الإسلام السياسي والديمقراطية

حجم الخط
انتقال الثورات العربية السريع والمتخبط من مرحلة إسقاط شكل الحكم الديكتاتوري الى مرحلة الانتقال الى حكم جديد. لم يكن بلا مغزى، لم يكن خطأ عابرا. فالمجتمع المترنح بالقمع البوليسي وبمصادرة ابسط الحقوق، المجتمع الفاقد لثقافة ديمقراطية. كان بحاجة إلى الراحة والمعافاة أولا ، وإلى استلهام تجارب الشعوب المتقدمة في مجال الديمقراطية، وإلى وضع معايير ناظمة للاتفاق والاختلاف ثانيا، والى فتح حوار هادئ وبناء يشارك فيه جميع ألوان الطيف السياسي. وبعد قطع الحد الادنى من التهيئة، يتم الذهاب الى صناديق الاقتراع ليتحمل الناخبين مسؤولية اختيارهم. وإذا كان الضباط والجنود الأسرى يتم استبعادهم او وضعهم في نقاهات حتى يتمكنوا من استعادة لياقتهم وانسانيتهم، فإن المناضلين والمناضلات الذين تصدوا لاجهزة النظام وعرضوا أنفسهم لمخاطر شتى، او الذين حرموا من البقاء في وطنهم، هؤلاء بحاجة ايضا الى فسحة (هدنة) من الوقت كي يستعيدوا تماسكهم وانسانيتهم قبل ان ينتقلوا الى مرحلة البناء. فما حسبنا إذا كان الحال مع المجتمع الممتليء بكل اسباب التأزم كالفقر والجوع وخنق الحريات والاستبداد والاذلال والتخلف والتمييز. إن الذهاب إلى صناديق الاقتراع دون التهيئة الكافية، يعني الاستعاضة عن التفاهم بين الناس الذين فجروا الثورة، وبين قوى المجتمع الحية التي لها مصلحة أكيدة في تغيير النظام المستبد، من خلال صياغة عقد اجتماعي وطني جديد يشكل ضمانة كبيرة لتعزيز وحدة المجتمع على أسس ديمقراطية. لقد حادوا بسرعة قياسية عن هذا الخيار الديمقراطي، وتوجهوا لابرام صفقة مع أركان النظام القديم، ومع نظام الهيمنة العالمي وبقايا النظام العربي. هذا ما حدث ويحدث في مصر وفي تونس بصورة أقل. وبهذه الصفقة فإنهم يكونون قد آثروا تقديم التنازلات المهينة للنظام القديم ونظام الهيمنة العالمي، ورفضوا عمل مقاربة مع القوى الحية في المجتمع، القوى التي فجرت الثورة وحطمت جدار الخوف ونجحت في إشراك الملايين بالثورة. هذا الموقف يعبر عن الانحياز للطبقات الاستغلالية ركيزة النظام لقديم في الداخل، ويعبر في الوقت نفسه عن خطب ود الولايات المتحدة والاستعداد للسير في ركاب السياسة الاميركية في المنطقة وفي مقدمة ذلك قطع الطريق على استمرار الثورة وتحقيقها لاهدافها وفي مقدمة ذلك الخروج من إسار علاقات التبعية الاقتصادية والامنية والسياسية، مقابل القبول بالاسلام السياسي في الحكم، والتغاضي عن انتهاك الديمقراطية. وبهذا المعنى يتم تجديد الصفقة مع نظام جديد بثوب إسلامي. الصفقة هي التي دفعت الحلف الجديد لاختصار العملية الديمقراطية بصناديق الاقتراع. الصفقة دفعتهم للهرولة الى الصناديق في لحظة انتقالية معقدة، اتقن فيها الاسلام السياسي خبرة حصد الاصوات بالجملة سواء بالشراء او بالفتاوي الدينية، وبوضع المواطن البسيط أمام خيار التصويت لضحايا النظام ممثلين" بالاسلام السياسي وحده" او التصويت للنظام القديم وأعوانه، أي جميع التيارات والقوى ما عدا الاسلاميين - الضحايا الوحيدين للنظام-. إذا نحينا تهمة الصفقة جانبا وتوقفنا عند سؤال الديمقراطية المجرد. فثمة تحد أمام الاسلام السياسي، بشأن الحريات حرية التعبير والتفكير والاعتقاد والتعدد الديني والثقافي والسياسي