مأساة اتفاق أوسلو وآثاره الكارثية

حجم الخط

لقد شكل توقيع اتفاق إعلان المباديء (اوسلو) في 13/9/1993، وتبادل الاعتراف ما بين القيادة المهيمنة في م.ت.ف والكيان الصهيوني نقطة الانعطاف النوعية في نضالنا الوطني المعاصر، نقطة انعطاف بمعنى أن لها مقدماتها ولها تفاعلاتها، ونتائجها الكارثية اللاحقة والمستقبلية.

ذلك إن هذا الاتفاق شكل اختراقاً استراتيجياً لجبهة الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والعربي- الصهيوني، وخطورته تتميز بأبعاد نوعية لم تصل إليها اتفاقات كامب ديفيد، الأمر الذي يمكن معه القول بأن المرحلة الراهنة هي أخطر مرحلة يواجهها النضال الوطني الفلسطيني منذ الغزوة الصهيونية لفلسطين، ذلك لأن القضية الوطنية والنضال الوطني طيلة العقود السابقة وبرغم كل الهزائم والانكسارات لم يصل إلى المستوى الذي تجرؤ فيه أي قيادة فلسطينية على التسليم والاعتراف بحق الحركة الصهيونية والاحتلال الصهيوني بالوجود الشرعي على أرض فلسطين، علاوة على أن الأوضاع والمتغيرات السياسية التي تلت أوسلو باعتباره مرحلة انتقاليه حولته الى نص دائم، ولا يستخدمه العدو إلا لمزيد من خلق الوقائع وتقادم الأمر الواقع ، كي تتحول المرحلية إلى نهائية في الأذهان، وتصبح الأجزاء المرحلية هي إنجازات موهومه لدى أصحاب هذا الخيار.

والأهم من كل هذا أن العدو بات في موقع إعادة رسم معالم الصراع ، بإيجاد الحل النهائي له وفق رؤيته المستنده إلى الدعم الامبريالي الأمريكي طوال السبعة عقود الماضية ، والذي بات متماهياً مع أهداف الحركة الصهيونية في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب بصورة خاصة، حيث باتت دولة العدو الصهيوني أكثر عنصرية وعدوانية عبر سعيها لفرض الحل الصهيوني في إقامة الدولة الصهيونية على كامل الأرض الفلسطينية ، واعتبار التجمعات الفلسطينية في الضفة مجرد كانتونات أو حكم محلي معزول أو حكم ذاتي شكلاني موسع يمكن أن يطلق عليه صفة "دولة"، من وجهة النظر الصهيونية والأمريكية.

 

اتفاق أوسلو كارثة لم تتوقف آثاره وسيرورته حتى اللحظة:

كان اتفاق أوسلو ، أو إعلان المبادئ للحكم الذاتي والإداري بتاريخ13/9/1993 لحظة انعطاف مثلت مجموعة من المخاطر التي ينطوي عليها الاتفاق ، والأضرار الجسيمة التي يلحقها بنضال شعبنا وقضيتنا الوطنية فهو يعني :

  1. "التخلي الفعلي عن برنامج م.ت.ف في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، واستبداله ببرنامج آخر يهبط إلى ما دون مستوى مشروع الحكم الذاتي، لم يتوقف ذلك الهبوط عند هذا الحد، حيث أن سلطة الحكم الذاتي ، تفككت إلى سلطتين وهميتين غير شرعيتين ، بفعل وتأثير الانقسام الكارثي.
  2. أرسى المقدمات المادية والسياسية لتصفية م.ت.ف كميثاق وهوية وطنية كفاحية.
  3. أعطى وشرع للكيان الصهيوني ما يشاء وذلك من خلال :
  • استمرار الاحتلال العسكري الصهيوني ، ففي بنود الاتفاقية لم يرد لفظ الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، ولم تذكر الأراضي المحتلة كذلك.

