أردوغان العالق بين الانتخابات المحلية والصواريخ الروسية

حجم الخط

تلقى حزب العدالة والتنمية التركي ضربة قاسمة بنتائج الانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً مع خسارته لرئاسة بلديات أهم المدن التركية، يعود ذلك بنظر العديد من المراقبين إلى أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، جراء تراجع قيمة الليرة التركية بشكلٍ ملموس الأمر الذي أدّى إلى أزمة اقتصادية عكست نفسها على المنتج والمستهلك التركي.

وتعود هذه الأزمة إثر قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا بهدف الضغط للإفراج عن القس الأمريكي أندرسون المتّهم بالتجسس لصالح الولايات المتحدة، ومع أنّ أنقرة قد استجابت لهذه الضغوط وأفرجت عن هذا القس، إلاّ أن تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية على تركيا ما تزال تخيّم على الاقتصاد التركي الذي ما زال يشهد المزيد من التراجع في العديد من المجالات.

احتمالات قيام واشنطن بفرض عقوبات جديدة إضافية على تركيا ما تزال قائمة في حال مضت أنقرة قدماً بصفقة البطاريات الصاروخية الدفاعية S400 والتي من المفترض أن تتسلمها تركيا هذا الصيف بعد أن رفضت واشنطن تزويد أنقرة ببطاريات باتريوت وإتمام صفقة طائرات F35 ، ما لم تتراجع إدارة أردوغان عن صفقة الصواريخ الروسية في وقت يبدو فيه الرئيس التركي عالقاً مع الحليف الأمريكي في حلف شمال الأطلسي مع تزايد التحالف الأمريكي مع المنظمات الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمات إرهابية على الساحة السورية.

تطورات الساعات الأخيرة تشير إلى إمكانية تراجع أنقرة عن صفقة الصواريخ الروسية. وجاءت إشارات بهذا الصدد هذه المرة من العاصمة الروسية عندما لم يستبعد رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي فلاديمير شاماتوف إمكانية أن يتخلي الجانب التركي عن صفقة منظومة الصواريخ الدفاعية S400   مع روسيا، وفي إشارات موازية وفي نفس الوقت يُصرّح باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكية مؤخراً أنه يتوقع حل النزاع مع تركيا بشأن شرائها منظومة الصواريخ الروسية رغم تجميد واشنطن تسليم معدّات مرتبطة بصفقة طائرات F35  إلى تركيا.

قبل هذه الإشارات صدرت من أنقرة ومن واشنطن أثناء احتفال حلف الأطلسي بمرور سبعين عاماً على قيامه تصريحات تؤكد أنها تمضي قدماً بصفقة الصواريخ الدفاعية الروسية، وأنها لا تجد سبباً يمنعها من الحق في تنويع مصادر تسليحها، ودون أن يؤثر ذلك على عضويتها في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، مفندة مبررات التمنع الأمريكي حول إمكانية حصول الروس على معلومات وأسرار إستراتيجية من خلال قراءة أداء المنظومة الصاروخية والجوية الأمريكية.

هذه ليست المرة الأولي التي تبرز بها خلافات وتوترات بين أنقرة وواشنطن، فقد رفضت تركيا استضافة القوات الأمريكية الغازية للعراق عام 2003، وقبل ذلك منع الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون تركيا من استخدام الأسلحة الأمريكية في حربها على قبرص عام 1974، إلاّ أن التوتر الحالي يتجاوز الخلاف التركي الأمريكي إلى التوترات المتزايدة داخل إطار حلف شمال الأطلسي بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبات السؤال حول مستقبل استمرار هذا الحلف يطغى على اجتماعاته وبروز إشارات وتصريحات تدعو إمّا إلى استبداله أو تشكيل تحالفات جديدة من شأنها الحد من النفوذ الأمريكي المسيطر على قرارات الحلف، بينما ترى بعض الدول الأعضاء أنه لم تعد هنا حاجة لبقاء الحلف على ما كان عليه منذ سبعين عاماً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.

وإذا كانت صفقة الصواريخ الروسية هي عنوان الأزمة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلاّ أنها تعكس أبعاداً إستراتيجية أمنية وسياسية تنطلق من تداعيات الأزمة السورية لتزايد النفوذ الروسي والعلاقات المتطورة بين أنقرة وموسكو وطهران وهي شبكة علاقات وتحالفات بالغة التعقيد وتؤثر بشكلٍ مباشر على مستقبل الخارطة السياسية للمنطقة ككل وفي الجوهر منها مساحة النفوذ الأمريكي في هذه الخارطة.

وبالعودة إلى بداية المقال، فإن الضغوط الاقتصادية التي أدت إلى تراجع شعبية أردوغان وحزبه بنتائج الانتخابات المحلية، قد توفر ظروفاً ملائمة لتبرير احتمالات تراجع أنقرة عن الصفقة الروسية، إذ أن مستقبل أردوغان السياسي بات مرتبطاً بتحسّن الأداء الاقتصادي والتهديد الأمريكي بعقوبات اقتصادية سيظل السيف المسلط على أداء أردوغان إذا ما رغب باستعادة شعبيته من خلال الاستجابة للضغوط الأمريكية بهذا الشأن.

ومع أن احتمالات تراجع أنقرة عن صفقة الصواريخ الدفاعية الروسية محدودة إلاّ أنها ما تزال إمكانية قابلة للدراسة والبحث على ضوء العوامل الاقتصادية والتهديدات الأمريكية بعقوبات من شانها إعادة تركيا إلى الوراء عدة عقود في حال عدم امتثالها للمصالح الأمريكية.