شعار تعميم الديمقراطية لم يعد كافيًا

حجم الخط

انطلقت ثورات ما سميت حينذاك بالربيع العربي في عام 2011، على إثر حادثة حرق جرت في تونس لتمتد عبر حدود التجزئة السياسية العربية الممنهجة إلى مصر، و ليبيا ، وسوريا، واليمن، تأكيدًا على وحدة الجغرافيا العربية وعلى وحدة المصير القومي. وكان مقدرًا لهذه الثورات الشعبية التي انطلقت من جماهير الكتلة التاريخية التي أطلق المفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو جرامشي هذه التسمية عليها، وهي الفئات الاجتماعية التي تشعر ببؤس النظام السياسي الاستبدادي. كان مقدرًا لهذه الثورات أن تخلق مناخًا ديمقراطيًا يطيح بأنظمة الاستبداد العربية، ولا تكتفي بالإطاحة بالرؤساء تحقيقا للشعار الذي رفعته، وهو إسقاط النظام وليس تغييره؛ لكن الذي حصل أن هذه الثورات لم تسقط النظام ولم يتم تغييره، بل تمخض عنها إنتاج أنظمة فوضى سياسية وأمنية فقدت بها الدولة الوطنية هيمنتها؛ لتتأهل لاستيعاب شروط الدول المزمع إقامتها في شرق أوسط جديد بنفوذ سياسي واقتصادي وأمني أمريكي إسرائيلي. لم تنعم الدول العربية التي شهدت أحداث الربيع العربي باستقرار سياسي وأمني، فما زالت تعاني من أوضاع داخلية صعبة انعكست على الحياة المعيشية، بسببها لم يعد شعار تعميم الديمقراطية هو المطلب الرئيسي الوحيد لجماهير الكتلة التاريخية الشعبية، بل احتل الشعار المطلبي حيزًا كبيرًا من دوافع التغيير.

أما الدول العربية التي بقيت بمنأى عن ثورات "الربيع العربي" فقد كان بعضها إما يعاني من حالة داخلية أمنية جعلت الجماهير تتمسك بالنظام القائم، كما كان الحال في الجزائر التي مرت بتجربة مواجهة الإرهاب، الذي كانت تمارسه جماعات ظلامية متشددة، أو كما كان الوضع في السودان التي كانت تخوض الدولة صراعًا مسلحًا مع الحركة الانفصالية في الجنوب، وانتهى هذا الصراع بالانفصال ناهيك عن مسألة إقليم دارفور. أما دول الخليج العربية النفطية الثرية فقد كان واضحًا أنها لن تلحق "بالربيع العربي" على الرغم من حاجة شعوبها إلى الديمقراطية في مواجهة أنظمة استبدادية وراثية، تربطها علاقات التبعية بكل أشكالها مع النظام الرأسمالي الإمبريالي؛ لكن عدم وجود وطأة للحياة المعيشية بسبب تدفق المال النفطي جعل هذه الشعوب تقبل بما هو قائم من وضع سياسي، ربما هي غير قادرة بسبب غياب قوى سياسية فاعلة على تحقيق الشعار الذي ترفعه.

إذن لا بد من الإقرار أن الثورات الشعبية العربية الحقيقية التي حققت أهدافها المعلنة لم تنفجر بعد؛ لأن الحراك الشعبي ظل بدون قيادات وطنية ويسارية قادرة على توجيه هذا الحراك، الأمر الذي أعطى الفرصة للتدخل الخارجي من بعض القوى الإقليمية والدولية، وفي هذه الحالة أصبحت الجماهير موزعة مشتتة وتحتاج إلى جهد ضخم لإعادة تجميعها وتعبئة طاقاتها. إن الاكتفاء برفع شعار تعميم الديمقراطية كما كان الحال في تجربة ثورات "الربيع العربي" الماضية لم يعد كافيًا، الآن لا بد من إدراك الخصوصيات لكل قطر ، كما لابد من توفيت الفرصة لكل حراك من تدخل القوى الخارجية؛ فالمشهد السياسي العربي ينذر بثورات شعبية شبابية مطلبية كموجة ثانية من الثورات العربية، فهل الموجة الثانية من الحركات الاحتجاجية التي تشهدها السودان والجزائر وقطاع غزة وقد تمتد إلى مناطق أخرى في الوطن العربي قادرة على الوصول إلى مرحلة تصيغ بها القوى السياسية التي تكون لها القدرة على التقاط لحظة التعبير السياسي الشعار المناسب وأساليب العمل المناسبة لتحقيق أهدافها؟!