فقد تجزأت الأرض الفلسطينية إلى ثلاث مناطق وهي A.B.C، السلطة الفلسطينية تملك إدارة المناطق A وهي عبارة عن الكتل العمرانية المدنية التي لا تتجاوز مساحتها 5% من مساحة الضفة الغربية، أما المناطق B وهي عبارة عن القرى والارياف وتبلغ مساحتها 35% من مساحة الضفة أعطيت السلطة إدارتها الخدماتية بينما سيطر عليها الاحتلال أمنيا، والمناطق C هي بالكامل تحت سيطرة الاحتلال وتمثل 60% من مساحة الضفة الغربية.

  • تثبيت واستمرار الاستيطان ، والجدار العنصري العازل، تأكيداً على الطابع الكولونيالي للاحتلال الصهيوني.
  • الإقرار للاحتلال بالتحكم بالأمن الداخلي والخارجي (حدوداً ومعابر).
  • استمرار سيطرة الاحتلال ونهبه للثروات الطبيعية وخاصة المياه.
  1. سعى لتمزيق وحدة الأرض والشعب الفلسطيني، وذلك بالقفز عن موضوع القدس، وبقاء المستوطنات وتقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 إلى وحدات منفصلة، مع عدم وجود أي ضمانة للحل النهائي.
  2. حول نقل الصلاحيات، يتضمن الاتفاق نصاً من أخطر النقاط حيث يشير إلى أن نقل الصلاحيات يتم من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي وإدارته المدنية إلى الفلسطينيين وهذا يشكل اعترافاً مباشراً بأن الحكم العسكري وقوانينه يمثل مصدراً للسلطات بالنسبة لسلطة الحكم الذاتي.
  3. من خلال ما ورد في الملاحق الأمنية حول استبدال أداة القمع الصهيونية بأداة فلسطينية (الشرطة) يأتي في جدول مهامها حماية الاحتلال ومستوطنيه وقمع القوى المناهضة للاتفاق أو الساعية لمواصلة الكفاح من أجل الحقوق الوطنية.
  4. أن هذا الاتفاق فتح الباب على مصراعيه أمام إمكانية فرض التوطين على جماهير الشتات ومخيمات الوطن المحتل وبالتالي فهو يسقط حق العودة المطلق الذي نص عليه قرار 194 الدولي.
  5. الاعتراف بالكيان الصهيوني وبحقه في الوجود بصورة نهائية مقابل اعترافه الهزيل بـ م.ت.ف "كممثل للشعب الفلسطيني وكشريك في المفاوضات.
  6. وجه الاتفاق ضربة مباشرة لقرارات المؤسسات الشرعية الدولية والتي كانت تشكل سلاحاً في ظل الوضع القائم ، إذ جرى استبدال هذه القرارات بمرجعية إعلان المبادئ الذي وقع عليه في أوسلو وواشنطن وبما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والصهيوني.
  7. ربط الاقتصاد الوطني الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني، وذلك من خلال الشروط الاقتصادية للاتفاق كما وردت في بروتوكول باريس، جاءت تكريساً للأمر الواقع الذي فرضته دولة العدو. فعلى صعيد قطاعات الإنتاج الحقيقي، كرّست "إسرائيل" سيطرتها على مدخلات الإنتاج الزراعي الأساسية، الأرض والمياه، وأحكمت السيطرة على أخصب الأراضي الزراعية والحوض المائي بالضفة الغربية.
  8. وجه الاتفاق ضربة شديدة للمشروع القومي العربي، وأساء للشعب الفلسطيني ولدوره في النضال القومي العربي بشكل عام .

 

