في مقابلة لنداء الوطن مع الرفيق المبدع مروان عبد العال

حجم الخط

علينا مقاومة الجهل أي الظلامية والتكفير الذي يهدف الى نفي العقل باعتبار أن الأدب شكل من أشكال الوعي

في مقابلة خاصة لنداء الوطن مع الرفيق مروان عبدالعال كانت بطعم الأدب والسياسة، نقدمها لكم كاملة:

 1.  مروان عبد العال، من هو؟ إنسانا ، مناضلا ، كاتبا..

طالما الإنسان على قيد الحياة فهو على قيد السؤال من يكون، نعرّف أنفسنا عندما نكون مرآة لذواتنا، وأن لا نخدع الذات حتى لا نخدع الآخر، لأنها عملية بحث مستمرة عن هوية بإدراكها في تكوينها وتشكلها وتركيبها، ولطالما أنك طرحت السؤال المحدد من هو؟ فهو ليس بعيد عن من نحن؟ إلا إذا كان اسمك يستحق الذكر لذا عليك أن تستحق تجربتك، بأبعادها الثلاثية المتداخلة، الإنسانية والنضالية والأدبية التي لا تعني واو العطف بأي حال من الأحوال انفصالاً بينها بل تنوعاً وتناغماً لونياً يشكل قوس قزح الإنسان الفلسطيني أو العربي أو الإنساني المقاوم. أما أنا، فهو الإنسان الذي ولد في زمن الزينكو ” أي يوم ما كانت البيوت مسقوفة بالتنك وهي مرحلة ما بعد الخيام التي سبقت الولادة بسنوات “. الابن الأول لعائلة لجأ أفرادها من قرية “الغابسية ” شمال شرق مدينة عكا الفلسطينية، المولود عام 1957 في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينين، قرب مدينة طرابلس في شمال لبنان، كنت قد أنهيت المرحلة الابتدائية والتكميلية في مدارس الأنروا بالمخيم، وهي مدارس ممتدة على طول شاطئ البحر في المخيم، والمرحلة الثانوية كانت في مدرسة خاصة في مدينة طرابلس، لم يكن سهلاً تأمين القسط المدرسي سنوياً ودفع أجرة النقل ذهاباً وإياباً يومياً من المخيم إلى المدينة. سنوات البلوغ اقترنت بسنوات الحرب الأهلية اللبنانية ونحن داخلها، حيث استشهد أصدقاء على الحواجز لمجرد أن لهجته كشفت هويته الفلسطينية، وظللتُ في السنوات الأولى للحرب متنقلاً في أكثر من منطقة خطرة ومميتة.
المخيم مدرسة النضال، هو مسقط رأسنا وأحلامنا ووطننا المفترض والمتخيل فيه حارات بأسماء ساكنيها، وهم من القرى الجليلية التي اقتلعوا منها عام 1948. تعرفنا من خلالها على لهجات وتقاليد وعادات وحكايا قرى فلسطينية، وكذلك وجوه الرجال ولباسهم الشعبي الذي صار ينقرض تدريجياً وأزياء وأغاني النساء في الأفراح ونواحهم في ساعات الحزن. هناك كانت تفاصيل الحياة تعيش وتنمو وتترعرع في نفس الوعاء الاجتماعي، ليعاد صياغة الذاكرة من جديد، والتي صارت ذاكرة محمولة إلى دول نسافر إليها أو هاجر شباب وسكنوا في منافي جديدة، ولكن ذاكرة المخيم بقيت معهم. كنت ألتقي وأتناول أطراف الذاكرة المخيمية بالأحداث والرموز، فنعرف أيام فيضان النهر، ومتى يهوج البحر، وأيام الاعتداء الجوي أو البحري الصهيوني، وأسماء الشهداء الذين سقطوا، والفصائل الفلسطينية وبرامجها لتحرير فلسطين، وعودتنا إليها. وكذلك صرنا نعرف فيه لماذا نحن فيه، وكيف ينظر إلينا من هم حوله أو يعيشوا خارجه، تشعر لحظتها ما معنى أن تكون “غريب” أو “لاجئ”، حتى شاهدنا الفدائي في السنوات الأولى للثورة، كل ذلك كان له بصماته في طريقة التفكير والانتماء السياسي والكتابة والفن والعلم. كان المخيم فدائياً يوم كان متفوقاً على الجوار، كشكل من أشكال التعويض وتحقيق الذات، وكنت دائماً في بداية تكوين وبلورة الشخصية أحاول التفاعل مع الجانب المبدع في نضال المخيم.

