الشيوعي اللبناني يدعو لتصعيد المواجهة وفي كل الاتجاهات

حجم الخط

لا يكفي اللبنانيين التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي غير المسبوق والناتج عن سياسات الحكم، ولا التعثّر المتمادي في عملية التأليف الحكومي بسبب تباين المصالح التحاصصية الخاصة والفوقية بين أطراف السلطة. بل هم وجدوا أنفسهم مؤخرا محاصرين بتوتّرات وسجالات تتصلبظروف انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت في نهاية الاسبوع، وسط تراشق هذه الأطراف لخطاب سياسي مشحون بعصبيات ضيّقة يتجاهل المخاطر الفعلية التي تحيط بالبلد ويمعن في تكريس الانقسام الطائفي والمذهبي في زيادة منسوب الاستنفار الأهلي الذي وصلت مستوياته إلىحدّ التهديدات المباشرة واستحضار لغة الحرب الأهلية وممارساتها. وبالتزامن مع هذا الوضع المعقّد، برزت على الساحة الوطنية ثلاثة مشاهد تستوجب التوقف:

الأول، هو "الإنزال" المفاجئ الذي نفذّه على المسؤولين اللبنانيين وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، والذي أعلن البيان التحريضي للسفارة الأميركية في بيروت، والبيان الذي تلاه من أمام السرايا الحكومية عن أهدافه بشكل فاقع وصريح، مع ما تضمنه من تدخل سافر – عبر التهديدات المباشرة والإملاءات - في الشؤون الداخلية اللبنانية. مع الاشارة إلى أن هذا الانزال ليس معزولا، بل يندرج ضمن تحرّك أميركي راهن يهدف - بالتعاون مع اسرائيل - إلى إعادة تجميع صفوف حلفاء أميركا في المنطقة.

الثاني، هو الاجتماع العاجل لأركان الدولة "واقتصادها" في القصر الجمهوري للتباحث في الوضع المالي، بحضور رئيس جمعية المصارف في لبنان والذي يدعو إلى الكثير من التساؤل حول الصفة والسبب، والبيان الذي صدر عنه، وعلى لسان وزير المال، والذي يتناقض كلياً مع ما كان يُشاع  منذ بضعة أيام حول مسألة الدين العام وإعادة النظر في هيكلته، وعلى لسان الوزير نفسه. وقد عبّر البيان عن استمرار التمسّك صراحة بسياسات ما بعد الطائف التي أوصلت الاقتصاد اللبناني إلى حافة الانهيار الوشيك ورسّخت مصالح أصحاب رأس المال الكبير. وبدل أن يعترفويعتذر "أصحاب المعالي" عن نهبهم المتمادي للمال العام وعن مسؤوليتهم عن تخلّف وانهيار البنى التحتية -  واللذين بسببهما تمت مراكمة ديون تفوق المئة مليار دولار على كاهل الشعب اللبناني - نجدهم يؤكدون مضيّهم في نهجهم الاستئثاري وممارساتهم المدمّرة، ويمهّدون الطريق امام إلقاء تبعات الأزمة القابلة للانفجار على عاتق أوسع الفئات الشعبية .

الثالث، هو الوقفات الاحتجاجية التي عمّت لبنان يوم الأحد الماضي، تعبيراً عن رفض كل تلك السياسات وتحضيراً لتصعيد المواجهة في العشرين من هذا الشهر، وتمهيدا لاستكمالها عبر برنامج تحركات تصعيدية لاحقة تهدف إلى تعديل موازين القوى السياسية واسقاط النهج الرسمي المتبع وفرض عملية التغيير التي تستجيب لمصالح  العمال والشباب والفقراء والفئات الدنيا والمتوسطة من "الطبقة الوسطى".

أمام هذا المشهد الثلاثي الأبعاد، لا بديل لكل القوى المتضررة والمعنية بالمواجهة والانقاذ سوى النزول إلى الشارع سوية يوم الأحد القادم، رفضاً لسياسات النهب والاستئثار والاقصاء. إن ما يجمع اليوم ما بين الموقف الأميركي-الصهيوني المعبّر عنه في بيان السفارة على مسمع كل أطراف السلطة من جهة، واستمرار إمعان هذه الأطراف من جهة ثانية في تنفيذ شروط مؤتمرات الدين وما انتجته من أعباء ثقيلة وتشوّهات بنيوية وفساد مستعصي، يضعنا لا محال أمام مهمّة تاريخية واضحة ومحدّدة: ضرورة المواجهة عبر الشارع لكسر هذه التركيبة السياسية الزبائنية القائمة على الاستئثار والنهب والاقصاء. فإلى كل المتضررين والمعترضين، من قوى سياسية واقتصادية واجتماعية ومدنية وأهلية ونقابية وشبابية ونسائية، إلى كل الشعب اللبناني، نقول: إلى الشارع. إلى الشارع، من أجل الإنقاذ والمواجهة، وليكن العشرون من هذا الشهر محطة أساسية في تطوير الاحتجاجات وتعميمها.