بناءً على ما تقدم، فإن مأساة اتفاق أوسلو لا تعود إلى حدث بعينه، إنها في الواقع حصيلة تاريخية لما سبقها من مراحل، بل يمكن القول إنها حصيلة الهزائم المتراكمة عربياً وفلسطينياً، ولا أقصد بالهزائم فقط الانهزام العسكري أمام إسرائيل، بل أيضاً – وهذا هو الأهم – عناصرها الذاتية، أي الداخلية، بمعنى عجزنا عن تركيم وتأمين مقدمات الانتصار السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وعجزنا عن انطلاق فاعلية المجتمع العربي في كل الدول، وإبقاؤه تحت رحمة الاستلاب والخضوع والاستبداد ، فكيف يمكن تصور أن ينجح شعبنا في الانتصار على عدونا الصهيوني ، ما دام محروماً من حريته الداخلية، وإلى جانب أوضاع التخلف الاجتماعي والاقتصادي، وضعف وتفكك قواه الوطنية، هنا تكمن مرجعية أوسلو وغيره من المحطات الرئيسية في مسيرة شعبنا وصولاً إلى لحظة الانقسام الممتد حتى اللحظة ، باعتباره نتاجاً – ضمن عوامل أخرى- لأوضاع التفكك والتفرد والهبوط والاستبداد.

 

كارثة أوسلو والحلول الصهيونية:

المساومات السياسية التي تلت أوسلو باعتباره انتقالي حولته الى نص دائم وانتقائي ، ولم يستخدمه العدو إلا لمزيد من خلق الوقائع وتقادم الأمر الواقع ، كي تتحول المرحلية إلى نهائية في الأذهان، وتصبح الأجزاء المرحلية هي انجازات موهومه لدى أصحاب هذا الخيار. والاهم من كل هذا ان العدو بات في موقع إعادة رسم معالم الصراع ، بإيجاد الحل النهائي له وفق رؤيته .. بانتوستانات ومعازل وجدار ومستوطنات على كل الأرض الفلسطينية التاريخية، كما هو حالنا اليوم في ظل تهافت النظام العربي للتطبيع والاعتراف بالدولة الصهيونية.

الحل الصهيوني إذن ، هو الدولة الصهيونية على كامل الأرض الفلسطينية، تكون الكانتونات الفلسطينية في التجمعات الكبرى عبارة عن حكم محلي معزول أو حكم ذاتي شكلاني موسع يمكن أن يطلق عليه صفة "دولة" ، ولكن لا حق وطني جامع له ، بل كانتونات يتم تغذيتها بمخدر اغاثيعبر منظماتNGO.s تحت مسمى "التنمية المستدامة والجندر والحكم الصالح والاغاثات الزراعية والصحية" ، وما أطلق عليه البنك الدولي والولايات المتحدة وحكومات العدو الإسرائيلي بالسلامالاقتصادي، حيث يتحول البحث عن الغذاء كغاية، وعن غاية البقاء الإنساني عند اللاجئين في مخيمات المنافي وبإعادة تأهيلها وليس عودتهم .

وبالتالي فإن تأثير اتفاق أوسلو للعام 1993 يتجاوز حدود العلاقة الصراعية بين الشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني فوق وطنه، ليطال مجمل النظام والحقل السياسيين ناهيك عن البنية الاجتماعية الفلسطينية على تنوع مركباتها وتجلياتها.

إن من البداهة بمكان أن نتائج أوسلو وآثاره، طالت الحقل والنظام السياسيين وتركيبتيهما، وطالت بتأثيراتها أيضاً الهوية الفلسطينية باتجاه تفككها كما هو الحال في ظل الانقسام وبروز ما يسمى بـ"الهوية الاسلامية" بديلاً للهوية الوطنية الجامعة من ناحية ولمنظمة التحرير من ناحية ثانية.

إن السمة السياسية الأبرز بعد 25 عاماً على اتفاق أوسلو تتجلى في ضعف م.ت.ف لصالح السلطة الفلسطينية. فقد تم استبدال المنظمة بالسلطة برنامجياً وسياسياً وتنظيمياً، بغض النظر عن الخطاب الإعلامي السائد للسلطة، وعليه فقد تهمش دور المنظمة بتهميش القاسم المشترك البرنامجي الذي جمعها كائتلاف منذ العام 1964، وهُمش بالتالي المكون الأساس للهوية الوطنية: التعبير السياسي/ الكياني.

