استهداف الداخل والمستوطنات في مواجهة فاشية وتعنت الاحتلال

حجم الخط

النضال الوطني الفلسطيني محتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة استراتيجية كفاحية جديدة تتناسب مع الأخطار التي تواجه المشروع الوطني، وهي أخطار جسيمة ماحقة لأنها تأتي في ظرف عربي رسمي بائس، حيث خطاب وحدة الصف والتضامن الذي حل بدلا من شعار وحدة الهدف، الذي يعني النضال من أجل تحقيق الوحدة العربية قد اختفى من مفردات السياسة العربية بسبب ما يسود دول المنطقة من صراعات داخلية على خلفية طائفية معادية لوحدة الدولة الوطنية.

أما الجماهير العربية فهي مشغولة بالهموم المعيشية الصعبة التي عجزت مشاريع التنمية القطرية على تحقيق حلولا وطنية لها. الأخطار التي يتعرض لها المشروع الوطني لم يعد أسلوب المفاوضات السياسية مع الاحتلال الإسرائيلي وحده مجديا لتحقيق الأهداف السياسية التحررية، خاصة بعد انكشاف الانحياز الأمريكي السافر للكيان الصهيوني الذي مارسته إدارة ترامب المتصهينة، والذي جعلها تقف في خندق واحد معه في معاداتها للحقوق الوطنية، خاصة فيما يتعلق بمسألتي القدس واللاجئين، وهما من القضايا الجوهرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لا يمكن التفريط بهما عن طريق التوصل إلى حلول ناقصة، وهو ما جعل الدور السياسي الأمريكي غير مؤتمن ومرفوض من الجانب الفلسطيني، في رعاية أي عملية للمفاوضات السياسية، تهدف للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما أن تعليق الآمال على دور أوروبي في عملية رعاية المفاوضات السياسية هو مضيعة للوقت، لأن الاتحاد الأوروبي لا يملك التأثير المطلوب على الاحتلال الإسرائيلي، ولكونه أيضا ليس لديه الرغبة في أن يطرح نفسه البديل عن الدور الأمريكي باستثناء فرنسا التي ترفع دائما منذ عهد المرحلة الديجولية لواء الاستقلالية عن سياسات واشنطن في الموقف من القضايا الدولية.

هكذا فان عقلية المراهنة على أسلوب المفاوضات السياسية لوحده في ظل الخلل في موازين القوى الذي يميل لصالح الكيان، إضافة إلى تردي الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي بسبب استمرار الانقسام السياسي البغيض وتعمقه أكثر ليشمل الخلاف على صلاحية مؤسسات السلطة ذاتها، كالموقف الآن من المجلس التشريعي الذي أثار تباين وجدل واضح في مواقف الفصائل، من قرار المحكمة الدستورية القاضي بحله، والموقف من عقلية المراهنة على أسلوب المفاوضات السياسية وحده التي ثبت في هذه الأوضاع الأوضاع أنها مراهنة سياسية خاطئة يجب أن تتخلص منها العقلية السياسية الفلسطينية التي بدأت تسلك هذا النهج مسايرة لنهج التسوية العربية، الذي سار على خطا نظرية الخطوة خطوة لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر بعد حرب أكتوبر عام 1974، والذي توج تطبيقها بالتوصل إلى اتفاقية كامب يفيد التي اعترفت بشرعية الكيان الصهيوني على أرض فلسطينالعربية.

إن ما يحتاجه النضال الوطني الفلسطيني في ظل انسداد أفق التسوية السياسية، وتراجع مشروع حل الدولتين، وخطوات التطبيع النوعية الجارية بوتائر سريعة غير مسبوقة مع الكيان الصهيوني، خاصة مع غالبية دول الخليج التي تملك النفط عصب الحضارة الغربية البرجوازية والمال السياسي، ما يحتاجه النضال الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة التي تتزاحم فيها المخططات والمشاريع السياسية التصفوية هو العمل على تسخين القضية الفلسطينية في المجتمع الدولي، بعد أن أصبحت قضية سياسية ومعيشية مزمنة (أزمة وكالة الغوث) اعتادت عليها المؤسسات الدولية السياسية والإنسانية. فالقضايا الساخنة هي دوما التي تجلب الاهتمام الدولي لوضع الحلول السلمية لها، أما القضايا الباردة المزمنة فقد تبقى محل نزاع سياسي دائم، لكنها لا تشكل بؤرة توتر إقليمي تهدد السلم والأمن الدوليين، كأزمة إقليم كشمير مثلا بين باكستان والهند وعمر هذه الأزمة كعمر القضية الفلسطينية التي بقت دون حل لها. تسخين القضية الوطنية الفلسطينية اضحت الآن مهمة كفاحية مشروعة في ظل بقاء الاحتلال في الضفة والانقسام في غزة، وبقاء هذه الحالة السياسية تهدد المشروع الوطني بالتفكك، كما أن ما يقوم به شبان الضفة من عمليات طعن فردية لجنود الاحتلال، وكذلك فعاليات مسيرات العودة رمزيتها السياسية، كل ذلك من أشكال المقاومة الحالية على الرغم من أهميتها في إطار المقاومة الشعبية السلمية، فإنها لن تدفع الكيان الصهيوني بتقديم تنازلات سياسية للتوصل إلى تسوية نهائية، وذلك إذا ما ظل الداخل الإسرائيلي وما به من كثافة سكانية يهودية يغلب عليه الاتجاه اليميني العنصري المتشدد بمأمن عن الصراع.

إن الاتجاه الثوري الصحيح الذي يجب أن تتوجه إلية بوصلة المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة هو بالتمدد إلى الداخل الفلسطيني، وإلى المستوطنات في الضفة الغربية أيضا، باعتبار أن الكيان الصهيوني يعتبرها جزءاً من الداخل، وبدون ذلك فسوف تستمر حالة التعنت والصلف الإسرائيلي، ومعها سوف تزداد حملة الاستيطان والتهويد المكثفة، وعند ذلك سوف لن تجد المفاوضات السياسية إمكانية موضوعية لما يسمى مشروع حل الدولتين الذي "يحظى بإجماع دولي"، مما يدفع ذلك بالبحث عن مشاريع تجزيئية للتسوية التصفوية للضفة الغربية على شكل حكم ذاتي موسع، ولكنه أقل من دولة، وذلك بمعزل عن قطاع غزة الذي سيتم تأهيله عربيًا وإقليميًا ودوليًا، ليشكل كيانًا سياسيًا فلسطينيًا كبديل عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.