والكتابة كانت هي المزيج الذي صنعته تجربة حياة من والدي أطال الله عمره، والذي يمتلك مكتبة منزلية مميزة وخاصة ومدللة لديه، وهو رسام تشكيلي عنده عشرات اللوحات التي وزعها كهدايا شرقاً وغرباً. وكذلك والدتي فهي أول روائية في حياتي، ما زالت حتى الآن تسرد تفاصيل، وترسم صور بكلمات بسيطة، تأخذني إلى طفولتها وحياتها، وأشياء أراها بعينها وإحساسها، كما هي القرية ومسقط رأسها ومرتع طفولتها الأولى. ولا شك أن انتمائي للعمل السياسي، جعلني متابع يومي لتفاصيل الأحداث وقارئ نهم للأدب الفلسطيني، وأشياء من الأدبين العربي والعالمي.

هناك مثقف ضرير اسمه الشيخ صالح، كان رفيقي وصديقي في مرحلة الشباب بالمخيم، كنت أنا من يقرأ له دائماً، هو يختار الكتب وأنا أقرأها له في ساعات الليل الشتائي قرب موقد الفحم، كانت كتب مختارة ومتنوعة من فلسفة وأدب وسياسة. كانت المنتديات الثقافية في المخيم تشكل نقطة انطلاق للعمل الشبابي، يعنى بالوعي والمعرفة وتطوير العقل، من خلال إقامة المعارض الفنية للمواهب الجديدة والشبابية، واقامة منتديات للقصة القصيرة والشعر والأنشطة الفنية والفكرية، وتوصلنا لتأسيس فرقة مسرح شبابي في المخيم يعرض أعماله في الهواء الطلق، معظم المسرحيات التي عرضت كنت كاتبها وأحياناً مخرجها ومن يرسم ويصور ديكوراتها.
 2. ما الذي يريده مروان عبد العال من كلٍ من رواياته ؟

كالعادة لأن إرادة الكتابة وشهوة الأدب تحديداً مثل النار، إن أكلت تطلب المزيد. ما أريده أن يسعى أبطال رواياتي في مناكب الأرض، لأنهم أسماء وافكار وكلمات وأسئلة، ايفان وجفرا وعرب ومطر وايوب وشيرديل، سبقوني الى مدن وعادوا قبلي الى وطني، وصار لهم اخوة ورفاق واصدقاء واحباب أحياء وشهداء. هذا حقا يفرحني، ويبعث داخلي حوافز العطاء هي بدأت برواية صدرت عن دار كنعان في دمشق ” سفر أيوب ” البطل الذي يتغرّب شرقاً.. يبحث في تفاصيل الليل عن درب في عالم رمادي بلا لون في قمة التيه الجديد. يغور في مسالكها، حدودها، مياهها، أشواكها، ويصبح داخلها مثل حبة نوى في برتقالة. فرق كبير بين أن تعيش المأساة وأن تدركها، وهو نفس الفرق بين أن تكون حزيناً وأن تدرك معنى حزنك. فبين الرؤية القاتمة والإدراك الناصع، يتراوح الوجود بين ظاهر ماثل للعيان ومدرك كلي. البطل ايوب يخلق النبأ العظيم ولا ينتظره كمجرد خبر .