كما تحددت السمة الرئيسية للنظام السياسي بعد أوسلو بحقيقة تبهيت دور مؤسسة المنظمة الفعلية، وبالمقابل العجز عن بناء نظام سياسي وطني ديمقراطي على أنقاض الاحتلال، بل بناء نظام سلطة، يخضع بالنهاية، للسيادة الاحتلالية الشاملة، مكبل بثقل الاتفاقات ومعدوم السيادة تُطرح شرعيته على طاولة النقاش، علاوة على انتشار مظاهر الفساد والاستبداد التي عززت كل الفرص امام الصراع الدموي بين فتح وحماس ومن ثم نضوج مقومات وعوامل الانقسام الكارثي الممتد منذ 11 عاماً حتى اللحظة الراهنة.

اتفاق أوسلو إذاً، أسس لواقع جعل التسوية غير قابلة للفشل من خلال قدرته على إنتاج اتفاقات جديدة تدور في فلكه ،هي أكثر سوءا منه، فمن أوسلو إلى اتفاق القاهرة 10/2/94 الخاص بالتدابير الأمنية والمعابر، ومنه إلى اتفاق الخليل 31/3/94 الذي جاء بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي، ونص على مرابطة مراقبين دوليين في مدينة الخليل، وإجراءات تنظيم دخول الشرطة الفلسطينية إلى غزة وأريحا ،وبعد ذلك جاء اتفاق القاهرة التنفيذي لاتفاق أوسلو 4/5/94 ، اتفاق واي بلانتيشن 23/10/98 ما بين الرئيس الراحل أبو عمار ورئيس وزراء حكومة العدو "نتنياهو" بحضور الرئيس كلنتون ،وهي اتفاقية أمنية في غالبيتها فرضت على الجانب الفلسطيني شروطا مجحفة ، وفي الرابع من سبتمبر 1999 في مدينة شرم الشيخ المصرية ما بين الراحل أبو عمار و"باراك" بحضور الرئيس مبارك والملك عبد الله ملك الأردن ووزيرة خارجية أمريكا مادلين اولبرايت ، تم فيها التوقيع على مذكرة شرم الشيخ (واي ريفر) ثم مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي انطلقت في العشرين من يوليو 2000 ثم في شرم الشيخ وطابا حيث وصلت إلى طريق مسدود ثم تفجرت الأوضاع مع وصول شارون للحكم، حتى خطة خارطة الطريق 2002 والانسحاب أحادي الجانب من غزة 2005 ، وصولاً إلى الانقسام الكارثي في ظل الاحتلال حزيران 2007، كل هذه المحطات والمتغيرات ذات صلة باتفاقية أوسلو وسلطتها من حيث الحفاظ عليها أو الصراع من اجلها، وأخيراً جاء الاعتراف الأمريكي ب القدس عاصمة للكيان الصهيوني تتويجاً ليس لاتفاق أوسلو فحسب، بل أيضاً تتويجاً للضعف والانقسام الفلسطيني من ناحية وتفاقم حالة الخضوع والاستسلام العربي من ناحية ثانية .

 

إلا أن اللهاث وراء أوهام أوسلو قاد شعبنا إلى النتائج الكارثية التي يعيشها اليوم، التي تراكمت وتشابكت وتكررت بصور ممسوخة دون جدوى في مسار المفاوضات العبثية المبتذلة أوصلت معظم أبناء شعبنا إلى حالة من الاقتناع بان شعار الدولتين وفق أوسلو والرؤية الإسرائيليةالأمريكية مدخل كاذب لحل كاذب ، خاصة لحق العودة والسيادة على الأرض والموارد .

في ضوء ما تقدم، من قيود ونصوص اتفاق أوسلو ، نتفق جميعاً على أنه بعد مرور 25 عاماً على أوسلو، لم نحقق الاستقلال والدولة، بل تراجعنا أكثر إلى الوراء ، وجاء الانقسام في حزيران 2007 ليكرس هذه الحالة العميقة من التراجع الوطني والسياسي والاجتماعي في ظروف بات فيها العديد من بلدان الوطني العربي تمر بمرحلة من الصراعات الطائفية والفوضى العارمة، بحيث بات العالم العربي اليوم فاقداً لأي وزن سياسي مؤثر ليشد أزر الفلسطينيين ويقوّي موقعهم في مواجهة إسرائيل.