وحق الاختلاف والمرجعية فيما إذا كانت يقينية ام موضوعية، وتداول السلطة. وثمة تحد حول قضايا المرأة وحقها في المساواة. وتحد لا يقل أهمية حول منظومة القوانين الوضعية، ومنظومة القوانين العالمية المشتركة بين الشعوب كشرعة حقوق الانسان، واتفاقية عدم التمييز ضد المرأة، وغيرها. إن تجربة الاسلاميين في المعارضة تقول انها كانت ضد منظومة القوانين التي تعزز الحريات والديمقراطية، وقد التقى الإسلاميون مع النظام القديم والمؤسسة الدينية الرسمية في منع العديد من الكتب والافلام وفي تغيير المناهج المدرسية ووضعها بقالب ديني متزمت، وفي تكفير طه حسين، وتفريق نصر حامد ابو زيد، وتشريد نوال السعداوي، وممارسة الارهاب الفكري ضد حرية التعبير، وفي اعمال الشحن الطائفي والمذهبي التي قادت الى صدامات بين الاقباط والمسلمين. يمكن القول ان تجربة الاسلاميين في المعارضة لم تكن ديمقراطية ولا بأي حال من الاحوال. أما تجربة الاسلاميين في السلطة، فهي تقدم الدليل الملموس، نموذج الثورة الايرانية أولا، هذه الثورة التي لم تكتف بتصفية احزاب وقوى المعارضة اليسارية والليبرالية والقومية، بل قامت بتصفية الرموز والاتجاهات المعارضة من داخل صفوفها ومن الصف الاول. السودان والصومال قدمتا نموذجين نقيضين للديمقراطية. والاهم من كل التجارب السابقة تجربة حكم "حماس". يكفي القول فيها انها حسمت الخلاف مع "فتح" بالقوة والحسم العسكري وانقلبت على الديمقراطية، وتعاملت وما زالت تتعامل بعقلية الحزب الحاكم الواحد، وما تزال تستخدم القوة والاعتقال في الرد على قضايا الخلاف مع التنظيمات الاخرى والنخب المثقفة والاكاديمية. إن اي مقارنة بين برنامج حماس الانتخابي الذي "حرم الاعتقال السياسي" ووعد بالحريات العامة وبالديمقراطية وبين الجانب التطبيقي سنجد بونا شاسعا بين الاقوال والافعال. لقد انتهكت حماس ابسط قواعد الديمقراطية عندما منعت الخروج من القطاع لأعضاء مؤتمر المرأة وأعضاء مؤتمر فتح واعضاء في النقابات ومنظمات شباب، واخيرا أعضاء من اللجنة المركزية في حركة فتح من الدخول والخروج الى قطاع غزة. بل ان الحكومة المقالة المسؤولة عن تدبير الانقلاب العسكري تستمر في التمرد وفي مزاولة مهماتهاكحكومة شرعية منذ عام 2007 وحتى الان. وقد بلغ التمرد ذروته بزيارة "رسمية" لرئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية شملت السودان وتونس ومصر. وقدمت حماس نموذجا سلبيا في مجال الحريات العامة، وتدخلت لفرض الحجاب في المؤسسات العامة، وحظرت طباعة ونشر الكتب الى آخر ذلك من قائمة الانتهاكات. المشكلة في الاسلام السياسي انه لا يعترف بالاخطاء ولا يتراجع عنها ولا يوجد في تنظيماته تقليد يسمح بنقد الاخطاء او حتى الاعتراف بها وما اكثرها. لم تراجع حماس تجربتها في السلطة ونحن على أبواب المصالحة. بل تكتفي بالتبرير وبكيل الاتهامات. لم تقل لماذا أوقفت المقاومة، ولماذا اتهمت فتح التي أوقفت المقاومة بالتفريط، لم تقل لماذا تعتقل المقاومين ولماذا نقدت سلطة فتح عندما اعتقلت المقاومين. بقي القول: ان مجيء الاسلام السياسي الى الحكم ضمن هذه المنظومة من المفاهيم اللا ديمقراطية سيقود الى حكم ثيوقراطي سواء جاء مرة واحدة على طريقة السلفيين او جاء بالتدريج على طريقة القرضاوي. Mohanned_t@yahoo.com