الاتفاق الذي يقودنا إلى النفق

حجم الخط


يحق لأبناء غزة أن يفرحوا ويخرجوا للشوارع ليعبروا عن هذه الفرحة ... ويحق لفصائل المقاومة المختلفة أن تؤكد أن صمودها الأسطوري أمام آلة الدمار العسكرية هو انتصار كبير حيث استطاعت أن تفاجئ قادة العدو بقدرات صمودها وتصديها لآلته العسكرية ... ويحق لنا نحن كفلسطينيين بالعالم كما في فلسطين ان نفخر بوحدتنا أثناء هذه الحرب والعدوان الهمجي التدميري، فوجود وفد فلسطيني موحد مدعوم من مختلف الفصائل وتحتضنه جماهير الشعب الفلسطيني تجربة جديدة وضرورية للمستقبل وشرط من شروط النجاح.
كثيرة هي ايجابيات الصمود في غزة, وأكثر تداعياتها على الطرف المقابل أي الطرف الصهيوني داخلياً وعسكرياً، وكذلك على الصعيد الدولي من زاوية صورة " إسرائيل" عالمياً وخسائرها القادمة اقتصاديا نتيجة توسع حملات المقاطعة مع هذا الكيان الارهابي.

  الآن وقد أعلن عن اتفاق جديد برعاية مصرية يؤسس لمرحلة مفاوضات قادمة لا أشك أنها ستكون عسيرة وغير مؤكدة النتائج ,لم يعد سراً أن الوفد الفلسطيني الموحد تقدم بمجموعة طلبات تدور أغلبها حول رفع واضح للحصار المفروض على غزة وجماهيرها منذ عام 2006, رفع الحصار يعني حرية التنقل للأفراد وللبضائع عبر مختلف المعابر الاسرائيلية، وكذلك معبر رفح والذي يفصل بين قطاع غزة ومصر, ليس مقبولاً أن نطالب بفتح المعابر مع الجانب الصهيوني بينما يبقى معبر رفح غير مفتوح بشكل كامل لتنقل الفلسطينيين.
لنعود لما نشر من بنود الاتفاق كما أعلنته وزارة الخارجية المصرية حيث قالت أن الاتفاق يشمل ثلاثة نقاط وهي:
فتح المعابر بين قطاع غزة و"إسرائيل" بالتزامن مع وقف اطلاق النار .
الاتفاق يسمح بالصيد البحري انطلاقا من 6 ميل بحري.
استمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر وهي كثيرة العدد وتشمل المطار والميناء والمعتقلين والممر الآمن بين الضفة وغزة وأخيراً، الشريط العازل والذي تمنع "اسرائيل" الفلسطينيين من الاقتراب منه . 
مجموعة من الاسئلة تطرح نفسها وبقوة في الأيام القادمة , من وكيف نتأكد أن هذه المعابر ما بين غزة والجانب الصهيوني فتحت وتم احترام حرية العبور للأفراد والبضائع من جانب لآخر حتى لا تتكرر تجربة 2012؟ من الذي يقرر عدد الشاحنات وعدد الافراد وآليات المرور ونوع البضاعة؟ هل يحق للفلسطينيين بجلب البضائع من دول أخرى غير "اسرائيل" وبذلك يضعفوا اقتصادها وهل لهم حرية تصدير بضائعهم للخارج وخاصة للضفة الغربية ؟ وماذا عن معبر رفح ومتى سيفتح وبأي شروط ؟ 
هذه أسئلة تفرض نفسها بقوة بينما الاجابة عليها تحتاج للذهاب للتفاصيل وكما قيل ألشيطان يكمن بالتفاصيل.
نعم نحن ذاهبون الى نفق المفاوضات المظلم, لأننا ذاهبون للتفاوض على التفاصيل وهي المفاوضات الأكثر صعوبة, وهنا تكمن نقطة الضعف لهذا الاتفاق , "اسرائيل" كما نعرف ليست وحدها في هذه المفاوضات فهناك حلفائها مثل الولايات المتحدة وما تمثله من قدرات ضاغطة على أطراف كثيرة, وهناك الجانب الاوروبي والذي تواطأ ويتواطأ مع "اسرائيل" ومطالبها, فمتابعة تصريحات السياسيين الأوروبيين خير دليل على ذلك.

للأسف الوفد الفلسطيني سيكون وحيدا على الطاولة, صحيح أنه مازال متماسكاً وموحداً وأتمنى أن يستمر طيلة فترة المفاوضات , وصحيح كذلك أنه مازال يحظى بدعم شعبي واسع, لكن هل هذه الأوراق كافية لفرض الشروط الفلسطينية؟
أعتقد ان الحذر هو سيد الموقف ,لذلك على فصائل المقاومة التي صمدت أن تبقى حذرة ومراقبة لما سيحدث, واجبها مراقبة المفاوضين وعليها ابقاء أياديها على الزناد, تجربة اكثر من عشرين سنة من مفاوضات عبثية هي الدليل والبرهان, رفع الحصار يعني أن يكون ابن غزة حرا وهذا حق انساني له وعلينا جميعا التمسك به وبقوة, هناك تعاطف ودعم شعبي دولي لهذا الطلب ,لم يعد مقبولا استمرار الحصار وابقاء غزة سجنا مفتوحا من الداخل ومغلقا على الخارج, هذه ورقة ضغط تضاف لتمسكنا الصريح والقوي برفعة. 
في العام الماضي توفرت لي فرصة الذهاب لغزة لمدة أيام مع وفد من بلجيكا, هناك عرفت ماذا يعني الحصار لأهل غزة وكان ذلك صدمة لي ولأعضاء الوفد, ما صدمي كثيرا ما رأيته في المحلات التجارية حيث تشكل البضاعة الاسرائيلية غالبية المواد المعروضة للمستهلك الفلسطيني.
هذا المشهد جعلني أتساءل لماذا لا تكون المنتجات المصرية هي التي تباع في المحلات التجارية في غزة, ففي ذلك مكسبا للإنتاج المصري وخسارة للاقتصاد الاسرائيلي,ناهيك عن توسيع
دائرة المقاطعة التي نطالب المجتمع الدولي بتطبيقها خاصة هنا بأوروبا, في الايام الأخيرة كثيرا ما سمعت عبر وسائل الاعلام وتصريحات مفاوضين فلسطينيين أن الوسيط المصري قال أن معبر رفح هو شأن مصري فلسطيني ولا علاقة لإسرائيل به, ان كان هذا الكلام دقيق , لماذا لا نجعل من هذا المعبر معبرا للمواطنين وللبضائع أيضا مفتوحا كمعبر دولي بين دولة فلسطين وجمهورية مصر العربية ونسجل بذلك سابقة تسجل لدور مصر تجاه القضية الفلسطينية يحتذى به من دول اخرى .

حمدان الضميري
ناشط فلسطيني ببلجيكا