ففي ظل استمرار تراجع القوى الوطنية الفلسطينية والعربية (بمختلف الوانها واطيافها) ، وفي ظل استمرار الانقسام والصراع على المصالح الفئوية بين فتح وحماس في ظروف دولية وعربية واقليمية أفقدت الفلسطينيين بوصلتهم وقدرتهم على فرض رؤيتهم وقرارهم الوطني من اجل الحرية والاستقلال والعودة ، ومن ثم تكرست الهيمنة الخارجية على راهن القضية الفلسطينية لإفراغها من مضامينها واهدافها النضالية التحررية ، تلك الهيمنة يتزعمها اليوم التحالف الامريكي الصهيوني والقوى الاقليمية خاصة تركيا ، الى جانب معظم بلدان النظام العربي الرسمي ودعوته الصريحة للاعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني.

ففي مثل هذه الحالة من الانحطاط والخضوع العربي الرسمي للمخططات الامبريالية الصهيونية، يبدو ان عنوان المرحلة الراهنة هو : الانتقال من التسوية الى التصفية للقضية الفلسطينية وفق مشرات خطة "ترامب".

إن هذا الوضع الكارثي الذي يحيق بقضيتنا الوطنية وبمجمل الاهداف التي ضحى مئات الالاف من ابناء شعبنا من اجلها ، يفرض إعادة نظر جذرية بالنسبة لطبيعة القوى الدولية والعربية التي أوصلتنا إلى هذه المأزق الراهن الذي يؤشر بوضوح على المآل الذي وصلته قضيتنا الوطنية، الذي يتلخص في وهم الحصول على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما الدولة الصهيونية تسرق الزمن من أجل فرض شروطها في ظل المأزق الفلسطيني الراهن.... دون الغاء وتجاوز الحديث او التخطيط لإقامة دويلة ممسوخة في قطاع غزة تكرس وتعمق الانقسام وتفكك مشروعنا الوطني.

م.ت.ف والنتائج الكارثية لاتفاق أوسلو:

ان التحولات والمتغيرات التي تعرضت لها م.ت.ف، منذ مرحلة ما بعد أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية منذ منتصف عام 1994 إلى يومنا هذا، قد أدت إلى تبهيت واضعاف دورها كفكرة مركزية توحيدية في الذهنية الفلسطينية عموماً وفي أذهان الشباب خصوصاً، ولذا فان من حق الجيل الشاب من أبناء شعبنا الذي تتجاوز نسبته اليوم حوالي 55% من مجموع الفلسطينيين في الوطن والشتات، أن يتساءل عن ماهية المنظمة ودورها ومكانتها كوطن معنوي أو كإطار جامع لوحدة شعبنا، ومن حقه أيضا ان يسأل عن قيمة ومغزى الإصلاح الهيكلي للمنظمة، سواء بالنسبة لإعادة تشكيل المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية وكافة المؤسسات الأخرى إذا لم تستطع استعادة دورها أو وظيفتها الأساسية الأولى التي أنشئت أصلاً من أجلها ، لتكون بالفعل إطاراً جامعاً لكافة القوى الوطنية المناضلة من أجل تحقيق وبلورة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، كحل مرحلي.

