نائل محمد أبو لبدة

نائل أبو لبدة .. صورة تجتاحها الأنواء في وهج التحدي .. ترتقي فيها التفصيلات ائتلافاً والليالي تورث الأنوار صحواً .. يا لهذا المقاتل .. كيف انساق علماً في حزبنا .. ضج بالرصاص ارتشافاً .. أغرق الجبهة بشمس لا تغيب .. إننا رأينا نائل يقاتل على عيدٍ أذاعوا فيه أن الليل عارٍ من القمر .. والشمس بعيدة عن الظل .. والفجر فينا امتداداً للسفر .. فعبر نائل ما لا قد عبروا .. نائل أبو لبدة .. أي جمرٍ يطلق ذلك الاحتراق القادر على تحويل الجسد إلى عبوة .. ينبت سنابل قمحٍ وزهر ليلك واخضرار المروج .. أي بطل ذاك الذي يتقاسم مع البندقية الروح والنفس والفكرة .. غير عابئ بما تبقى من العمر .. باخضرار المداد وانهمارات السكون!! الحديث عن نائل .. لا يؤخذ بمعزل عن مدرسة وجيلاً من الاستشهاديين .. هم من صنع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. هم ممن عبدوا طريق الكفاح والمقاومة .. حتى غدوا بأجسادهم الطاهرة أوسمة شرف تزين أجبنة الألوية والوحدات العسكرية الجبهاوية التابعة للجهاز العسكري الجبهاوي الضارب .. "قوات المقاومة الشعبية الفلسطينية" كتائب الشهيد الخالد أبو علي مصطفى. الحديث عن نائل .. هو الحديث عن بركان البارود المعبأ بعذابات وآلام ونكبات شعب .. يُذبح منذ أكثر من ستون عاماً .. لذا كان لابد لهذا البركان من أن ينفجر انتقاماً وحساباً جبهاوياً عسيراً في وجه من يقتل البسمة في وجوه أطفال فلسطين .. فكان القسم الجبهاوي الصادق هو يمين رفيقنا نائل .. مقسماً بالبرق العربي النابض من صور الشهداء .. بأن يبقى ظله فوق الأرض وأن تبقى الثورة حمراء .. على ألا يكون إلا نداء وألا يموت إلا بين زخات الرصاص .. فتقدم تشده رحال الأقدام تقرباً إلى حيث ساحة الشرف .. إلى حيث انتصار الدم والعظم على جنازير الآلات العسكرية .. لم يكن وحده حينها .. بل كانت معه عذابات وصيحات المعذبين والمحرومين والثكالى .. كانت ترافقه أرواح شهداء جبهتنا وثورتنا الصادقة .. وأمام لحظات المفارقة الصعبة ما بين الحياة والموت اجتاز سياج الموت اللعين .. وكل أجهزة الإنذار والكاميرات وأبراج المراقبة المزروعة في محيط مغتصبة "نتسر حزاني" .. وليستمر تعداد خطاه إلى الأمام .. بلا تراجع .. بلا تردد .. بلا قلق .. ليجد نفسه وبكل ما تختزله تلك النفس من رجولة وتضحية وتفاني وصدق أمام ما كان يتمنى أن يكون به من موقف .. ليثور بركاناً جبهاوياً مضغوطاً في منتصف مغتصبة "نتسر حزاني" مترجماً برشاشه وقنابله الجيفارية ما اختزلته تلك النفس البشرية من طاقة انتقامية وثأرية لتلك النازية الصهيونية المتوراثة قتلاً وعربدةً وتدميراً وتخريباً وتهجيراً .. لتنتصر شجاعة ورجولة المقاتل الجبهاوي في ظل معادلة لا تخضع لأدنى معايير المقارنة .. حيث مقاتلاً جبهاوياً لا يمتلك سوى وحدة نارية وقد تنقص عن ذلك .. والقليل من القنابل اليدوية محلية الصنع .. وفي المقابل ترسانة عسكرية صهيونية تتكدس بمساحة مغتصبة .. قادرة على أن تخوض حرباً نظامية بكامل العتاد. لينقض عليهم رفيقنا في مواقع حمياتهم مشكلاً صورة من أرقى وأروع صور الملاحم البطولية .. وليستمر في عراكه معهم حتى تمكن منهم مشتتاً شملهم خلف قوالبهم الحجرية .. صاباً عليهم رصاصته في كل صوب .. جاعلاً دمائهم تنزف عبثاً في كل مكان .. موزعاً أدوار ومصائر أعدائه من جنود .. ما بين قتيل وجريح وهليع. فما كان من تلك الطاقة العدائية الشرسة التي تحتوي عليها تلك المغتصبة في حينها .. إلا أن تتكالب مجتمعة على هذا البطل العنيد .. الذي كان يقاتل متوسماً في تلك اللحظات بوسام القائد المقاتل الرفيق إسماعيل السعيدني .. وكالعادة صدق مقاتلو الجبهة الشعبية يلزمهم دوماً بتقديم أرواحهم مع بقائهم حافظين لشرفهم وكرامتهم .. وهذا ما كان لنائل من مصير .. حين سقط مضرجاً بدمائه .. مطرزاً بأوسمة شرف تشرّف بأن يتلقاها جسده الطاهر عن مبدأه .. نالت تلك الرصاصات من جسد رفيقنا .. ولكنها لم تنل من مبدأه وفكره وبرنامجه وطريقه التي بقيت جسراً للرفاق من بعده .. لتتوارثها جموع الرفاق للقاء