بين الضفة وغزة.. تباعد في السياسات وتوافق في ممارسة القمع

حجم الخط

لم تكن العلاقة سيئة من قبل كما هي حالها الآن بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر فقد تفاقمت الخلافات بين ممن يتحملون مسؤولية الحكم فيهما وتعددت مظاهرها واختلطت الأمور بحيث تجاوزت الوضع السياسي إلى الوضع المعيشي إلى إمكانية احداث شرخ نفسي عميق بما يهدد تفسخ النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني الواحد .

تدحرجت كرة الثلج الخلافية من الصراع على السلطة السياسية إلى الدفاع عن العصبية الجغرافية بين ضفاوي وغزاوي ( كلام محافظ نابلس ) بحيث تحول الخطاب السياسي الوطني الجامع إلى خطاب لفظي سوقي هابط وإلى ممارسة بوليسية فاشية معادية لحرية الرأي والتعبير التي يكفلها القانون بحيث أن ماجري سواء في الضفة قبل أيام في ميدان المنارة أو في غزة مؤخرا بساحة السرايا من اعتداء بلطجي همجي على الاحتجاجات التي تدعو إلى إنهاء العقوبات والانقسام هو لا علاقة له البته لا بالهم الوطني الذي له مكانته الأولى كعامل محفز رئيسي في مقارعة الاحتلال والمحافظة على هيبة المشروع الوطني من التفكك والتراجع أمام المشروع الصهيوني العنصري ولا بالامن الوطني والاستقرار الذي يشكل توفر كل منهما ضمانة للبقاء في الحكم بقدر ما له علاقة بالمكاسب الطبقية لبعض الفئات الاجتماعية المتنفذه والشخصية بشكل خاص لبعض المسؤوليين في أجهزة الحكم ...؛؛ بعد نكبة عام 48 كان قدر الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر أن يبقى كل منهما خارج حدود دولة الكيان الصهيوني الذي تم الاعتراف به رسميا كعضو في هيئة الأمم المتحدة بناء على قرار التقسيم الصادر عام 47 وجاءت هزيمة يونيو حزيران 67لتوحد مصيرهما الوطني المشترك ومستقبلهما السياسي الواحد ضمن برنامج الحل المرحلي الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في عام 73 والمعروف ببرنامج النقاط العشر مسايرة لنهج التسوية وبالتاييد العربي الرسمي بهدف اقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقيه على حدود 67 وهو المطلب السياسي والدبلوماسي الذي ما زالت تسعى السلطة الوطنية على تحقيقه رغم تعنت الكيان الصهيوني وانحياز الراعي الأمريكي السافر الذي اتضح بشكل غير مسبوق بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية اليها ، غير أن الانقسام السياسي وتداعياته التي أفضت اخيرا إلى إجراءات عقابية على القطاع تمثلت في خصومات طالت رواتب موظفي السلطة قد خلقت أزمة سياسية واقتصادية أكثر حدة في النظام السياسي الفلسطيني واتخذت مظاهر مختلفة نسبيا عما كان يجري سابقا من تبادل المناكفات والتجاذبات بين طرفي الانقسام فلم يعد الخلاف بينهما يدور على أشده كما كان عادة من قبل بين ثنائية التضاد بين المقاومة والتسوية وبين الكفاح المسلح والحل السلمي بقدر ما أصبح الأمر متعلقا الآن بأيهما الأقدر على التعاطي مع ما يخطط للقضية الفلسطينية من مشاريع تسوية نهائية إبتداءا من مشروع حل الدولتين وبالاشتراطات الإسرائيلية ونهاية بدولة غزة مع سيناء .. والسؤال الآن يوجه بشكل خاص للذين يتحملون إدارة الصراع وعلى اختلاف أدواتهم الوظيفية بين منطقتين لم تعد ولاية جغرافية واحدة كما نصت عليها اتفاقية اوسلو التي تنصل منها الكيان ،، واحدة تحت الاحتلال المباشر وآخرى تئن بفعل حصار منذ أكثر من عقد من الزمن أفقد بهجة الحياة لمليونين من البشر بحيث أصبحوا الان مادة صالحة تستخدم لجلب المساعدات المالية والإغاثية بذريعة العامل الانساني مما أنعش عملية التسول في المجتمع بكافة مظاهره ..السؤال الآن لطرفي الانقسام : لماذا تركتم هذا الوضع الداخلي الفلسطيني في الضفة وغزة يتفاقم بهذا الشكل الماساوي البعيد عن الرابطة الوطنية المصيرية التي عمقتها انتفاضات ثلاث أربكت سياسات الكيان ليصل الى هذه الحالة البائسة الكارثية سياسيا واجتماعيا ونفسيا وعلى كل المستويات والتي لم تالفها إطلاقا الحركة الوطنية الفلسطينية ولم تسجل في موروثها السياسي والثقافي منذ أن بدأ نضالها ضد انتداب الاستعمار البريطاني والغزوة الصهيونية في أوائل القرن الماضي؟ إلى أين أنتم تديرون اتجاه بوصلتكم الآن وقد اتضحت أبعاد مخطط التصفية للقضية الوطنية الفلسطينية الذي يرسمها التحالف الأمريكي الصهيوني الرجعي عبر ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية ؟ ؟؛؛