دلالات الظهور العلني لسماحة الشيخ حسن نصرالله

حجم الخط
يعتبر الظهور العلني لسماحة الشيخ حسن نصرالله في يوم عاشوراء والسير بين أنصاره في ملعب الراية لمدة 17 دقيقة ،الظهور العلني الأول بعد آخر عملية ظهور علني له في عام /2008،وعملية الظهور هذه والمحفوفة بالكثير من المخاطر والتعقيدات،لها الكثير من المعاني والدلالات،فعدا أن سماحة الشيخ حسن نصرالله أراد أن يوجه رسالة للداخل اللبناني وبالتحديد لأنصاره والمقاومة اللبنانية،بأن حزب الله ما زال قوياً وعصياً على الكسر وهو واحد من عناوين المقاومة العربية المهمة في هذا الزمن العربي الرديء،وكذلك رسالة لخصومة بأنه لا يخشى المواجهة ومستعد لها،وأيضاً أراد أن يوصل رسالة إلى حلفاءه من سوريين وإيرانيين وغيرهما من قوى المقاومة العربية،في الوقت الذي يواجهان وتشن عليهما حرباً شاملة،دولياً وإقليميا وعربياً،حيث المؤامرة على سوريا تكبر ولتشارك فيها الجامعة العربية،وإيران يزداد التحرش العسكري بها،وتشدد عليها العقوبات الاقتصادية والتجارية،بأن الحزب سيخوض الحرب والمعركة معهم وسيقف الى جانبهم إذا ما فرضت عليهم اية حرب قادمة من اسرائيل أو قوى اقليمية ودولية. والظهور العلني لسيد المقاومة سماحة الشيخ حسن نصرالله،وعدم استهدافه من قبل الطيران الإسرائيلي،يضعنا أمام العديد من التساؤلات المشروعة،من طراز لماذا لم تقدم إسرائيل على اغتيال سماحة الشيخ حسن نصرالله؟،وهي التي تترصد له باستمرار براً وبحراً وجواً،حيث مكث في الميدان سبعة عشر دقيقة وطيرانها يحتاج ل12 دقيقة لتنفيذ عملية الاغتيال،هل هو عدم جاهزية إسرائيل لحرب إقليمية،قد تكون من تبعات عملية الاغتيال تلك؟،أو أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير جاهزة ومهيأة لمثل هذا الحرب؟،فانا أرجح الاثنتين معاً،وكذلك ربما قد يكون هناك تفكير جدي عند محور إيران- دمشق- حزب الله الانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم في ظل ما يتعرض له هذا المحور من حرب شاملة،والشواهد والدلالات على ذلك متعددة إسقاط ايران لطائرة التجسس الأمريكية وعرض صورها،ورد دمشق القاسي على أنقرة عندما أرادت التحرش بأمنها وسيادتها على الحدود،والمناورات النوعية وغير المسبوقة التي أجرتها سوريا لقواتها العسكرية،والتي يمكن اعتبارها علامة من علامات اقتراب الحرب الإقليمية،إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصريحات نتنياهو عن ضرورة اتخاذ القرارات التاريخية والمصيرية،واستشهاده بقرار بن غوريون إعلان "استقلال"دولة إسرائيل،رغم التحذيرات القاسية له من مغبة ومخاطر مثل هذا الإعلان،والتي قد يدفع بالعرب الى شن حرب على اسرائيل،وما يجري من عنصره وتقييد وقمع للحريات في إسرائيل ،وتواجد البوارج الحربية الأمريكية قبالة السواحل السورية،كعلامات وإشارات على اقتراب موعد الحرب الإقليمية،حرب من أجل السيطرة على الثروات والموارد العربية،وتأمين خطوط إمداد أمريكا من النفط والغاز الطبيعي،في ظل خوف متنامي من سيطرة روسية- صينية على خطوط تلك الإمدادات،والحفاظ على وجود إسرائيل في المنطقة كقوة إقليمية وحيدة،تمتلك السلاح النووي،وتكون العصا الغليظة لقمع وتأديب ومعاقبة