رواية «زهرة الطين» عن دار الفارابي في بيروت عام 2006، ثمة خطان في هذه الرواية: الواقعي البسيط، والمتخيل الذي يلامس حدود الفنتازيا، مثل قصة سيف الفلسطيني الذي يهاجر بحثا عن حب ووطن وعن «مادولينا» الإيطالية التي كان يناديها “المجدلية”. فيسافر إلى إيطاليا على ظهر سفينة فيها أكراد وعراقيون لا يجيدون السباحة. وفي البحر المتلاطم ضل البحار طريقه، وتاه في أعالي الموج. وعندما ظهرت اليابسة توهموا أنهم صاروا عند الشاطئ الايطالي، وتهلل الجميع فرحاً، وتدافعوا نحو البر بالقوارب الصغيرة. وحدث أن اصطدم، في الليل الحالك، قارب سيف بقارب آخر وسقط الجميع في الماء. ونجا سيف ليكتشف، لاحقا، ان الامواج قذفته الى البر الليبي لا الايطالي كما اعتقد. وفي اثناء ذلك فقد ذاكرته ثم استعادها بعد تسعة اشهر، كأنه ولد من جديد. كنت أظنها مجرد تلك «الأخيولة» لمستمدة من قصص السندباد البحري الجميلة لكن صرنا سندباد حقيقي ولم تعد مراكبه مغامرة سحرية في بحار العالم وجزائره بل اضحت “تراجيديا” فلسطينية مرعبة من فصول مراكب الموت وسد رمق أسماك البحر. وسيف الذي انتزع من تراب وطنه، اي من الطين، وجد نفسه في مخيم في الصحراء، اي من مخيم في لبنان الى مخيم في المغرب. .

رواية حاسة هاربة: تكشف الرواية عن حاسة حارة، ممزوجة بخليط من ذوات سبع، تمتد من مغيب وروح ونهر ونار وحلم وتراب وماء. تغوص في أعماق انسانية تنضح بالأحلام والذكريات والقلق والتوتر والثورة والغضب والتمرد. حاسة هجرت المكان تبخرت من جسد متعب وحملت هويته الى خلف الحي النهري في مخيم استيقظ على كابوس فجائي، كي يبدأ الجريان خلفها عله يعثر عليها، ويستعيد ترميمها في نفسه بكل ما تحتوي من المشهد، هو نفسه عرضة للقتل، ولكن روح المكان وهويته تنبض في تنفس تفاعلي وجماعي وتحويلي يفجر داخل النفس ذاك الإنبعاث الأكثر فظاعة في مسيرة الروح الحسية.

الرواية بمنطوقها الانساني والجماعي، هي سرد داخلي يبدأ بأسئلة محيرة ، باردة، ولكن باطنها يفصح عن احتراق ممتنع ومميت ومتوتر، معاناة الانسان القابع في تلك اللحظة من الرعب والخوف، لحرب ليست له لكنها عليه، وفي وطن مؤقت بدل عن وطن ضائع. يتردد صدى السؤال، لماذا المرأة في ظل احتراق المكان تبحث عن سرير؟

أما رواية “جفرا لغاية في نفسها ” قصة فلسطينية كلاسيكية، يتداولها الفلسطينيون منذ النكبة، وكأنها ارتبطت بها، عن مغن ينشد أهازيجه لفتاة سماها (جفرا) على سبيل التقية، في مجتمع لايسمح بالغزل المباشر، فكيف إذا كان هذا الغزل أغان سرعان ما تناقلها الناس فصارت جزءا من ذاكرتهم التي لاتتبدد، ذاكرة تحرس حلمهم، المتبدي كـوعد الفتى المجاهد لحبيبته الموعودة والمخفية و السرية!

ثم رواية “ايفان الفلسطيني” ايفان وعرب وجهان لإنسان فلسطيني واحد قسّمته الغربة , يتحاوران في سرد ذاتي عميق، بعد سنوات من إنكار للذات وللماضي معا. يتّحد نهر الحوار في النّهاية الى انكسارات واحدة .

عرب المولود في غربة مخيّم فلسطيني، تقذف به الاحلام الكبيرة الى غربة جديدة نحو مدينة ” دورتموند” جنوب غرب ألمانيا، يبدل اسمه الى ايفان ، هربا من الذكرى، هذا الاسم الذي تقع فيه أزمة الهوية وتطرح على وقع هذه الاشكالية أسئلة الهويّة الذاتيّة . عبر سؤال صارخ : من هي الضّحيّة , ايفان أم عرب ؟ من قتل من ؟ وتنتهي الأحداث بانتحاره هو في محاولة منه لقتل أسئلته وقتل غربته المؤلمة عن نفسه وعن اسمه..

