آفاق المشروع الوحدوي العربي

حجم الخط

يبدو الحديث عن وحدة العرب، في ظل الواقع الراهن، أمراً عدمياً وغير مجد، وسط الحرائق والخراب والدمار واليأس الذي يعم معظم البلدان العربية. لكن أحداً لم يطرح أبداً مساوئ التجزئة، وغياب العمل العربي المشترك، ودورهما في تكريس واقع الفساد والاستبداد، واستمرار التشكيلات البطركية، ومنع قيام نظم سياسية قوية، والنتيجة الكارثية، هي الأوضاع المزرية الراهنة التي يشهدها الوطن العربي.

واقع التجزئة الراهن، لا يشي بقدرة أي بلد عربي بمفرده على الخروج من نفق الأزمة والولوج بقوة واقتدار في العصر الكوني الجديد.

واقع الحال يؤكد وجود بون شاسع، بين البلدان العربية، إن من حيث الكثافة السكانية والحجم والقوة الاقتصادية، هناك أقطار عربية، يتجاوز تعداد سكانها المئة مليون نسمة، وبلدان أخرى، لا يتجاوز سكانها المليون نسمة. وفي الأحجام، هناك دول تقترب في اتساعها من حجم دول أوروبا مجتمعة وهناك دول ينطبق عليها وصف «المدينة الدولة» نظراً لصغر حجمها. أما بالنسبة للأوضاع الاقتصادية، في هذه الدول الصغيرة فإن ناتج الدخل الوطني للفرد يتجاوز عشرة أضعاف عند مقارنته بالدخل الوطني للفرد في بلدان عربية أخرى.

وينسحب البون الشاسع بين الأقطار العربية، عند مقارنتها مع بعض في وفرة التعليم والعلاج المجاني، وأيضاً في المستوى العلمي والثقافي. كما هو الفرق شاسع أيضاً في المجالات التي قطعتها بعض الدول العربية من حيث استكمال بنيتها التحتية، والمضي بشكل حثيث في تنفيذ خطط التنمية. ويترتب على ذلك، إن وجد التصميم على المضي في تحقيق التكامل بين هذه البلدان، صياغة خطط عملية، تسهم في لحاق البلدان العربية المتخلفة، بقاطرة التطور.

هناك أيضاً الفروق في الأنظمة السياسية والاقتصادية، بما يستتبع ذلك، من فروقات في سياسة الاستيراد والتصدير، وسعر التعرفة الجمركية.

ولا شك في أن لهذه الفروقات انعكاسات موضوعية طاردة على موضوع التكامل الاقتصادي العربي، ما لم تتم معالجتها. لكن تحقيق شكل من أشكال الاتحاد بين البلدان العربية، هو في مصلحة جميع أبناء هذه الأمة، وهو عامل قوة حقيقية للعرب جميعاً.

إن الدعوة الآن لتشكيل اتحاد عربي، هي دعوة للقضاء على الفوضى، وتجاوز الضعف، وإعادة إعمار ما خلفه خريف الغضب، وأن يكون لهذه الأمة مكانتها اللائقة بين الأمم، وسط التشكل المرتقب الجديد للنظام العالمي، وفي زمن لا يحترم فيه سوى الأقوياء.

تشكيل اتحاد عربي، سوف يمكن العرب، من إقامة علاقات متوازنة ومتكافئة، مع النظام الدولي، والقوى الكبرى، ويساعدهم على استخدام ثرواتهم ومدخراتهم في بلادهم، بما يحقق التكامل والتلاحم الاقتصادي فيما بينهم. وبهذا لا تضطر الدول الفقيرة لرهن سيادتها واستقلالها، لقاء الديون التي تحصل عليها من صناديق الدول الكبرى. ولا تكون اقتصادات الدول العربية الغنية، رهناً للتقلبات المالية في الأسواق العالمية.

إن أي دولة عربية، بمفردها، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الراهن، لن تكون قادرة على التعامل مع المتروبولات الكبرى بصورة متكافئة، أو أن تمارس الضغط ليكون التبادل التجاري معها، أكثر توازناً وأقل إجحافاً. كما أن معظم البلدان العربية ليس بمقدورها منفردة رسم وتنفيذ خططها الاقتصادية اللازمة لتجاوز حالة التخلف، وتحقيق تنمية اقتصادية، لأن إمكاناتها المالية أو قواها البشرية، أو قاعدتها الاقتصادية، لا تسمح لها بذلك.

إن زيادة الإنتاج في أي خطة تنموية لا تعني تلبية حاجات السوق الداخلية فقط، لأن الأسواق المحلية لا تكفي لتسويق كل ما يمكن إنتاجه، من سلع وخدمات في ظل التقدم التقني للإنتاج. ولهذا فإن رفع الحصار الاقتصادي والجمركي بين البلدان العربية، وتأمين الحماية للمنتجات العربية، أمام المنتجات الأخرى، وإيجاد السوق العربية المشتركة سيساهم بشكل رئيسي في حل مشكلة تصريف المنتجات العربية، التي تفتقر في ظل الواقع الراهن، إلى التنافس مع صناعات الدول المتقدمة حتى في أسواقها المحلية، نتيجة لعدم وجود الحماية الجمركية الكافية، ولصغر حجم رقعة السوق.

قيام شكل من أشكال الوحدة العربية، سيتكفل بإعادة تشكيل الخريطة السكانية والاقتصادية للبلدان العربية، بما يعالج هذه الاختلالات، ويخدم مصلحة جميع البلدان العربية.

إن قيام شكل من أشكال الوحدة بين البلدان العربية، يأتي ضمن سياق تاريخي وموضوعي صحيح. فهي بالإضافة إلى كونها تمنح قوة كبيرة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فإنها تسهم في تعزيز استقلال العرب، وتمكنهم من الدفاع عن سيادتهم، وتأتي متسقة تماماً مع اتجاهات العصر.

العمل الوحدوي، على هذا الأساس، أمر ملح وجوهري، ولا ينبغي تركه لتغير الظروف السياسية، كما ليس من شروطه، أن تلتحق به جميع البلدان العربية دفعة واحدة. يكفي أن تبدأ المسيرة، بدول تنسجم في برامجها السياسية والاقتصادية، كما هي الحال الآن بين معظم دول الخليج. ويمكن أن تكون مصر والأردن ضمن الدول المؤسسة لهذا الاتحاد، وأن يترك الباب مفتوحاً لبقية الدول العربية للالتحاق به مستقبلاً.

وأخيراً، فإن هذه الوحدة ينبغي أن لا تكون تعارضاً أو تضاداً مع الولاء والإخلاص والانتماء الوطني، بل إنقاذاً وترسيخاً لهما، حيث تضع الجزء في مكانه الصحيح من الكل، وحيث يستطيع البلد العربي الواحد، أن يكون فاعلاً ومؤثراً، ضمن مجموعة بلدان عربية فاعلة ومؤثرة.