تصفية الخاشقجي بين غضب الغرب وابتزاز ترامب

حجم الخط

مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا على يد فريق أمني سعودي، بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان، لن يؤثر على العلاقات السعودية الأمريكية، كما يذهب بعض المحللين السياسيين الغربيين وغيرهم، لأن العلاقات بين البلدين علاقات استراتيجية، لا تتأثر بالأزمات الوقتية الطارئة، وذلك بسبب تبعية النظام السعودي الكاملة للغرب عموماً وواشنطن بشكل خاص، على كل مستويات العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.

من المؤكد أن الإدارة الأمريكية لن تستطيع تبرئة المملكة من حادثة قتل جمال الخاشقجي، لأن تهمة القتل في القنصلية السعودية باسطنبول قد توصلت إليها التحقيقات التركية، وهي في انتظار الإعلان رسميا عنها من قبل وزارة الخارجية التركية، باعتبار أن واقعة الاختفاء والقتل تم بإطلاع القنصل السعودي محمد العتيبي نفسه، أي أن الجريمة البشعة لها علاقة بالتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لكن الإدارة الأمريكية بالمقابل سوف تسعى لوضع مخرجا للنظام السعودي يلّطف من حدة الحملة الأوروبية والدولية وفي الكونجرس الأمريكي أيضا، التي وصلت إلى حد الغضب إزاء الأسرة الملكية الحاكمة والمطالبة بفرض عقوبات اقتصادية على المملكة، دفاعا عن "حقوق الإنسان".

السيناريو الأمريكي التي تحاول واشنطن تسويقه في حادثة اختطاف ومقتل الخاشقجي، هو محاولة إبعاد التهمة عن ولي العهد السعودي، التي وصفته بعض أجهزة الإعلام الغربية بأنه "شخصية سامة"، يجب أبعاده عن ولاية العهد، حتى لا يصبح في حال رحيل والده ملكاً للدولة، وذلك بالإدعاء بأن الذين قاموا بالاختطاف والقتل في القنصلية هم مجموعة من المجرمين، وقد صرح الرئيس الأمريكي ترامب في هذا الخصوص، بالقول: بأن الذين قاموا بقتل الخاشقجي هم مجموعة من المارقين، الذين يجب محاكمتهم، وسوف يكون هذا المسعى الأمريكي لإبعاد التهمة عن ولي العهد السعودي، في إطار الابتزاز المالي الأمريكي المتواصل للسعودية حماية لها من الجار الإيراني القوي، الذي يقوم بتطويقها من الجنوب في اليمن على يد الحوثيين، وفي الشمال في العراق، على يد النظام الطائفي الشيعي، وكذلك في التواجد العسكري في سوريا دفاعاً عن نظام بشار الأسد الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية الشيعية، وكذلك أيضاً للمحافظة على صفقة الأسلحة الأمريكية للسعودية، التي تقدر بعشرات المليارات، والتي ترتفع المطالبة من بعض نواب الحزب الديموقراطي في الكونجرس ومجلس الشيوخ بإلغائها في إطار العقوبات الاقتصادية .

 إن الأموال مقابل الحماية، هو الخطاب السياسي الاقتصادي الأمريكي، الذي كثيراً ما أخذ يتردد الآن على لسان الرئيس ترامب، التي ما زالت تسيطر على عقيلته السياسية عقد الصفقات المالية والتجارية، باعتباره رجل الأعمال والمقاول الكبير، تأكيداً منه على تحقيق المصلحة القومية الأمريكية، في السعي لتسخير أموال النفط السعودية والخليجية بصفة عامة، في التغلب على الأزمات الاقتصادية، التي تعاني منها البلاد، والتي بدأت تؤثر على قيمة الدولار الأمريكي في الأسواق المالية. وتأتي حادثة قتل الخاشقجي الشنيعة سيئة التخطيط وبشعة التنفيذ وعديمة الاحتراف، والتي أثارت ضجة من المعارضة على المستوى الدولي لممارسات النظام السعودي المتخلف حضارياً، والتي وصفت بالقمع وتصدير الإرهاب لتوفر المناخ المناسب لتحقيق هذا الطلب، الذي يسعى إليه الرئيس ترامب في وقت الاستعداد لحملة الانتخابات النصفية في الكونجرس ومجلس الشيوخ، بشأن إعادة انتخابه من جديد بفوز الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه، ولقد سخرت الإدارة الأمريكية أجهزة الإعلام لتحقيق هذا الغرض من خلال اهتمام الصحافة الأمريكية ووكالة CNN الأمريكية، لتغطية موضوع الخاشقجي، لدفع المواطن الأمريكي للاهتمام بهذه القضية الدولية، حيث عُرف عنه متابعته دائماً للقضايا المحلية، وقليلاً ما تلفت اهتمامه القضايا الدولية.

على هامش تصفية الخاشقجي، يتضح أن الولايات المتحدة لن تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع الدول التي تربطها بها علاقات التبعية، من أجل ما يشاع دائماً في الغرب الرأسمالي، عن الدفاع عن "حقوق الإنسان"، ففي وقائع كثيرة للاختطاف والقتل، لم تُثر الإدارة الأمريكية في عهد الرؤساء السابقين، أي ضجة إعلامية بمستوى وبحجم ما يحدث الآن، وذلك يعود في الغالب لسببين أولهما:

الأول: إما لأن شخصية المخطوف كونه معارض ثوري لنظام بلاده السياسي، إضافة لموقفه المعادي للسياسة الأمريكية على النطاق الدولي، كواقعة اختطاف ثم قتل المعارض السعودي ناصر السعيد، الذي وثق فضائح آل سعود في كتابه الشهير تاريخ آل سعود، وبه إثبات حقيقة الأصول اليهودية للأسرة السعودية الحاكمة، وأيضا كحادثة اختطاف المعارض الكردي التركي عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردي الماركسي على يد المخابرات التركية .

الثاني: إما لأن دولة المعارض المخطوف دولة فقيرة، ليست محلاً للابتزاز المالي، كما حدث لواقعة اختطاف المهدي بن بركة المعارض المغربي في باريس والتخلص منه.

هكذا فحقوق الإنسان لا تهم الإدارة الأمريكية، بقدر ما يهمها الابتزاز المالي للدول الغنية، خاصة للدول النفطية الخليجية، كما أن المواطن الأمريكي خلافاً للمواطن الأوروبي والغربي عموماً لا تهمه قضية الدفاع عن الحريات، بقدر ما تهمه قضية الضرائب والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وغير ذلك من وسائل توفير الرفاهية وبحبوحة العيش له في النظام الرأسمالي الأمريكي، الذي يستمد قدرته في توفير الحاجات المعيشية للسكان ،على عملية النهب الاحتكاري المنظمة التي تقوم بها الشركات الإمبريالية .