الاخيرة كانت” شيرديل الثاني ” رواية عن دار الفارابي عام 2014 تستعرض شخوصا وأحداثا من عمق النسيج الحكائي للرّواية، لتضيء وجه بطل لا تنافسه ولا الأسطورة ذاتها. هو البطل الفكرة، الحدث، يلفّ ثورات الشّعوب بخيط إصراره على إذكاء فتيل الوطن عبر المقاومة.
 3. في ظل الانحدار الذي يشهده العرب، هل تعتقد أن الرواية ـجزءاًـ والأدب ككل قادر على أن يشذ عن هذا الانحدار؟ وهل لدى الأدب القدرة على البناء في ظل كل هذه الأزمات ؟ وكيف ؟
حسب قول كافكا “أن نكتب يعني أن نهجر معسكر القتلة..” انا اضيف انه علينا ان نقاوم معسكر الجهلة كذلك. وعندما أقول مقاومة الجهل أي الظلامية والتكفير الذي يهدف الى نفي العقل بأعتبار ان الادب شكل من اشكال الوعي، وكما قيل فان الرواية ديوان العرب ونوع هام من الادب الذي اراه كعلم جمال المقاومة، الادب المقاوم والذي أسهم في صياغة الهويه الوطنية ومعنى الالتزام بقضايا الامة والانسان وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، سواء كانت بابعادها سياسية ام اجتماعية ام الانسانية، ما يجرى هو معركة احتلال العقل ومصادرة الشخصية الوطنية وتمزيق الانتماء القومي، حتى قتل انسانية الانسان العربي وقيمه الجمالية بكل ادوات البشاعة واكثرها تخلفا وسوداوية وقبحا وزيفا. حتى الذاكرة التاريخية كانت ولا زالت تتعرض للحرق كما المكاتب والمتاحف والمراكز الاثرية والثقافية، وغدا تعريف المواطن “الصالح” ان يكون بلا رأس تمهيدا لصناعة أوطان بلا رأس، كما تعرض العديد من الادباء والكتاب الى الاستشهاد او الاعتقال او الابعاد او الاصابات او فرض الاقامة الجبرية، الاديب عندما يكون نبض الناس ويرتبط بقضايا شعبه والالتزام بها وتسخير ادواته المعرفية لخدمتها والتعبير عنها، هذا ما يبقيه ادبا خالد، لازالت أسئلة وكلمات واسماء وابطال روايات غسان كنفاني تتردد حتى الان والى اجل مسمى، لأنها ساهمت ولازالت في تكوين الهويه الثقافية بل هي كانت المبتدأ والمقاومة هي الخبر، هنا فأن السياسة كانت ولا زالت في دائرة العمل الادبي وضمن معياره الفني، ولكن خسارة المعركة تبدأ من اللحظة التي يصادر فيها السياسي دور ومكانة الفعل الابداعي، ويحوله الى ملحق او ذنب للسلطة ، ويوم يستهين بالعطاء الادبي ليس كمادة للتحريض السياسي، بل كوظيفة نضالية في اطار متكامل قد يجعله الاكثر فعلا وتأثيرا في تشكيل وعي الجماهير القادر على مواجهة التحديات .

4 على الصعيد الخاص: في ظل الإخفاق المتواصل وعدم قدرة الثورة الفلسطينية على تحقيق مبتغاها “التحرير” حتى الآن، هل تعتقد أن الأدب والرواية يعوضان مروان عبد العال عن هذا الإخفاق ؟ وكيف؟

الهزيمة الحقيقة هي هزيمة المعنى والقيم والروح وليس الهزيمة بالمعنى العسكري أي المعنوي وليس المادي، والأدب هنا ليس تعويضا بل هو جزء من القيم وبذلك غاية الثورة، بل ان “بارميتر” الاخفاق يمكن قياسه من ناحية الهبوط بالمستوى الثقافي بشكل عام وكيف بالادب الذي هو روح الشعب ؟؟ من هذه الصفة بل من خلال إدراك أن الأدب غاية أسمى لخدمة قضيتي الإنسانية، ومع سابق الادراك بأن باب الرواية لا يتخذ متكئاً على عدالة قضية فلسطين، بل على ذاكرة طازجة حافلة بتفاصيل إنسانية بالغة الدقة هي وطن معنوي استمده كتعويض عن وطن ضائع كان ولا يزال لانه مغتصب ومحتل وضحية خديعة تاريخية ولا تزال مستمرة، يحق لي ان اكتب انكساراتها كما حنينها وانتصاراتها، حتى ننتصر على عبثية السياسة وتذبذباتها باللجوء إلى ساحة الثقافة، ساحة من البياض يملؤها فقط سواد الكلمات وفراغات البياض، وحيوات وأرواح تبحث عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها. المصادر التي اتكئ عليها في كتابة الرواية وفي رسم لوحاتي هي تجديد الذاكرة حتى لا تصدأ..او تذوب. لأن وظيفة الابداع بنظري وخاصة السرد منه هو في حل لغز الذاكرة ضمن صياغة جديدة حتى تخرجها من الاقصائية او التضاد، ان النموذج الصحيح يكون من بوابة تحويل العواطف من ذاكرة جامدة الى ذاكرة حية ، كما فعل الادب الفلسطيني المقاوم شعرا ورواية وفكرا.
الهم الذي احمله واعمل كما احلم بايصاله من خلال الادب. هو صيانة “المعنى”.. خسارة المعنى هي المقدمة الاولى لخسارة الحرب ، شرط النصر هو استمرار الكفاح من اجل انتاج الغاية الجامعة و الفكرة المحفزة تلك القوة الروحية في ميزان المعنى والمعنويات مثل “معنى فلسطين” .

