هموم عمالية واغتراب العمل النقابي

حجم الخط

         كثيرا ما يواجه النقابي الملامس لهموم العمال أسئلة تعبر بكل بساطة عن معطيات الواقع المعاش وتفاصيل الظلم والقهر الطبقي والقومي التي يتعرضون لها ويقف عاجزا عن الإجابة كعجز الحركة النقابية الفلسطينية المنشغلة بحسابات الربح والخسارة ومعالجة ألازمات بعيدا عن العمال   . فها هي عاملة تعمل في أحد المحلات التجارية لأكثر من عشر سنوات تتقاضى راتبا شهريا مقداره ألف شيقل أي ما يقارب 280 دولار وتستمع الى أنشودة قانون الحد الأدنى للأجور المعمول به فلسطينيا والذي يقضي بأن يكون أجر العامل أو العاملة لا يقل عن 1450 شيقل شهريا . ورغم عرضها الموضوع على أكثر من جهة من بينها مفتشي وزارة العمل الفلسطينية الذين حضروا الى موقع العمل واستمعوا الى شكوى العاملة والتي تميزت بالجرأة الكبيرة بأن تتحدث بكل مشاكلها دون حساب أي حساب . ولكن ذلك دون جدوى فليس أمامها سوى خيارين اما أن تترك العمل أو تقبل بما هو متوفر وقائم .

وتعرض عاملة أخرى مشكلتها وهي تعمل في إحدى مؤسسات المجتمع المدني وتعمل لأكثر من 12 ساعة يوميا وتتقاضى أجرا بمعدل 25 شيقل يوميا وكرما من المؤسسة تمنحها مبلغ 50 شيقل شهريا بدل القيام بمهام أخرى ...

ثم يحضر عامل تبدو عليه ملامح الغضب والقلق والحيرة بعد أن تم منعه من دخول معبر الطيبة للعمل داخل فلسطين المحتلة عام 48 "اسرائيل" وقد أبلغه ضباط أمن الاحتلال على المعبر أن هناك قرار بوقف التصاريح الممنوحة له ولعشرين من أقربائه كعقاب جماعي على قيام أحد أفراد عائلته بمل وطني ضد دولة الاحتلال قبل أكثر من عام وهذا يتكرر للمرة الثانية وان قرار المنع سيستمر حتى شهر اب القادم ...

ويسأل العامل عن حل لهذه المعضلة ويقول بأن ما حدث له يمثل مصيبة لا يمكن احتمالها فماذا سيفعل خلال هذه الفترة  والالتزامات العائلية في ازدياد متواصل .

يحاول الاتصال بمحامين مختصين بهذه القضايا ويجري الحديث عن وعود ومتابعات سيطول أمدها . ثم يغادر حاملا همومه وقد ازدادت مشاكله وهمومه هما جديدا بعد أن رأى العجز الذي عبر عنه النقابي في إمكانية المساعدة .

              هذه بعضا من مشاهد الظلم والقهر الذي يمكن أن تشاهده وتسمعه خلال ملامستك واتصالك المباشر مع جمهور العاملين الفلسطينيين ... وتعكس بكل ملموسية وبساطة حديث العمال عمق الأزمة التي نواجهها . في الوقت التي تنهمك فيه القوى والاتحادات والنقابات بالبحث عن صيغ تبقي لهم أماكنهم على رأس العمل النقابي وتحفظ لهم حصصهم التي يحصلون عليها على حساب قوت العمال وأبنائهم وبناتهم وشقائهم .

        إن الحركة النقابية مشغولة منذ أعوام بالبحث عن حلول ومخارج للأزمة التي يعيشها من خلال العمل على تجديد الصفقات التي تضمن بقاء الهيمنة والاستحواذ من ناحية والاكتفاء بالرضى عن تحقيق الحضور والمشاركة من ناحية ثانية..

        مع العلم أن النضالات النقابية الحقيقية التي حصلت على مدار أكثر من عامين جاءت بمبادرات من خارج إطار الاتحادات الرسمية بل وفي كثير من الأحيان كانت في مواجهتها .

       ان العمال الفلسطينيين كمواطنين قدموا وما زالوا كل ما يملكون في معمعان النضال ضد المحتل وتحملوا أعباء الأزمات الاقتصادية . يستحقون عمل نقابي حقيقي يعيش معهم همومهم ويتلمس قضاياهم ويعمل على تنظيمهم وتحسين ظروف وشروط عملهم.. وهذا يتطلب بناء منظمات عمالية نقابية حقيقية يثق بها العمال ويشعرون بانتمائهم الحقيقي لها . يقودها قادة نقابيين من طينتهم تفوح منهم روائح العرق الممزوجة بالتعب بدلا من روائح العطور الممنوحة من الممولين الأجانب .. يسيرون في أوساطهم ولا يركبون وسائط نقل يتشبهون بها بكبار المسؤولين .. ويأكلون من أكلهم ولا يصرفون مقدرات نقاباتهم على المطاعم الفارهة والتي يرى العديد من قادة العمل النقابي أنها حق وامتياز لهم لا يمكن أن يقبلوا بالتنازل عنها لأنها تنتقص من مكانتهم .

نعم إن صوت العمال الآتي من أعماق معاناتهم وتعبهم وعرقهم وكل لحظة من شقائهم يقول كفاكم عبثا بنا ومتاجرة بنقاباتنا واتحاداتنا التي بنيتموها على حساب قوتنا ومن عرقنا وتعبنا .. فنحن لسنا قطعانا تسوقونها  كما شئتم خدمة لاستمرار بقائكم على رأس الهرم النقابي .. ولتستمر عملية المحاسبة التي انطلقت عبر إجراءات قانونية لا لبس فيها.. ولتتوقف كل محاولات التحايل على النظام والقانون .