استنادا إلى ذلك وعلى الرغم من أوضاع الهبوط السياسي لقيادة م.ت.ف ، ورفضها دعوة الإطار القيادي لكافة القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية لإعادة بناء م.ت.ف، فان خيارنا كفلسطينيين يقوم على أساس أن المنظمة، وبالرغم من كل ما لحق بها، لا تزال تمثل شعبياً وقانونياً ووطنياً إطاراً جمعياً، ومُعَبِّراً معنوياً وكيانياً عن وحدة الشعب الفلسطيني، لان شعبنا لم يحقق استقلاله وسيادته بعد، فان الحفاظ على المنظمة يعتبر ضرورة ومصلحة وطنية عليا تستدعي ايلائها الأهمية التي تستحق الارتقاء إلى ما تفرضه من مهام ومسؤوليات، وجعل هذه المسألة قضية وطنية عامة أو فكرة توحيدية مركزية يجري التحشيد والتأطير على نطاق شعبي واسع من اجل الالتفاف حولها وتطويرها وشطب كافة الاتفاقات المعقودة مع دولة العدو الإسرائيلي باسمها ، حيث بات اليوم أضر مما في أي وقت ماضي تأييد الصيغة المكرسة: "م.ت.ف.، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ارتباطاً بتلك الاتفاقات وخاصة اعترافها بالدولة الصهيونية، إذ إن هذه الصيغة لا علاقة لها بنضالات وتضحيات شعبنا طوال المئة عام المنصرمة من ناحية ، ولا تعبر بالمطلق عن أماني ومصالح شعبنا من ناحية ثانية .

الأمر الذي يتطلب المصداقية الوطنية العالية التي تسموا على كل النزعات الفئوية الحزبية على طريق انهاء الانقسام ودفنه إلى الأبد واستعادة وحدتنا الوطنية التعددية ونظامنا السياسي الوطني والديمقراطي لمواصلة النضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس كحل مرحلي لا يلغي حقوق شعبنا التاريخية في أرض وطنه فلسطين، وبالتالي مواصلة النضال في إطار الصراع العربي الصهيوني، حتى تحقيق الأهداف الكبرى في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها.

لذلك فإن استعادة هدف الصراع والحل التاريخي ، في النضال من اجل إقامة دولة فلسطينالديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية وإدماجها في المجتمع العربي الديمقراطي الموحد ، هي عملية استعادة لأصل الصراع ، لكن لا ينبغي علينا استسهال الأمر ، فهي ليست عملية ارتجالية ولا ميدانا للمزايدات ، انه تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ، وثورة في الالتحام بالجماهير ، وثورة في التوسع التنظيمي وأساليب النضال الكفاحية والديمقراطية ، حيث ستفرض هذه الأهداف نفسها علينا كتحدي تاريخي ، كي نكون بمستوى التحدي والإدراك العميق لآليات التاريخ ونطابق بنانا الفكرية والعملية والعلمية معها، ونصبح بمستوى الغاية الحقيقية المحركة للطاقات والخبرات والضمائر ، وبأننا بمستوى وطن ننتمي إليه ونستحقه ونحن واعون لما نفعل ، بوعي وإرادة .

وبالتالي يجب الانطلاق من رؤية إستراتيجية تقوم على أن الدولة الصهيونية هي جزء من المشروع الامبريالي، وليست كما يزعم البعض أنها "دولة اليهود" او "أرضاً للميعاد" فهذه كلها كذبة كبرى استخدمت غطاء لأهداف النظام الرأسمالي، الأمر الذي تثبته وتؤكد عليه حقائق الصراع مع دولة العدو الإسرائيلي المعنية بالإسهام في الهيمنة على الوطن العربي كونها دولة أنشئت لتحقق وظيفة محددة في خدمة رأس المال الامبريالي، ما يعني بوعي وبوضوح التأكيد على إنهاء المشروع الصهيوني، عبر هزيمة المشروع الامبريالي في الوطن العربي من ناحية والتأكيد على ضرورة التغيير في الوضع العربي لإنهاء النظم التابعة كلها من ناحية ثانية، انطلاقا من ان المعركة مع المشروع الامبريالي/ الصهيوني هي في صميم معركة القوى الماركسية والتقدمية العربية ضد النظام الرأسمالي، ما يفرض عليها أن تبدأ جدياً في عملية اعادة البناء الذاتي – الحزب- فكرياً وتنظيمياً وسياسياً، بما يمكنها من لعب دورها المستقبلي الفعال، حيث يقع عليها عبء إعادة النظر في الرؤية والممارسة، إلى جانب إسهامها في دعم قدرات شعبنا الفلسطيني، في إطار علاقة متلاحمة مع كل القوى اليسارية والتقدمية الديمقراطية العربية في إطار الأممي الإنساني الأشمل.