الصراع مستمر بين جبهتين، واحدة تحمي معنى فلسطين تعيد انتاجه باستمرار في العقل والوجدان والروح ، من جهة اخرى جبهة تسعي لخلق التباس بين النضال ومعناه بين الوطني ومعنى الوطن من اجل نفي وجوده وتدميره ومحوه ان استطاع! كيف؟ اذا ساهم الادب المقاوم في وعي الهزيمة ، دون المبالغة بالوجع او المبالغة بالبطولة ، لانه ليس الهدف صناعة “سوبرمان” الذي لا يهزم او “دون كيشوت” تلك الشخصية الوهميه. نحتاج للحقيقة كي ينتصر الحق، وهذا يمكن عبر تأكيد الوعي التفاؤلي بروح نقدية وبأفق إنساني يسعى لمواجهة الظلم والظلام والظلامية والاستهتار لانها الشكل المكمّل للجهل والقهر والاستعباد والاحتلال. مقياس قدرة الادب على الابداع عندما يسهم في خلق الحرية التي يحتاجها في نفس الوقت وبها يحفظ قيمة “المعنى”. هذه هي غايته الانسانية .

 5ماذا عن عبد العال الفنان التشكيلي؟

إنها هواية وفسحة ومحطة هكذا اعتبرها، والفنان داخلي ولد بالفطرة وتعلم بالتجربة والتعلم الذاتي المعرفي. تخيل طفل ولد مع مواد الرسم في بيت جدرانه مليئه باللوحات التي لونها الوالد وفي أدراج البيت تعرف على ألوانه الزيتية والمائية والفحم لعبته المحببة منذ نعومة اظفاره. وصار النشاط الفني موسمي دفعني للمشاركة في عدة معارض فنية بالمخيمات وكذلك في مدينة طرابلس وخاصة صالة الرابطة الثقافة وفي معارض عامة في بيروت / الاونيسكو .وكذلك في عرض من خلال غاليري في الحمرا وغيرها وليس غريبا ان تكون لوحاتي هي اغلفة رواياتي. وحرفيا نمت الموهبه بالممارسة منذ الطفولة ، على جدران المخيم ومقاعد الدراسة ودفاتر الحساب وخلف غلاف كتاب التاريخ ، كما وصفته يوما في أقصوصة عن فتى (.. يحفر لوحته على مقعده الخشبي المدرسي، كانت لوحة متشعبة في ملاحم اغريقية الوجوه، فنتازية الحركة ، يضيف لها في كل حصة قصة . يتحلق حولها سائر أولاد الصف، وفي الاستراحة يزورها ابناء الصفوف المجاورة. جدارية تشبه “غارينكا” على طاولة الدرس وينظر لها الأستاذ بإعجاب ، قبل أن يلوي شفتيها سائلا: هل انت من رسمها؟ تنقلب الابتسامه السرية المواربة الى عبوس سلطوي، تقتضيه هيبة الوظيفة . لينال الفتى صفعة مفاجئة وصراخ هستيري مفتعل : هل هذا المقعد ملك أبيك؟ كي تعبث به كما تشاء؟)

6هل الفن التشكيلي استمرار للمشهدية في الرواية أو هو العكس عند مروان عبد العال ؟ و لماذا ؟

