أزمة تاريخية

حجم الخط

 

بعد سنّ قانون «الدولة القومية»، فإن إحدى دلالاته الأخرى هي تعبير عن أزمة «إسرائيل». بعد سن القانون لا شيء يمنع «إسرائيل» من الاستمرار في ارتكاب حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا، وآخرها ولن يكون أخيرها، المجازر التي اقترفتها وتقترفها ضد مسيرات العودة ضد أهلنا. من جانب آخر لم يدر بخلد هرتزل ولا قادة الحركة الصهيونية عند عقد مؤتمرهم الأول عام 1897، أن الفلسطينيين بعد سبعة عقود من إنشاء دولتهم عام 1948، سيتساوون في العدد مع اليهود في فلسطين التاريخية! هم اعتقدوا كما جابوتنسكي وبن جوريون فيما بعد، أنه بعد ممارسة التطهير العرقي ضدّهم، وتهجير ما يقل قليلاً عن مليون منهم قبيل وبعد إنشاء الدويلة، وعلى مدى وجود «إسرائيل» في الخطة التي عرفت باسم «دالت»، اعتقدوا أنهم سيمحقون الفلسطينيين على وجه الأرض، أما من يتبقى منهم فكبارهم سيموتون وصغارهم سينسون! كما قالت جولدا مائير.

ولكن ثبت خطأ مقولتهم تماماً، فأحفاد أحفاد المهجّرين من فلسطين يتمسكون بحق العودة أضعاف أضعاف أجدادهم.

حتى إن بعض زعماء اللوبي اليهودي في أمريكا ناشدوا مسؤولي البیت الأبیض قائلين: «أنقذوا «إسرائيل» من نفسها وأنقذونا من عناقكم القاتل لها»، بل ثمة من «الإسرائيليين» من كتب حول ذلك.

تقول كارولینا لیندسمان في «هآرتس»: «الإحساس بأن الفلسطینیین هم مشكلة هامشیة طفیفة غیر مثیرة للاهتمام.. هي مشكلة «إسرائیلیة» داخلیة.. لن تتبخر ولن تختفي.. في منظومة القوى العملیة. لا یمكن ل«إسرائیل» أن تنتظر إلى أن تُبلوِر لنا الولايات المتحدة خطة أخرى كي تتمكن من رفضها، هذا لیس لأن المسیرة المخطّط لها ستفكك، بل هي مجرد مؤشر أوّلي للتشكیك في الفرضیات الأساس التي تتثبت».

أما اوري سیغال فقد كتب في «معاریف» في الیوم ذاته قائلاً: «كلما نجح الفلسطینیون في التمسك بالكفاح غیر العنیف، وروح المهاتما غاندي، ونیلسون ماندیلا، ومارتن لوثر كینج، سینكشف میزان القوى الحقیقي بین «الإسرائيليين» والفلسطينيين.. وینكشف أیضاً عجز السلاح مهما كان متطوراً؛ إذ ليس القوي بل المحق هو الذي ينتصر».

لقد سجّل الخداع «الإسرائيلي» بكل ما يتعلق بأعداد أبناء الديانة اليهودية في العالم، حضيضاً غير مسبوق. فبعد أن تمكن من اختلاق بدعة «الشعب اليهودي» في نهايات القرن التاسع عشر دعت لجنة حكومية رسمية «إسرائيلية» قبل شهر إلى اختلاق يهود جدد من خلال تهويد ملايين ممن تعتبرهم مقربين «لليهودية».

وهذا الهوس يعكس حالة القلق «الإسرائيلي» المتعاظم من المسألة الديمغرافية، والذي شهدناه مع صدور تقرير يؤكد تساوي عدد الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية.

وتدعي اللجنة الرسمية بأن في العالم أكثر من 60 مليون شخص منهم من له أصول يهودية، ولكنهم حالياً ليسوا يهوداً!

وعليه توصي اللجنة حكومتها بالعمل بين هذه المجموعات المنتشرة في عدة دول في العام، لغرض تقريبها أكثر إلى «إسرائيل» ومشروعها، ولاحقاً يتم تهجير «الملائمين» منها إلى فلسطين لغرض تهويدهم.

ثمة كتاب صدر لمؤلف يهودي هو بيتر بينارت بعنوان: «أزمة الصهيونية»، يشدد فيه على أن القضية الحقيقية لليهود اليوم لا تكمن في ضعفهم وكيفية مواجهته؛ بل في مقتضيات القوة، رافضاً في الوقت نفسه استغلال معاناة اليهود التاريخية كضحايا في الهيمنة على الفلسطينيين.

ويعلق صحفي يهودي آخر هو روجر كوهين على كتاب بينارت في عموده الأسبوعي بصحيفة «نيويورك تايمز» قائلاً: «إن اليهود ظلوا على مدار عقود طويلة من الآن يمارسون تلك القوة على ملايين الفلسطينيين المحرومين من أي حقوق للمواطنة، والذين يعانون كل أشكال الإذلال لشعب محتل».

ويردف كوهين قائلاً: «إن الولايات المتحدة، الحليف الدائم ل«إسرائيل»، هي موطن لجالية يهودية لم تنعم يوماً بمثل هذا التوحد والنفوذ الذي تتمتع به الآن. هذا غيض من فيض مما يجري في «إسرائيل»، وهو ما يدلل على بدء أزمتها».