العدو وإعادة إحلال ما أحل بهم نائل ومن قبله إسماعيل .. وحقاً العهد كان صادقاً والرجال كانت ولا زالت لم تتغير ولن تتغير .. فراية الكتائب هي راية نائل وآثاره بقيت مشروعاً جبهاوياً متوارثاً .. ليتقدم من بعده شادي نصير وسعيد المجدلاوي وخليل شحادة .. والطريق من بعدهم بقيت مفتوحة لا سيما وأن العزائم لا تزال تمتلكها الرجال وستبقى .. والبنادق ما زالت معلقة على الأكتف وستبقى .. والطريق ما زالت معبدة وتزداد طولاً مع كل مشوار تخاذلي يقبل عليه هذا الفريق أو ذاك المتنفذ أو غيرهم ممن يستجيب لبرامج الحركة الصهيونية العالمية. أما المعادلة الجبهاوية فهي ملك لكوكبة تزيد عن ثلاثة آلاف شهيد .. قدمتهم الجبهة على مذبح الحرية .. وقضوا على نفس تلك المعادلة دافعي استحقاق تحديهم أرواحهم .. "فإما أن نكون أو لا نكون" ولعل كتائب الشهيد الخالد أبو علي مصطفى جاءت لتؤكد على أننا لا نقبل على أنفسنا دوماً وأبداً إلا أن نكون ولا خيار أمامنا إلا وكما قال غسان كنفاني "إما عظماء فوق الأرض وإما عظاماً في جوفها". نائل الميلاد والنشأة والمشوار الكفاحي: لا يولد ولا يصنع الأبطال عبثاً .. فلعل ظروف القهر والحرمان وحياة الذل التي يتجرعها الفلسطيني ساعة بساعة، ظرفاً موضوعياً قهرياً على أرضية تتوالد القيم والأنفاس والحالة الثورية .. ورفيقنا نائل ما كان إلا واحداً ممن تجرعوا قهر وذل الاحتلال .. فهو ابن المخيم الذي لا زال يعاني آلام نكباته منذ العام 1948، فأي حياة هذه والتي من الممكن أن تتحدث عنها عن نائل .. وهو ابن مخيم المغازي الصامد .. حيث ميلاده ونشأته ودراسته التي لم تتواصل نظراً لظروف الحرمان والتي وبسببها ينقطع الآلاف من أبناء المخيمات عن مواصلة مشوارهم الدراسي نظراً للقلة والعوز. نائل منذ الصغر لم يكن طفلاً عادياً حيث بدت عليه ملامح الرجولة والصدق والوفاء وهو دون العاشرة من عمره .. فكان محباً للناس مخلصاً لهم مساعداً للجميع .. عاطفاً على الكبير والصغير .. تراه دائماً متقدماً الصفوف في كل الساحات والميادين .. مبادراً من الدرجة الأولى .. وغير هذا وذاك والكثير من الصفات الثورية والإنسانية التي استحوذ من خلالها نائل حب الناس واحترامهم له. عرف نائل بوطنيته الصادقة وهو في سن مبكر .. حيث كان أمله وحلم حياته أن يقدم شيئاً لهذا الوطن وكان دائماً معبراً عن استعداده للتضحية ولتقديم روحه رخيصة فداءاً لفلسطين ولأجل أن تتوارث الأجيال الحرية من بعده. - كان من أبرز المشاركين في إحياء وتفعيل المناسبات والنشاطات الوطنية، كما وكان له دوراً مميزاً دوماً في إنجاح هذه النشاطات والفعاليات. - نال شرف عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مستحوذاً صورة وخبرة جبهاوية عريقة في فترة زمنية وجيزة حيث كان مهتماً بتوسيع مجالات خبرته وآفاقه وترابطه بقيم وأهداف ومبادئ الجبهة الشعبية .. مشكلاً بذلك نموذجاً مميزاً استحق على اثره وبكل جدارة من أن ينال هذا الشرف. - مع بداية اندلاع انتفاضة الأقصى التحق بصفوف الجهاز العسكري الجبهاوي "قوات المقاومة الشعبية الفلسطينية" التي حملت اسم الشهيد الخالد أبو علي مصطفى بعيد استشهاده. - شارك في العديد من المهام القتالية والتي برز من خلالها كجندي مخلص متفاني مبرراً وبكل صدق ووفاء استحقاق ثوريته وانتماءه إلى الجهاز العسكري، غير متباطئ أو متواني عن تنفيذ أي مهمة. - بتاريخ 12/12/2002 قام باقتحام مغتصبة "نتسر حزاني" إلى الجنوب الغربي لمدينة دير البلح ممثلاً باقتحامه صورة جبهاوية قتالية مشرفة، ليقتل ويصيب العديد من الصهاينة حسب اعتراف اذاعات العدو في حينه، واستشهد أثناء تنفيذ العملية، صاعداً بجبهته وكتائبه وقضيته. هكذا انتهت سيرة رجل عرف معنى البطولة والرجولة خاطاً بدمه الطاهر "نموت لنروي تراب هذا الوطن بالمزيد من الدماء التي بها يتواصل الكفاح والعطاء والتضحية من أجل الانتصار على أعداء الانسانية" إن من يتحدث عنا كشعب يحب الموت لا يعرف أننا نصير بالموت إلى آفاق الحياة الحرة الكريمة. خطوة أو خطوتان وننتصر ليلة أو ليلتان وننفجر وحتماً لمنتصرون