محنة الفلسطينيين في لبنان : مخيم عين الحلوة نموذجاً

حجم الخط
"عندما ذهبت لتجديد جواز السفر (الوثيقة الخاصة بالفلسطينيين)، طلب مني الموظف اللبناني شهادة "إثبات سكن" ضمن الأوراق المقدمة، توجهت فوراً إلى مختار الحي وقدمت إليه البيانات المطلوبة، قال إنك تحتاج إلى شاهدين، فعدت إليه بصحبة شاهدين، لكنه سرعان ما اعترض على أحدهما كونه فلسطيني الجنسية، والفلسطيني لا تقبل شهادته قانوناً حسب المختار"! أخبرني صديقي نصري وهو في غاية التأثر والغضب. جئت لزيارة صديقي نصري في صيدا بعد غياب طويل، طلبت منه الذهاب إلى مخيم عين الحلوة الذي تربطني به وبأسرة نصري علاقة حميمة منذ السبعينيات، كنت في ذلك الوقت ولا أزال أشعر بالانتماء إلى هذه الأسرة التي أعجبت بها أيما إعجاب بعد أن تعرفت إليها وشاهدت كيف توزّع أفرادها شباباً وصبايا على تنظيمات المقاومة، كيف جسّدت هذه الأسرة الحرية والتعدّد السياسي والاحترام المتبادل بعيداً عن التعصّب والفئوية. قال لي الصديق نصري: إنك لا تستطيع دخول المخيم إلا بتصريح من الأمن اللبناني، تذكرت قرار المنع في العام 2009 عندما نظمت وزارة الثقافة اللبنانية أسبوع "القدس عاصمة للثقافة العربية" بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية. فقد طلبنا من مضيفينا اللبنانيين، آنذاك، دخول مخيم عين الحلوة أثناء فعالية صيدا، لكنهم اعتذروا بلطف وقالوا إنكم بحاجة إلى تصريح وهذا يتطلب وقتاً إضافياً سيخلّ بالبرنامج. ذهبنا لزيارة الصديق جابر سليمان الذي يسكن على تخوم مخيم عين الحلوة، انطلقنا بالسيارة، لكنني صدمت بشدة ونحن نسير بمحاذاة المخيم ونرى جدار الفصل الشبيه إلى حد كبير بجدار الفصل العنصري الذي أقامته دولة الاحتلال في فلسطين. ليس هذا وحسب بل ثمة حواجز عسكرية تضرب طوقاً محكماً على المخيم إلى المستوى الذي لا يستطيع معه أي شخص الدخول أو الخروج للمخيم. وزاد الطين بلة، عندما سمعنا صوت الرصاص المتقطع بين لحظة وأخرى جراء اشتباكات داخل المخيم. ما دفع الصديق جابر إلى التردد في اختيار مكان جلوسنا، قال: تفضلوا هذا المكان أكثر أمناً، لأن غرفة الجلوس معرضة للرصاص الطائش. يا للهول، مخيم عين الحلوة مخترق بالقوى الأصولية وأجنداتها الخاصة التي تخلو تماماً من الهم الفلسطيني. منذ شهرين والمخيم يتعرض لحوادث تفجير واشتباك واغتيال، والآن يشهد حالة تصعيد، بعد أن قام أحد المقنعين بإطلاق النار على قياديين وكوادر في حركة فتح لدى مرورهم في سوق الخضار، وأدى الاعتداء إلى مقتل الملازم عامر فستق، وأدت هذه العملية إلى حدوث اشتباكات روّعت السكان. التوتر والتهديد الذي يعيشه مخيم عين الحلوة أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان وثيق الصلة بنجاح قوى ومجموعات أصولية لبنانية ومن جنسيات أخرى في اختراق المخيم والاختباء فيه وتحويله إلى قاعدة انطلاق. المشكلة بدأت عندما تمكن المتهمون باغتيال الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) من دخول المخيم والإقامة فيه، وهؤلاء ينتمون إلى ما يسمى "عصبة الأنصار". وتمكن الإسلاميون الناجون من اشتباكات الضنية مع الجيش اللبناني في طرابلس من الفرار إلى مخيم عين الحلوة والإقامة به، ويشاع أيضاً أن قتلة القضاة الأربعة في صيدا التجؤوا إلى المخيم. هكذا أصبح المخيم قاعدةً للجماعات الأصولية بحسب السلطات والإعلام في لبنان، الجماعات التي جنّدت المتطوعين للذهاب إلى العراق، ويشك البعض في وجود تنظيم للقاعدة في المخيم، يتعزز الشك باليقين عند مشاهدة لافتات تحمل صور قتلى تنظيم القاعدة في العراق. ما يشاع، أيضاً، أن بعض القوى في لبنان والخارج تقدم الدعم للتنظيمات الأصولية في محاولة لاستخدامها في معادلات الصراع الداخلي والخارجي. تجربة شاكر العبسي الكارثية في مخيم نهر البارد كانت نموذجاً لعمل وأجندة هذه المجموعات ونموذجاً لاستخدامها الذي أدى إلى تدمير المخيم وتشريد سكانه. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا سمحت المنظمة، الممثل الشرعي والحامي الشرعي للاجئين الفلسطينيين، للمجموعات المتطرفة بدخول المخيم واستخدامه لتعزيز نفوذها؟ لماذا صرفت النظر عن الداعمين والمستخدمين لهذه المجموعات؟ لماذا لم تتدخل وتضع حداً لوجود ونشاط هؤلاء قبل أن يتفاقم ويصبح الحل أكثر تعقيداً؟ في كل الأحوال ثمة حاجة ماسة لعمل كل ما من شأنه حماية الفلسطينيين من كل تهديد لحياتهم واستقرارهم وأمنهم. وهذا يتطلب وضع هذه القضية على أجندة منظمة التحرير بحثاً عن حلول شافية، تعيد الطمأنينة للمخيمات التي صنعت الثورة وساهمت في تحقيق كل الإنجازات السياسية والرمزية للحركة الوطنية المعاصرة، وفقدت أغلى ما تملك في سبيل التحرر والقضية الفلسطينية. دخول المجموعات المتطرفة إلى المخيمات لا يبرر قيام الحكومة اللبنانية بحصار المخيم ووضعه في شروط غير إنسانية. تتحمل الحكومة اللبنانية والقوى اللبنانية على اختلاف انتماءاتها السياسية مسؤولية الوضع المأساوي للمخيمات الفلسطينية ليس على الصعيد الأمني وحسب بل وعلى الصعيد الإنساني والمدني. لا مبرر للصمت إزاء حالة الفلسطينيين اللا إنسانية في لبنان، فهؤلاء لا يعترف بأبسط حقوقهم المدنية المنصوص عليها في القانون الدولي الخاص باللاجئين والمنصوص عليها في ميثاق جامعة الدول العربية والقوانين الخاصة بكل بلد.. عشرات المهن يحظر على الفلسطيني في لبنان العمل بها، ورغم التسهيلات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية مؤخرا فإنه لا يزال يحظر على الفلسطيني اللاجئ امتلاك بيت خارج المخيمات، ويحظر على الطبيب والمحامي والمهندس والصيدلي العمل خارج المخيم. علماً أن المخيمات لديها فائض من الخريجين والسوق اللبنانية لديها حاجة لمثل هذه التخصصات. ليس لعمليات التضييق والخنق الرسمية المترافقة مع تقديم فزاعة التوطين سوى هدف واحد هو: دفع الفلسطينيين إلى الخروج من لبنان. ولهذا يستمر التضييق رغم التأكيد على رفض التوطين، والتمسك الثابت بحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين، وإعطاء اللاجئين المقيمين بصورة مؤقتة في لبنان أولوية في الحل. ما عاد الصمت والسكوت من قبل كل الأطراف مقبولاً ومبرراً. الكل يشارك في أبشع انتهاك للحقوق الإنسانية والمدنية للفلسطينيين في لبنان، ذلك الانتهاك الذي يبرر انتهاكات دولة الاحتلال للحقوق الوطنية والإنسانية والمدنية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ويبرر انتهاكات وقمع الأنظمة العربية المستبدة للشعوب العربية التي ثارت من أجل حريتها. من يقبل بحشر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أمام خيارين عدميين، الأول: قبول الخنوع والإذلال وهدر الحقوق والكرامة الإنسانية. الثاني، خيار: الذهاب إلى التطرف وقواه الأصولية. كل الذين يمارسون الخنق والحصار، وكل الذين يصمتون ولا يعملون شيئاً، متهمون. Mohanned_t@yahoo.com