المارد الأحمر حكاية زمان

حجم الخط
غزلت شمس الحرية المبتورة غديرة أرجوانية سحقت الروح الخانعة في سباتها بعد نكسة حزيران التي هزت الدنيا بقشعريرة ماجنة تسرب أنينها إلى أغوار النفس البشرية، فعزفت خمائل الدجى قيثارية الحق الضائع في قاع اليم. في سماء السابع والستين قُرعت لحظة كونية متمردة على واقع مقيد النسب والهوية، فانبثقت روح مريمية اتحدت مع جسد القدس الأزلية في رحم فلسطيني تجاوز مخاض الأوجاع الملتهبة بهدوء بركاني. إنه المارد الأحمر جاءنا من حكايا الزمان بفلسفة إلهية أيقظت أرواح العروبة الميتة من الموت القادم في برزخ دنيوي متثاقل، إنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تحدث عجرفات الأوجاع الصفراء ومرارة الأقدار الطامية في ظل الهزيمة والصمت العربي والرجعية وضياع الهوية. أربعة وأربعون عاماً وروح اليسار متأصلة في قلب فلسطين النازف. فلسطين التي حشرجت عيناها كعصفور مذبوح، فأطلقت عتابا الخوف من كينونة الوجود وعدمه. منذ أربعة وأربعين عاماً والجبهة الشعبية مجبولة بتراب فلسطين، حيث تجسدت فيها بقوة فطرية من خلال برنامجها الاجتماعي الديمقراطي الذي نادى بحرية المرأة بعد أن كانت مسلوبة و مشلولة الوجود الفيزيقي في عالم لاهث للزوال. فمن تغريد البطمة إلى ليلى خالد التي خبأت أنوثتها الساحرة في كنف فلسطين وأصبحت الفرس بعد أن كانت هي المهرة، فخطفت بإصرار عنيد سريرة كل صهيوني يحاول تدنيس جسد فلسطين بعقيدة فاسدة، إنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إنها اليسار الديمقراطي الحر الذي خرج من صومعة الهزيمة المرة بقوة فرعونية تجاوزت أوجاع الإمبريالية والصهيونية المتقرحة على طول الزمان، حيث أظهرت للعالم بذكاء جسد المعنى الإنساني والأممي والطبقي للقضية الفلسطينية التائهة في عالم متقوقع على جسده الميت. إنها جبهتنا اليانعة كزهر الرمان المتدلي على أهداب الزعتر البلدي في أرض البيادر، إنها جبهة الزيتون الأخضر المتأصل في تراب عكا وحيفا ويافا واللد المجبولة بروح الحكيم. حكيمنا الذي قدم حياته ومماته قرباناً لأرض إيلياء الموجوعة، فانخرط مع شباب الثأر بفكر ماركسي لينيني ليكون أمينها العام بنزاهة طاهرة كطهارة القدس الشريف. أربعة وأربعون عاماً سطرت الجبهة الشعبية صفحات لامعة في دفتر الغربة والشتات، خططها آباؤنا المؤسسون بأقلامهم وأرواحهم المنصهرة في دم كل فلسطيني موجوع. غسان كنفاني الذي كتب فلسطين بدمه، فما تزال روحه موجودة حتى اللاوجود. وإنك يا فارس الشهداء أبو علي مصطفى تنحني رؤوسنا أمام حروف اسمك، فها هو جسدك المتناثر أبى الرحيل عن تراب وطنه السليب فلسطين، هذا الوطن الذي خرج من كيانه بمشيئة قدرٍ توراتي مسرطن مبتدأ اللهجة سرق حلم الطفولة المبعثرة في هواجس مبتذلة فبعثت من روح وديع حداد رحمة إلهية وديعة أشعلت لون الفرح النحاسي في غيبوبة حارقة لم يطفئ أنينها إلا جبروتك الصامد يا جيفارا غزة، حيث اتحدت روحك مع أمواج بحرها النابض بالحياة دوماً. فسلطانك القاهر أركع دباباتهم الذابلة من الرجس وما أعذب الصبر إلى نفس أحمد سعدات القابع في سجون الاحتلال بعتمته الصامتة التي أشعلت نور الحرية المؤنس، متحدياً لمسطرة قانونهم الحارق برصانة أبدية تجسدت في قوام ربحي حداد الذي أبدع في تحطيم نرجسية الصهاينة في نابلس بقوة ألهبت حفيظة كل معتدٍ غاصب. ثلاثة وستون عاماً على نكبة فلسطين التي هزت الضمير الإنساني من الشريان إلى الوريد. ضمير العرب المثقوب من مرارة الهزيمة والهوان فجاءت جبهتها الحمراء لتنعش روح فلسطين وتشعل قدها المياس بحرارة الإيمان بالحق الغائر في دنيا الموت. إنها خطيئة مجدلية جانحة أفقدت فلسطين وصالها في يوم زفافها الثامن والأربعين، فأطلقت عروس كنعان أنينها المصلوب الذي بلغ عنان السماء. انطلق أيها المارد الأحمر من ناقوسك الفولاذي، وأرخي هذه الحجب المسدلة في طريقك طريق الحق الخالد علك تملأ جراح هذه الدنيا بكؤوس من خمر النسيان، فيعود الطفل الفلسطيني حنظلة إلى أمه السليبة وعندها تنتشي السماء بعوده فلكها الأزلي القديم. المصدر : عن مجلةالهدف - عدد كانون أول 2011