هناك أوجه شبه بين الكتابة والرسم، احيان تكتب بالريشة وترسم بالكلمات، لكن الفرق اني اعتبر الرسم حالة فيها قدر اعلى من الخصوصية، اشبه ما يكون بحوار عميق مع النفس، واحيانا حالة تنفس ذاتي لكن بالالوان والحركة والضوء وانها لو وصلت الى حالة الانفجار يمكن ان تنغمس بسهولة وتخمد في باطن الانسان. بينما الكتابة انفجارها تشظي وصدى يسمعه كل الناس ويترك تفاعالات اوسع تأثيرا ، فالكتابة تتفوق بأن اعتبرها اقل نخبوية واكثر شعبية ، وكون الرسم حالة خاصة وبنظر العامة انها مجرد ترف، ولزوم ما لا يلزم، فاحيانا تولد الرغبة تلقائيا بدون تخطيط مسبق وربما هروب مستحب نحو العبث بألوان في مساحات من الشغف ، لكن لماذا ؟ الجواب تصيغه تلك الحالة.

7كيف يرى عبد العال تأثير التطور التقني على القراءة رغم أننا لا نقرأ ؟ وهل من أفق لعلاج هذا الجهل والتجهيل المستشري؟ وكيف ؟

أقل نسبة اصدقاء للقراءة هم من أمة إقرأ مع الاسف الشديد، الاحصائيات بهذا الخصوص صادمة ومؤلمة ، لا يكفي ارتفاع مستوى الامية بل ايضا مستوى القراءة مثلا هناك مقارنة تقول ان الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة, فإن 80 عربياً يقرأون كتاباً ، من المسؤول عن تعميم الجهل؟ من لا يعرف نفسه لا يعرف عدوه بل هو عدو نفسه، علينا ان لا نحمل المسؤولية على الانترنت، لان الاتصالات نعمة وليست نقمة، شرط أن نجيد استخدامها،
وبالمناسبة ووفق معرفتي ومن خلال دار النشر فإن الكتاب الإلكتروني لم ينتزع مكانة الكتاب الورقي، لما في الكتاب الورقي من متعة وتفاعل وطقوس وغيرها، لذا علينا ان لا نحيل الجهل الى الإنترنت، لأن الانسان مسؤول عن نفسه وقد يقتل ثقافته بنفسه ، اشبه بأنتحار ثقافي، وهنا ليست التكنولوجيا وحدها هي ادات القتل، وانها من ستقضي على القراءة، بل سياسة التجهيل، وتتفيه الانسان وتشيئه اي تحويله الى شيء اي لا شيء، او عبارة مادة يمكن استخدامها وتصنيعها وتشكيلها ومن قبل الثقافة المضادة التي تمكنت على هذا الصعيد من استخدام كل ادواتها الحديثة لسرقة الوقت عبر برامج سخيفه وممله وبلا معنى سوى تعميم التفاهة لتصبح دوافع استخدام الإنترنت لدى المواطن العربي من دافع الترفيه بنسبة 46%، بينما دافع التماس المعلومات يبلغ 26%، هكذا تعجن قوى التخلف مجتمعنا، وتريده على صورتها، السؤال كيف تصيغ قوى التقدم نفسها أولا ، تبني ذاتها الثقافية قبل غيرها كجزء من هويتها ، كيف للطليعة الثورية ان تستعيد مصداقيتها باقران القول بالممارسة ، لا تنهي عن خلق وتأتي بمثله ، اي ان تقوم التقدمية بفعل الرجعية بعلم او دون علم، مثلا ان تحارب الأمية وهو متفشي فيها ، او ان تعادي الثقافة في صفوفها وتطالب بتثقيف الشعب تنشره الذي تنتسب وتقاتل من اجل تطوره وحمايه مستقبله، نحتاج الى الاستراتيجية ثقافية، تعتمد على سياسة تنوير، كطريق ضروري وثالث بين التجهيل والظلامية من جهة والاستلاب والتغريب من جهة اخرى، تبدأ من خطوة متواضعة تؤسس لعادة المطالعة في كل مكان، وتضع لها اولوية في موازناتها وجهدها وفعلها ،هذا ان اعتبرتها فعل وطني وحضاري وانساني يحدث ذلك عندما ندرك قوة المعرفة، فقط كي يكون لنا محل من الإعراب.