طحن الماء

حجم الخط

منذ الانقسام الجيوسياسي الفلسطيني الفوقي الذي تجسد بين قطاع غزة والضفة الغربية صيف عام 2007 وقيادة م.ت.ف برئاسة الرئيس عباس تكرر ذاتها في كل الاجتماعات القيادية العليا والوسطى والدنيا الى درجة بات المتابع للوضع الفلسطيني يشك في أن هذه القيادة تدرك حقيقة المتغيرات الجارية يوميا على الأرض أو أنها في أحسن الأحوال تدركها ولكنها لا تدرك خطورتها على القضية الفلسطينية.

ينطلق الحديث في هذا الموضوع من نهج هذه القيادة بصرف النظر عن مشروعيته أو عدم مشروعيته ، إذ على سبيل المثال لم نفعل هذه القيادة أي شيء بعد خطاب أوباما في القاهرة في بداية حزيران 2009 عام الذي قال فيه ” لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الاسرائيلية... لقد آن الأوان لوقف هذه المستوطنات"، باستثناء وقف المفاوضات والانتظار لجودو من السماء. نعم كان ولا زال مطلوبا ليس فقط وقف المفاوضات، بل أكثر من ذلك وقف أي علاقة مع أبارتايد اسرائيل مهما كانت صغيرة ولكن بالترافق مع تنفيذ خطة عمل تعزز من قوتنا من جهة وتضعف قوة أبارتايد اسرائيل من جهة أخرى. لكن كل ما فعلنا هو ترديد الادانات لأبارتايد اسرائيل بمختلف الكلمات والمصطلحات. كانت النتيجة بخصوص المستعمرين الصهاينة مثلا زيادة عددهم في الضفة الغربية الى حوالي 750 في حزيران 2018 أي بنسبة تزيد عن عام 2009 بحوالي 47% ، ومع ذلك لا زلنا نردد نفس الكلمات والشعارات حتى اللحظة سواء في خطاب الرئيس او في قرارات المجلس المركزي الأخير وذلك دون أي عمل له أثر على الواقع.

وحين ننعم النظر في خطاب الرئيس وقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي وحتى قرارات الحكومة الأخيرة بخصوص القضايا المجتمعية او القضايا التحررية نجدها تملأ عشرات الصفحات لكن فعلها على الارض بالكاد يرى بالعين المجردة. وهنا يستغرب المرء تمام الاستغراب كيف أن المجلس المركزي المعتمد وفق نهج قيادة ابو مازن كمرجعية عليا للشعب الفلسطيني في غياب المجلس الوطني، يمر مر الكرام مثلا عن مشكلة قانون الضمان الاجتماعي دون أن يناقشه مثلا مع المؤسسات والنقابات والمنظمات الأهلية وأطراف هذا القانون بالرغم من المسيرات الجماهيرية العارمة التي خرجت اثناء احتماعات المجلس المركزي رافضة لنصوص هذا القانون رغم أنها تجمع على الموافقة على جوهر موضوع الضمان الاجتماعي. يبدو أن المجلس المركزي ل م.ت.ف تجمد نهجه كما كان قبل 40 عاما عند القضايا السياسية فقط غير مدرك انه اليوم وبعد مخطط اوسلو التدميري بات يعيش في بحر حركة اقتصادية اجتماعية مترايطة بقوة مع الحركة السياسية. قد يقول البعض لكن القضايا المجتمعية لها مرجعياتها متمثلة في الحكومة والمجلس التشريعي ورئيس السلطة وهذا صحيح ولكن الأصح منه أن المجلس المركزي هو المرجعية الأعلى للكل الفلسطيني في غياب المجلس الوطني، وسياسات الحكومة في العوامل الاقتصادية الاجتماعية هي جانب مهم ومهم جدا، في الكل الفلسطيني ومحدد اساسي في المسار السياسي الفلسطيني، وبالتالي تصبح متابعتها ومراجعتها هي من مهام المجلس المركزي خاصة في ظل تغييب المجلس التشريعي من قبل الرئيس عباس. وهذا ينطبق تماما على موضوع الفساد بشتى انواعه، وفوضى الحكم، والاعتقال السياسي، والحريات العامة والتعذيب. فقد ردد المجلس المركزي كلمات الحكومة والأمن الفلسطيني دون أي بحث عن الحقيقة وذلك بالرغم من نشر تقرير مؤسسة هيومان رايتس ووتش الذي أكد على أن أعمال التعذيب والاعتقال السياسي وتقييد حرية التعبير هي نهح متبع من كلا السلطتين في الضفة وغزة. وقد علق أحد أساتذة الجامعات في ندوة سياسية حول التحشيد الحماهيري للخان الأخمر قائلا "لو واصلتم التحشيد الف عام لما استطعتم خلق مقاومة شعبية جماهيرية، ففي الجامعة التي أعمل بها هناك 1500 أستاذا جامعية ترتعد فرائصهم خوفا من السلطة".

