رسالة الى غسان كنفاني ٢٠١٥

حجم الخط




١-
ا
طمئن يا غسان، أسلحة العرب لم تصدأ قبل استعمالها وتجريبها، ولم تذهب أثمانها هدراً. واكتسب الطيارون الحربيون خبرات واسعه في التحليق والمناورة والحاق الاصابات بالعدو. لا تستعجل الاستنتاج يا غسان، ليس الأمر كما تعتقد، لا لم تستعمل أسلحتنا ضد عدونا التقليدي" اسرائيل "، فمنذ سنوات تغيرت معادلات العداء والصداقة. والتبست الإجابة على سؤال " من هم اعداؤنا ومن هم اصدقاؤنا".

٢
عودة الى سلاح العرب يا غسان، دول الخليج الغنية تحارب ضد النفوذ "الإيراني" في اليمن، نعم يا غسان، النفوذ الإيراني في اليمن... هذا النفوذ " الذي يستهدف الامن القومي العربي " استفاق العرب لمحاربته الآن " أما النفوذ الايراني في عهد الشاه واحتلاله لجزر الإمارات كان من حقائق الجغرافيا السياسية وجب معالجته والتعامل معه بحكمة. أما كيفية مكافحة التغلغل الصهيوني والنفوذ الامريكي وتدخله في كل شؤون المنطقة وخطره " فما زال قيد الدرس من قبل " فقهاء الأمة" والمراجع " القرضاوية". اما عن النفوذ التركي فهذه مسألة ثانوية " ان حرص تركيا على " سُنة سوريا" يبرر لهم التدخل في الشأن العربي دون ان يمس تدخلهم " بالأمن القومي العربي". تصور يا غسان ان مشيخة قطر باتت الحارس الامين على الأمن القومي العربي.

٣
كنّا عرباً يوم رحيلك، يحكمنا ملك وسلطان وأمير وديكتاتور، لكن كنّا مواطنين. اليوم ما زال يحكمنا ملك ورئيس " شرعي" وآخر " انقلابي " وسلطان وامير وديكتاتور، الذي تغير اننا لم نعد مواطنون عرب، فبتنا شيعة وسنة وعلويون وأقباط وحوثيون ويزيديون وازاديون واكراد وطوائف ومسميات لم ترد في القواميس السياسية لعصرك.
وبمناسبة الحديث عن الحكام أود اعلامك أن نمطاً جديداً من المستبدين أضيف الى لائحة الحكام، انه " الخليفة" البغدادي والذي تمتد رقعة مبايعيه ونفوذه الشيطاني من الموصل الى هولندا مروراً بنيجيريا وغيرها من اصقاع الارض، اطمئن يا غسان، فهو قرشي أباً عن جد وقد تحقق أمير جماعة "بوكو حرام" النيجيرية من شجرة عائلة "الخليفة" البغدادي قبل مبايعته. لم تعد الانتخابات وصناديق الاقتراع من تحدد الحاكم، باتت المبايعة هي الأسلوب.

٤-

عودة الى سلاح العرب يا غسان، دول الخليج الغنية تحارب ضد النفوذ "الإيراني" في اليمن، نعم يا غسان ، النفوذ الإيراني في اليمن... هذا النفوذ " الذي يستهدف الامن القومي العربي ". استفاق العرب لمحاربة ذاك النفوذ الان " أما النفوذ الايراني في عهد الشاه واحتلاله لجزر الإمارات كان من حقائق الجغرافيا السياسية وجب معالجته والتعامل معه بحكمه. اما خطر النفوذ والتغلغل الصهيوني وتدخله في كل شؤون المنطقة وخطره على الامن القومي العربي فبات امراً ثانوياً اما كيفية مكافحته والحد من تأثيره فمسألة قيد الدرس من قبل " فقهاء الامه" والمراجع " القرضاوية". اما عن النفوذ التركي فمسألة لا تستدعي تناولها. ان حرص تركيا على " سُنة سوريا" يبرر لها التدخل في الشأن العربي دون ان يمس تدخلهم هذا " بالأمن القومي العربي". تصور يا غسان ان مشيخة قطر باتت الحارس الامين على الامن القومي العربي،

٥-

احتار المواطن " العربي" يا غسان، بل ارتبك. قبل سنوات، كان النظام في العراق وبعد القضاء على نظام البعث جزءا من الحلف الامريكي الذي نشأ بعد الحرب. اليوم بات هذا النظام وبقدرة قادر احد مكونات " قوى محور الممانعة" و على ارضه تنتشر قواعد أمريكية واخرى غربية دفاعاً عن " وحدته ضد مخاطر تقسيمه "وبات الكيان الصهيوني لدى "قوى محور الممانعة" خطراً مؤجلاً " وكذلك الامر مع محور " التضامن العربي المصري السعودي- الخليجي " والسوداني والاردني والمغربي الحريص على " الامن القومي العربي".

