الإحتلال يتعمق مأزقه

حجم الخط


نتنياهو الذي بدا كالثور الهائج ....واضح انه أصبح ثوراً جريحاً يتعمق نزفه ومأزقه،كلما حاول ان يرمم قوة الردع الإسرائيلية ...يمارس "الببروغندا" بشكل كبير ويعرف كيف يخلط السياسة بالأمن وكيف يبحث عن الشعبية في ظل الأزمات ...فعندما استقال وزير جيشه ليبرمان من الحكومة وانسحب حزبه منها متهماً اياه بالخنوع والإستسلام أمام حماس والمقاومة الفلسطينية وبالتسبب بتآكل قوة الردع الإسرائيلية،ومن ثم تهديدات زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت بالإستقالة وانسحاب حزبه من الحكومة اذا لم يمنح وزارة الجيش ...استخدم نتنياهو "الببروغندا" ببراعة عالية،حيث ركز على ان اسرائيل في حرب مستمرة وفي الحرب لا يجري تغيير الحكومات،وتحدث عن مجده الشخصي هو وشقيقهنودورهم في الدفاع عن امن " إسرائيل"،وكذلك عن أن هناك شيء كبير سيحدث قريباً على شكل معركة او حرب وسيسقط فيها ضحايا ...وبأن الأمن فوق السياسة والبحث عن الشعبية،وبالتالي استطاع ان ينقذ حكومته من الإنهيار والذهاب الى انتخابات مبكرة ....واعداً بترميم قوة الردع الإسرائيلية والعمل على هدم قرية الخان الحمر والشروع في عمليات هدم للمنازل الفلسطينية في القدس وكذلك منفذي العمليات من شهداء وجرحى وأسرى فلسطينيين.....لم يقم نتنياهو بتنفيذ ما وعد به وخاف ان تعلو نبرة الإحتجاجات والإنتقادات له،وشعر بأن مستقبله السياسي في مهب الريح،وخاصة بعد توصية الشرطة بتقديم توصية لمحاكمته بتهم الإحتيال والرشوة وانتهاك الثقة...ولكي يستبق توصية المدعي العام بتقديم لائحة اتهام له ولزوجته سارة،وتلك اللائحة التي قد تؤدي الى سجنه كسلفه اولمرت عدة سنوات في السجن وتقضي على مستقبله السياسي،جعلته يمارس "الببروغندا" مرة ثانية فلربما ذلك يحرف الأنظار عن فضائحه وازماته الداخلية... ولكن جاءت التطورات لتثبت بان ما قام به من أفعال وإستنفارات وحشودات عسكرية وتهديدات واعتداءات مثل الهجمة الصاروخية الأخيرة التي استهدفت مواقع سورية في منطقة الكسوة جنوب العاصمة دمشق،تحت مسمى استهداف مخازن ومواقع عسكرية لحزب الله وايران،لتثبت بأن الدفاعات الجوية السورية،حتى بدون صواريخ ( اس 300 ) قد استعادت فاعليتها وقدراتها التكنولوجية،وتسقط كل صواريخ نتنياهو وتمنعها من الوصول الى اهدافها،وبالمناسبة نتنياهو لم يستخدم الطائرات في عدوانه،لأن تسلم الدفاع الجوي الروسي لصواريخ (اس 300)،اغلق المجال الجوي في وجهه ووجه طائراته ...ولذلك جاءت ما يسمى بعملية او حملة "درع الشمال" لكشف وتدمير وتحييد انفاق حزب الله العابرة للحدود،والتي استبقها "ببروغندا" كبيرة اعلامية وسياسية وعسكرية ....حيث طار الى بروكسل للقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الاثنين 3/12/ 2018على هامش اجتماعات حلف "الناتو" وبما يوحي بأن ذلك يشكل تنسيقاً واخذ اذنٍ امريكي لشن حرب على حزب الله اللبناني،وضمان دعم ومساندة ومشاركة امريكا فيها الى جانب اسرائيل... ولكن اتضح من خلال تلك الزيارة التي رافقا هالة كبيرة من التغطية الإعلامية والتحليلات الصحفية والتوقعات،بأن الهدف هو تفعيل الساعة " السياسية"،عبر توجيه رسائل للحكومة اللبنانية عبر القناتين الأمريكية والفرنسية بمنع اقامة مصانع صواريخ على أراضيها لإيران،تخص حزب الله،وخاصة في ظل تطور منظومة صواريخ حزب الله ودقتها ،وانه اذا لم تقم الحكومة اللبنانية بمنع ذلك،فإن ذلك سيجعل اسرائيل تتصرف عسكرياً لإزالة هذا الصواريخ التي تهدد امنها ووجودها،وكذلك الخوف الذي يعتري نتنياهو وإسرائيل،من نقل حزب الله لجزء كبير من قواته من سوريا الى لبنان،بعد إستعادة سوريا لأجزاء كبيرة من جغرافيتها التي كانت تحتلها الجماعات الإرهابية ...وليجد نتنياهو نفسه بانه عاجز عن تنفيذ حرب على لبنان وحزب الله،فالنتائج المترتبة على مثل هكذا حرب،ليس فقط الثمن الباهظ عسكرياً ومادياً واقتصادياً،بل انهيار وتفكك الجبهة الداخلية الإسرائيلية المتعودة على الحروب الخاطفة،ونقل المعركة الى أرض العدو،ولكن ان تتلقى عشرات الآلاف الصواريخ واقتحام المستوطنات والإستيلاء عليها فهذا كابوس كبير،وقد يدفع نحو هجرة إسرائيلية كبيرة الى خارج فلسطين. ...وإزاء ذلك وجد نتنياهو وايزنكوت الراحل من رئاسة الأركان هذا العام،انه لا بد من خطوة او عملية كبيرة،يثار حولها صخب اعلامي وتحشد لها القوات براً وبحراً وجواً ويستدعى لها الإحتياط بشكل جزئي،وتعلن المناطق الحدودية الشمالية الملاصقة للسياج الأمني مع لبنان مناطق عسكرية،يمنع السكان من الإقتراب منها،وتستدعى رافعات وحفارات عمالقة ...وليجري وضع المزيد من العوائق الصخرية وتجريف الأراضي والقيام بعمليات حفر من اجل الكشف عن انفاق حزب الله العابرة للحدود وتدميرها ...وتلك الحملة التي كما يقول المأثور الشعبي" تمخض الجبل فولد فأراً" ،وجدنا انها تتمخض عن فئير صغير،حيث لم تنجح وحسب الإدعاءات الإسرائيلية سوى عن كشف نفق يمتد من قرية كفر كلا في الجنوب اللبناني الى داخل حدود فلسطين التاريخية بطول 200 متر،وهو لا يشكل خطر جدي وداهم،وقالت إسرائيل بأن الهدف من هذا النفق هو السيطرة على شارع رقم 90،وبالتالي فصل مستوطنة المطلة،والشروع في " إحتلال" قرى وبلدات من أراضي ال 48 الفلسطينية .
ولتنطلق بعد ذلك حملة تندر كبيرة على نتنياهو في الإعلام،واصفة هذه الحملة بانها حملة نتنياهو وليست حملة "درع الشمال"،فنتنياهو يعاني مازق وازمات داخلية وخارجية كبيرة، قضائية بسبب مسلسل فضائحه بالرشوة والإحتيال وانتهاك الثقة وسياسية وفشل عسكري،وخارجية اغلاق الأجواء السورية أمام طائراته وفشل العقوبات الأمريكية على طهران،وعدم القدرة على شن حرب على حزب الله اللبناني،وذلك وجد نتنياهو نفسه أمام خيارين أحلهما مر،اما شن حرب على حزب الله لتدمير مخازن ومصانع الأسلحة والصواريخ المتطورة،ورد حزب الله الذي قد يتسبب،ليس فقط بخسائر كبيرة بشرياً ومادياً واقتصادياً،بل وربما الى إنهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية،والخيار الأخر هو مواصلة الضغوط السياسية على ايران وحزب الله والحكومة اللبنانية،من اجل منع إقامة مصانع للصواريخ الدقيقة الإيرانية على الأراضي اللبنانية،وهذه الصفقة ستكون مكلفة،ربما تلزم اسرائيل بالإنسحاب من الجولان السوري المحتل،ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران.

