للأسف لا مصالحة

حجم الخط

طرفان يتخندقان ويتمترسان في مواقعهما ولا يتزحزح أيّ منهما باتجاه الآخر! يجيدان لعبة «النط على الحبل» والذهاب إلى المفاوضات في القاهرة في رحلات «رفع العتب» المسماة حركياً ب «المصالحة»! لكلّ منهما مشروعه الذي يكرّس من خلال نهجه القائم على الفصل نهائياً بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. الطرفان وإن جرى التغني بادّعاء كلّ منهما بمقاومة المؤامرة التصفوية «صفقة القرن»، فإن إدامة انقسامهما بحدّ ذاته هو انزلاق في مستنقع هذه الصفقة. ما يميز العلاقة بين الطرفين: هو التربص ببعضهما والكيدية، وتبادل التهم بتعميق للشرخ الفلسطيني. ما زال البعض الفلسطيني يراهن على تغيير في الموقف الأمريكي حول القرار من القدس، في ظل القول بأن معركة وراثة الرئيس عباس قد بدأت، وأخذ كثيرون ينتظرون وراثته وهو حي، رغم أن رئاسة السلطة تعني فعلياً التعامل مع اتفاقية أوسلو التدميرية ومع نهج المفاوضات العبثية التي حسم العدو أمرها بسنّ قانون القومية العنصري. وقد ثبت بالملموس خطأ استنتاج أحدهم «بأن الحياة مفاوضات»! إذ أثبتت التجارب أن الحياة في ظل احتلال الأرض واغتصاب الإرادة هي أولاً وأخيراً مقاومة.

إن معركة الخلافة تحتلّ حيّزاً أوسع من قاعدة مقاومة الصفقة التصفوية وإنهاء الانقسام، والبدء في لملمة شظايا البيت الفلسطيني وترتيبه وتجميعه.

ومن جانب آخر، فإن الفرع الفلسطيني للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين يريد الظفر بإمارة غزة حتى ولو بثمن التهدئة ( خمس سنوات أو هدنة دائمة) مع العدو الذي لا يريد الدخول إلى «عش الدبابير» في القطاع كما أعلن أحد قادته! وهم يتمنون - مثلما قال رابين- لو يصحون يوماً و«يكون البحر قد ابتلع غزة». العدو «الإسرائيلي» ما زال يحاصر القطاع منذ عام 2006-2007 ويتحكم في معابره، ورغم ذلك تجري تهدئة، ويجري التخطيط لمشاريع استثمارية كبيرة في غزة وتوسيع مطارها والعمل على بناء ميناء حديث لها، لكن ذلك بالطبع سيكون تحت إشراف «إسرائيل»، وهو ما تخطط له «صفقة القرن»، وكما عبّر عنه جاريد كوشنر-صهر ترامب اليهودي - ومبعوثه اليهودي الآخر إلى المنطقة جيسون جرينبلات، وسفير الولايات المتحدة في «إسرائيل» ديفيد فريدمان الذين استبدلوا «السلام السياسي» ب «السلام الاقتصادي».

بالطبع، هذا ما يتماهى مع ما كان قد طرحه الثعلب العجوز شيمون بيريز في كتابه بعنوان «الشرق الأوسط الكبير» الذي دعا فيه بغطرسة ووقاحة منقطعة النظير إلى «مزاوجة العقل اليهودي مع الأموال العربية»! فهل كل هذا يغيب عن قادة «حماس»؟

وبالعودة إلى ملف المصالحة، نحن أمام حركتين احتكرتا المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة، وأمسك كل منهما بالمشروع الوطني لشعبنا، وما يميز العلاقة بينهما هو صراع مرير دائم، وكل منها يجرّ مشروع شعبنا التحرري نحو إيديولوجيته وتحالفاته الداخلية والخارجية بمختلف اتجاهاتها الإقليمية والدولية، وبخاصة باتجاه تلك الدول التي جعلت من المشروع الوطني الفلسطيني مطية لها، فهي تهاجم «إسرائيل» في ظل تنامي علاقتها الاقتصادية والتجارية والتسليحية معها. وذلك في سياق دور مرسوم آخذ بالتشكل موضوعياً لإزالة العقبات الموضوعة أمام «صفقة القرن» التصفوية. لذا، فإن المطلوب أمريكياً و«إسرائيلياً» حالياً ولاحقاً هو تعميق الشرخ بين حركتي «فتح» و«حماس». الأولى تتشبث ب«القيادة السياسية» التي احتكرتها على مدى نصف قرن، ويرى مسؤولها الأول أن الكفاح المسلح هو «إرهاب»، ولذلك أصدر في بداية تسلمه لمنصبه قرار جمع السلاح من المواطنين، واعتبار الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة «غير مشروعة»! أما الثانية، وبالرغم من ولادتها المتأخرة فهي ترى أحقيتها في قيادة المشروع الوطني رغم مسلسل التهدئات الذي تعقده مع العدو ضاربة بذلك أسس العلاقة بين المحتلة أرضهم والمغتصبين المحتلين.

أما المباحثات الماراثونية المعبّر عنها في اقتراحات إحدى الحركتين وانتظار رد الأخرى عليها ثم مناقشة الردود وصياغة اقتراحات جديدة فهي مسرحية عبثية تصلح لتمثيلها درامياً.

للأسف بعد 16 أو 17 محاولة للمصالحة ولمّ الشمل الفلسطيني في عواصم عربية وأجنبية، نقول: إن المحاولة الحالية لن تكون بأفضل من كل سابقاتها! فلا إرادة سياسية لطرفي الانقسام الفلسطيني لطيّ هذه الصفحة لا الآن ولا مستقبلاً.. وإلى شعبنا حسن العزاء.