وفي القضايا السياسية سواء في الانقسام او في الاستيطان او في القدس او في السيطرة الأمنية الاسرائيلية على كل الضفة، أو في حق الدولة والعودة يلاحط المراقب أن ما نسمعه أو نقرأه من قرارات ليس سوى كلاماً مكروراً بات المواطن يمحه، فمثلا تم ترك جمع اللاجئين في الخارج بدون متابعة حقيقيه ،وفي القدس تبلغ تكلفة ترخيص بناء بيت خوالي 50 الف دولار والناس هناك يئنون ولا من مغيث أو مجيب ونقول القدس عاصمتنا الخالدة!!!!

أما بخصوص المقاطعة التي اعتمدها المجلس المركزي فحدث بلا حرج فمعظم القيادات بطريقة أو بأخرى تطبع مع العدو الصهيوني، والأنكى مهزلة لجنة التواصل التي تتعامل مع أبارتايد اسرائيل بالف شكل وشكل بحجة الحوار وكأن شعبنا في فلسطين المحتلة 48 ليس لديه القيادات الفكرية والثقافية القادرة على الحوار ، وهذا ينطبق تماما على لقاءات الرئيس مع القيادات الاسرائيلية ليل نهار.

أما ثالثة الأثافي فهي في قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني وبفك الارتباط مع الاقتصاد الاسرائيلي، فقرار وقف التنسيق الأمني اتخذ منذ 3 سنوات ومع ذلك استمر حتى تاريخه!!! اما فك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي فهو نكتة آخر زمن !!! ذلك أن الشعب تحت الاحتلال، أقصى قدراته علميا هي مقاطعة السلع التي لها بديل وطني او صديق، ما عدا ذلك نجد ان كل شيء تحت سيطرة الاحتلال، من المفيد أن نتذكر في أحداث النفق حين سأل صحفي مسؤولا اسرائيليا عن امكانية قطع الكهرباء أجابه لدينا عشرات الخيارات قبل أن نصل الى سؤالك وكان يعني أن الاحتلال يملك وسائل متعددة للضغط الاقتصادي على الفلسطينيين غير الكهرباء التي بالفعل كان يقطعها أحيانا قي الانتفاضة الثانية عن بعض المواقع ، ومع ذلك لا زلنا نسمع شعار فك الارتباط مع الاقتصاد الاسرائيلي !!!

وأخيرا لا بد من الحديث عن المصالحة وانهاء الانقسام وفي هذا الخصوص يلاحظ العبثية في معالجة الانقسام، ذلك أن جميع الحوارات تتم بين قيادتي فتح وحماس فكأن القضية هي عبارة عن تقسيم كعكة بين الاثنين وفي عام 2005 تم تشكيل الاطار القيادي المؤقت ل م.ت.ف ( لجنة تفعيل م.ت.ف) أي قبل الانقسام تمهيدا لدخول الحركات الاسلامية في م.ت.ف ،و قد تم التأكيد عليه عام 2011، ولكنه لم تجتمع الا اجتماعا يتيما. لقد مضى على الانقسام او فن المصالحة اكثر من 11 سنة ولم يتم التقدم في علاجها قيد انملة في حين استغرق اتفاق اوسلو مع العدو الصهيوني اقل من هذه المدة في حين غيرت خماس ميثاقها خلال مدة 10 سنوات من الانقسام، فأي عبثية هذه التي تلعب بمقدرات ومستقبل القضية الفلسطينية!!!

باختصار شديد قيادتي الحكمين في الضفة وغزة تطحنان الماء  في الصغيرة والكبيرة، وطجن الماء لا ينتج الا ماء ولكن ملوثا.     

أكاديمي ومستشار اقتصادي قانوني