ولذلك وجدنا نتنياهو يحاول اللجوء للخيار الثاني،لكون الخيار الأول مكلف بشرياً وعسكرياً واقتصادياً ومادياً،ويعتقد بان الخيار الأول فيه مجال كبير للمناورة والتهرب من دفع الإستحقاقات،ومن خلال سياسة الببروغندا والتحريض التي يمارسها على حزب الله،حيث وجدنا انه جمع سفراء الدول الغربية والأوروبية لكي يطلعهم على النفق الذي حفره حزب الله،والذي يشكل خرقاً لما يسميه بوقف إطلاق النار والقرار 1701،في حين هو وجيشه وطائراته قاموا بمئات الإختراقات للحدود والأجواء اللبنانية،واستخدموها لشن غارات على سوريا،وهو يريد من دولهم وحكوماتهم إدانة حزب الله وتشديد العقوبات عليه وعلى طهران وسوريا، الاحتلال يشعر برغم عدم وجود جيوش عربية محيطة بدولة الاحتلال،بأن قوى وحركات المقاومة جنوباً وشمالاً وربما شرقاً مع فتح جبهة الجولان من قبل حزب الله والحرس الثوري الإيراني وقوات المقاومة الشعبية السورية،تشكل خطراً وجودياً على دولة الاحتلال...ومازق الاحتلال يكبر ويتعاظم،رغم وجود حالة عربية منهارة بشكل غير مسبوق،حيث نشهد " تسونامي" تطبيعي خليجي عربي- إسرائيلي على وجه التحديد.
أزمة الإحتلال وأزمة نتنياهو ،هي جزء من أزمة المحور الأمريكي- السعودي وقياداته،ولذلك في ضوء المعادلات والتطورات العربية والإقليمية والدولية، فإن أزمة الاحتلال ذاهبة نحو التعمق.