أية قوة عربية أو إقليمية صاعدة،تريد أن تهدد وجودها ومصالحها وأهدافها وأمنها في المنطقة. حسن نصرالله في ظهوره العلني المتحدي والاستشهادي،أراد نقل رسالة قوية الى خصومه،أن الحزب لن يكون إلا حيث المقاومة تكون،حيث العزة والدفاع عن الكرامة والوجود،فلا خيار أمامه وأمام حلفاءه سوى المقاومة والصمود،وهذا ما لمسناه من شنه حملة قاسية على رئيس المجلس الانتقالي السوري برهان غليون،والذي كشف عن حقيقة المعارضة بشكل عار،ولما سيكون عليه شكل الحكم في سوريا بعد الإطاحة بالقيادة السورية الحالية،وبما يقطع الشك باليقين،بأن أصابع أمريكا وإسرائيل والقوى الغربية،ليست بعيدة عن ما جرى ويجري في أكثر من بلد عربي،من حيث استثمار ثورات الربيع العربي وحرفها عن مساراتها وأهدافها،فالغليون يعلن أن ولاء النظام لن يكون إلا للغرب وأمريكا،وسيعمل على إقامة علاقات تطبيع وسلام مع إسرائيل،ولن يفكر باستعادة الجولان عن طريق الحرب،بل من خلال نهج العقم الفاشل،نهج المفاوضات العبثية والمارثونية،الذي جربه العرب والفلسطينيين،والذي لم يفضي إلا إلى المزيد من الشرذمة والانقسام وفقدان المزيد من الحقوق والأراضي،بل أنه حتى يثبت ولاءه وإخلاصه لأمريكا والغرب ويطمئن اسرائيل،أعلن أنه سيقطع علاقاته بإيران وحزب الله وحماس،واللافت هنا مغازلة رئيس تحرير القدس العربي عبد الباري عطوان الذي طالما طرح نفسه على أنه "الثورجي" الأول في العالم العربي،فهو يسدي النصائح لصديقه بأن لا يتحدث عن قطع علاقاته مع قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية وايران إلا بعد الوصول الى الحكم،فيما يبدو تأييد ضمني لهذا الموقف المخزي لبرهان غليون. وهذا ليس بالمستغرب على تلك القوى المعارضة من اخونجية ومتغربنة ومعارضة فنادق الخمس نجوم و"الأنجزة"،وهي التي تريد ان تستثمر انتفاضات الربيع العربي خدمة لأهدافها ومصالحها،وهي التي لم يكن لها لا شرف المشاركة فيها أو قيادتها،فها هو الغنوشي المتسلق على ربيع ثورة الياسمين التونسية،وبعد فوز حزبه في الانتخابات التونسية،يذهب الى منتدى الشرق الادنى للسياسات الأمريكي ومنظمة ايباك الصهيونية،ويعلن من هناك بأنه تاب توبة نصوحة الى الله بعدم معاداة الأمريكان واسرائيل،فالدستور التونسي لن يتضمن أي اشارة لاسرائيل كعدوة او محتلة،وهو يعتذر عن كل تاريخه السابق بدعم العراق وقوى المقاومة العربية بما فيها حماس،وهو يمثل الأسلام المعتدل وعلى أمريكا والغرب أن يطمئنوا،فهو سيشرك قوى ليبرالية في الحكم،وسيكون عند حسن حظ الأمريكان ويستطيعوا الاعتماد عليه. نعم هكذا تكون القيادة دائماً تضحوية وفي الميدان،ونموذجاً يحتذى،وسماحة الشيخ حسن نصرالله،خير من يمثل النموذج الثوري والكفاحي،فهو لم يبخل على المقاومة بأبناءه فكان منهم الشهيد والجريح،وهو نفسه يدرك جيداً أنه مشروع شهادة،فرأسه مطلوب لأكثر من جهة اسرائيلية وعربية وإقليمية ودولية،فهو شكل حالة غير مسبوقة في المقاومة العربية،فهو وعد وصدق،حرر لبنان من الاحتلال الاسرائيلي في عام/2000،وهزم هذا الاحتلال في حرب تموز/2006،وحرر كل الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال وعلى رأسهم الأسير سمير القنطار. القدس- فلسطين