزب الله والحشد الشعبي والحرس الثوري وانصار الله "الحوثيين"،وكل من يقول بالمقاومة او يتبناها كنهج وخيار.

التطور البارز هنا،ان البعض عربياً،أصبح يتحدث عن التطبيع مع المحتل جهراً وعلناً،ويرى به مكون طبيعي في المنطقة،وهو ب"الصديق" و "الجار الحسن" ،ولا غضاضة ليس فقط في إقامة علاقات واتصالات معه،بل تمادى البعض ليصل في علاقاته الى حد التنسيق والتعاون والتحالف معه،والضغط على الفلسطينيين،ليس لتطبيع علاقاتهم مع المحتل،بل قبول كل شروطه وإملاءاته المطروحة لتصفية القضية الفلسطينية،ولتصل الأمور الى حد الخروج من حالة الزنا السري الى الزواج العلني،وكما قال جاد شيمرون وكيل الموساد السابق والمؤرخ الحالي،بان ما يجمع إسرائيل والسعودية،هو"الشيطان" المشترك،والمقصود هنا ايران ومحورها،والسعودية نقلت التطبيع والتحالف مع أمريكا وإسرائيل الى درجة أعلى عندما إرتضت في القمم الثلاثة التي عقدت في الرياض،في العشرين من شهر أيار الماضي،بأن يكون ترامب"إماماً يصطف خلفه العرب والمسلمين،وقد دفعت له الجزية من أموال الشعب السعودي،ما لا يقل عن (460) مليار دولار،ومن ثم جرى شرعنة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي،حيث أقلعت طائرة الرئيس الأمريكي ترامب من مطار الرياض الى مطار اللد مباشرة.وفي تلك القمم تم تضمين البيان الختامي بأن ايران دولة إرهابية وتهدد امن المنطقة واستقرارها،وأنشئت أكبر قاعدة إرهابية في المنطقة،والمقصود هنا حزب الله المقاوم.

التطورات اللاحقة كانت متسارعة حيث ان جماعة انصار الله "الحوثيين" ردوا على إستهداف دول العدوان السعودي،لأطفال اليمن ومدنييه،بإطلاق صاروخ باليستي طويل المدى من طراز بركان 2 تجاه قاعدة الملك خالد بن عبد العزيز الجوية في الرياض،هذا الإستهداف أفقد القيادة السعودية توازنها وباتت تدرك بأن تواصل قصف الصواريخ اليمنية لمدنها الرئيسية،قد يعرض امنها وإستقرارها للخطر،ولذلك رفعت من حدة نبراتها واتهاماتها لإيران وحزب الله بالمسؤولية المباشرة،عن استهداف قاعدة الملك خالد بن عبد العزيز الجوية،وبتهديد امن المنطقة واستقرارها،وعمدت الى القياد بخطوات دراماتيكية،معتقدة بأنها ستمكنها من جر إسرائيل الى شن حربٍ بالوكالة عنها على حزب الله،وكذلك خلق مناخات تحريضية على الحزب في لبنان،قد تدفع بتفجر الفتن المذهبية والطائفية،وبما يهدد السلم الأهلي اللبناني واستقراره،حيث عمدت الى إستدعاء رئيس الوزراء اللبناني الحريري الى الرياض،ومن ثم احتجازه،وإجباره على تلاوة بيان إستقالته،وتحميل حزب الله مسؤولية تفجر أوضاع لبنان الداخلية،نتيجة سياساته وتحالفاته والتدخلات الخارجية في شؤون لبنان الداخلية،والتي سيدفع لبنان ثمنها،ولم تكتف السعودية بذلك،بل عمدت الى عقد لقاء لوزراء الخارجية العرب،مستخدمة نفوذها وسطوتها المالية،من اجل اصدار بيان يصنف حزب الله اللبناني كحركة إرهابية،وبما يتفق ويتوافق مع تصنيفات إسرائيل،في شيطنة قوى المقاومة العربية والفلسطينية،ووسم نضالاتها وتضحياتها بالإرهاب.

ومن بعد ذلك عملت على تشكيل ما يسمى بالتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب،ضمن منطلقات مذهبية،مستثنية من ذلك ايران والعراق وسوريا،وهذا من شأنه ان يعمق من حالة الإستقطاب المذهبي الإسلامي،وخلق حالة متأصلة من العداء،ناهيك عن ان هذا التحالف يخلط عن قصد ما بين الحركات والتنظيمات الإرهابية،من "القاعدة" و"داعش" و "النصرة" وغيرها من المجاميع الإرهابية،وبين قوى المقاومة والقوى الجهادية حزب الله،قوى المقاومة الفلسطينية،الحشد الشعبي،الحرس الثوري الإيراني وجماعة أنصار الله " الحوثيين" في اليمن،ويضعها في نفس الخانة،بغرض،تجريم قوى المقاومة العربية والإسلامية والفلسطينية،ووصف نضالاتها بالإرهاب، فالصور التي تم اختيارها ضمن العرض المرئي للاستدلال على مكافحة الإرهاب، والخاصة بمقاوم فلسطيني يطلق النار تجاه إحدى المستعمرات الإسرائيلية،وتفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت عام 1983.ولذلك نرى في هذا التحالف السعودي،سوى مدخل لضرب قوى المقاومة عربية - إسلامية وفلسطينية،وتصفية بيئتها وحواضنها وداعميها والقائلين بالمقاومة،فكراً ونهجاً وخياراً وثقافةً،وبما يتساوق مع المخططات والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية في شيطنة قوى المقاومة،والسعي الى تطبيع وشرعنة العلاقات معها على مختلف المستويات،وبما ينقلها الى الجوانب التنسيقية والتعاونية والتحالفية العلنية.
القدس المحتلة – فلسطين