مؤتمر هرتسيليا الثامن عشر

حجم الخط

إذا أردت معرفة حقيقة السياسات «الإسرائيلية»؛ فيتوجب عليك تمحيص ما دار ويدور من مناقشات وأبحاث ونتائج مؤتمر هرتسيليا الاستراتيجي الذي يعقد سنوياً منذ عام 2000، حين اقترح عقده عوزي آراد وهو ضابط سابق في الموساد، وشغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتبنى الفكرة فيما بعد معهد الدراسات الإستراتيجية، فأنشأ مركز هرتسيليا للتخصصات المتعددة واتخذ شعاراً دائماً للمؤتمر «من أجل تعزيز مناعة الأمن القومي «الإسرائيلي».

يحضر المؤتمر في العادة أهم القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين «الإسرائيليين»، ونخبة من رجال الأعمال، ومتخصصون من الجامعات، وضيوف أجانب (في العادة من الولايات المتحدة وأوروبا) ممن يتميزون بعلاقة وثيقة بدويلة «إسرائيل». اكتسب المؤتمر لهذا العام 2018 أهمية نسبية (انعقد في الفترة من 5-10مايو/أيار الماضي)، كونه يأتي بعد مرور 70 عاماً على الإنشاء القسري للدولة الصهيونية. ولذا كان عامّاً وشاملاً في سنته هذه، إن من زاوية طبيعة المواضيع التي أدرجت، أو من حيث نوعية الحضور من الضيوف الأجانب والمناصب المهمة التي يحتلونها أو كانوا يشغلونها قبلاً.

في المؤتمرات السابقة كان يتم طرح موضوع محدد للمناقشة يؤخذ كمحور، أما في العام الحالي فطرحت مواضيع متعددة حول مستقبل «إسرائيل» ووضعها اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، كما تم بحث ورصد للأخطار المحيطة بها من الداخل والخارج في دول الجوار وفي الإقليم وفي العالم، ولهذا امتدت أعمال المؤتمر ستة أيام (بدلاً من 3 مثلما جرى عادة في المؤتمرات السابقة)، حيث جرى تقييم وتقدير للسياسات والتطورات الإقليمية والعالمية ومدى انعكاسها على «إسرائيل». المؤتمر من حيث الجلسات يأخذ طابعين؛ علنيّاً وسريّاً، كذلك الأمر بالنسبة للقرارات. والسرّي منها تشكّل هادياً بل بمثابة دستور للحكومة «الإسرائيلية» من حيث القرارات السياسية التي تنتهجها. للأسف حضر المؤتمر ضيوف عرب وفلسطينيون أيضاً، الأمر الذي يدعو للتساؤل: ما الداعي لحضورهم من الأصل؟ ثم ألا يعرفون أهداف المؤتمر المكرّسة أصلاً لتصفية القضية الفلسطينية والهيمنة على المنطقة العربية اقتصادياً وسياسياً؟. ثم ما الذي يستطيعون تغييره في سياسات دويلة «إسرائيل»؟.

مؤتمر هرتسيليا لهذا العام شكّل مجالاً رحباً للأطروحات الأكثر تطرفاً من قبل ممثلي التيارات والأحزاب اليمينية الصهيونية، الأشد حقداً على الفلسطينيين والعرب! مثل وزير الحرب أفيجدور ليبرمان ووزير التربية والتعليم ويهود الشتات نفتالي بينيت، ووزير المواصلات والاستخبارات«يسرائيل كاتس»، بالإضافة إلى رؤساء أحزاب مثل رئيس حزب «هناك مستقبل»يائير لابيد ورئيس بلدية القدس المتطرف نير بركات، وكبير حاخامات «إسرائيل» السابق ورئيس مؤسسة «ياد فاشيم» وغيرهم من المستوطنين الإرهابيين الذين ينادون بإجراء «ترانسفير» للفلسطينيين من القدس، كما يحدث الآن من هدم لمنطقة «الخان الأحمر» وفي منطقة «العراقيب» في النقب. ونوقش في المؤتمر وضع «إسرائيل» من عدة جوانب، مثل استعدادها للحرب المقبلة، والبعد الإستراتيجي للعلاقة مع الولايات المتحدة، واحتمال المواجهة بينها وبين وإيران، والعلاقات مع الفلسطينيين بعد انتهاء حل الدولتين، والمستقبل مع غزة بالإضافة إلى مناقشة تحديث عقيدة الأمن القومي«الإسرائيلي»، وبحث «الرؤية المستقبلية «لإسرائيل» والشرق الأوسط للعام 2025»، والعلاقات مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي و تركيا وغيرها من دول المنطقة.

بالنسبة للاستخلاصات، تم اعتبار إيران خطراً وجودياً على«إسرائيل»، بينما يمثل حزب الله تهديداً استراتيجياً. كما الاستخلاص بأن العقوبات الأمريكية على إيران لن تؤدي إلى سقوط النظام، وأن الرهان على إسقاط النظام الإيراني من الخارج رهان خاسر. كما كشف المؤتمر عن أن الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» لن تكون جاهزة للصمود في أوضاع الطوارئ والحروب قبل خمس سنوات من الآن. كما أنه لا يمكن البناء والتعويل على موقف روسي استراتيجي لمصلحة «إسرائيل» رغم علاقاتهما الإيجابية. وأظهر المؤتمر تخوفاً من عدم قدرة «إسرائيل» على مواجهة كل الجبهات والتهديدات المحيطة بها في وقت واحد، ما قد يدفع «الإسرائيليين» لوضع سلم أولويات لهم، إضافة إلى الكثير من القضايا التفصيلية التي ظلت سرية.