٦-

ماذا اقول لك يا غسان عن " الربيع العربي المزعوم ". لم يزهر سوى نبتاً أمر من العلقم، فما بين مطرقة انظمه قمعيه، تعتقد ان بقاء رموزها على رأس السلطة هي الضمانة الوحيدة للوحدة والتحرر ومقاومة المؤامرات الخارجية، وسندان معارضه لم تنضج بعد لتتحمل مسؤولية التغيير. معارضه امتزجت ألوان طيفها، فمنها الوطني الديمقراطي الذي لا حول له ولا قوه واخرى معارضة " تعهدات ومقاولات سياسية " تحدد القوى والدول الخارجية مواقفها وسياساتها ودورها وسعرها. لك ان تتخيل حجم الدمار في البنى التحتية والصناعية والإسكانية في سوريا واليمن وليبيا. وبغض النظر عن سيفوز بالتحكم في مصير شعوب تلك البلدان، فالفوز الاكبر سيكون للدول الغنية الممولة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات البنكية والاستثمارية التي لا بد ان تقدم القروض ورهن البلاد وتحديد سياساتها ومستوى خدماتها الاجتماعية. فسوريا على سبيل المثال والتي لا تعاني من عبء الديون الخارجية ستصبح سوريا المرتهنة لفائض رأسمال الخليجي والدولي الغربي. وستكون خصخصة كل البنى التحتية هي 
السبيل الوحيد لتسديد الديون.... وداعاً لقمة العيش ومجانية التعليم والخدمات الصحية.... واهلاً ب ً الاقتصاد النيوليبرالي وتطبيقاته .....

٧-

كلنا يعلم يا غسان محبتك للبنان وشعبه واسلوب الحياة فيه. لم تعد الامور كما كانت، ولم يعد المثقف والاكاديمي واليساري اللبناني والصحافي الحر هو ذاته يوم استشهادك، كثيرون منهم باتوا على جدول رواتب " المملكة والمشيخات المحيطة". وبات عدد اخر منهم كتبه ومنظرين لعبقرية "الشيخ سعد" الذي ورثهم عن والده. ما زالت طبيعة السياسة في لبنان لغزاً غير قابل للحل . فلبنان الدول الوحيدة في العالم التي من الممكن ان يستمر فيها الوضع كما هو حتى لو افتقدت الى سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية .... وتسأل اي مواطن في لبنان؛ كيف الحال؟ ويأتيك الجواب؛ ماشي الحال....

٨
تلاحظ يا غسان أني أتهرب من تناول الموضوع الفلسطيني، عليك أن تتحمل بعض الشيء. فوضعنا يزداد تأزماً وتراجعاً. فمن أين ابدأ بإزعاجك؟ رغم مئات الفضائيات الإخبارية ، الا ان الخبر الفلسطيني يتم تغييبه . عام ٢٠٠٩ كتبت لك عن الانقسام الفلسطيني والحوار المتعلق " بإعادة اللحمة". ما زلنا يا غسان نتحاور ونضع شروطاً لحوارنا، نتفق في الحوار ونبدع في اختلاق الاختلاف حتى ننقض ما اتفقنا عليه. انها إغراءات السلطة والنفوذ. أطراف الانقسام تحاور العدو بدون شروط. مهزلة يا غسان... سلطة غزه تتسول أموالاً لإعادة الإعمار وسلطة الضفة تتسول لدفع رواتب الموظفين... سلطة غزه تعلن استعدادها للاتفاق على هدنه طويلة الامد مع " اسرائيل " وسلطة الضفة تستمر بالتنسيق الأمني معها. الاولى تفاوض سراً وتستنكر سياسية التفاوض " العباسية" والثانية تفاوض علناَ وتستنكر مفاوضات حماس السرية......

٩-

أخشى يا غسان ان نتحول الى " غزازوة " و " ضفاوية" و " لاجئي سوريا" ولاجئي لبنان" " ومواطنين اردنيين". وفلسطينيي  ال ٤٨، وكل تجمع " يقلع شوكه بإيده". والاطار الجامع " م. ت. ف في حالة غيبوبة متعمدة . بات حق العودة الى مخيم اليرموك هدفاً يا غسان، وكذلك الامر مع " حق العودة الى مخيم نهر البارد"... وليس امام من فقد الأمل بالعودة الى المخيم الا ان يختار الهجرة و الرحيل الى الغرب بعد ان يجتاز امتحان الموت على متن قارب او باخره صدأه قبالة الشواطئ اليونانية او الإيطالية.

١٠

تسألني عن اوضاع الفصائل والتيارات السياسية وموقف كل منها مما يجري على الساحة الفلسطينية.... باختصار يا غسان، الوضع " لا يسر لا صديق ولا عدو " فتحرير فلسطين مؤجل ... فتح رغم انقسام تياراتها، الا ان كل التيارات فيها تتوحد لضمان هيمنة سلطتها الكاملة في الضفة الغربية. حماس والتيارات الإسلامية تبذل جهدا للحفاظ على هيمنتها في غزه وعينها على الضفة الغربية، اما اليسار بكل توجهاته، اذا ما زال لديه توج، يعمل جاهداً للحفاظ على تراثه ووجوده... يسار مزدوج الشخصية... مشرذم ... متعدد الرموز.... محدود التأثير.... وهذا الوضع ينطبق ايضا على القوى الاحزاب الفلسطينية في ال ٤٨. متوحدون في الكنيست ، مشرذمون في المدن والقرى الفلسطينية... وبالرغم من الانتصار وصمود شعبنا في غزه وهو يقف في عين الموت وحده ما زال شعبنا يعاني الامرين، ما بين ويلات الحصار الذي يفرضه الشقيق والعدو واثار العدوان الهمجي الصيف الماضي والذي استمر لاثنين وخمسين يوما ..... وفي الضفة الغربية فإن معاناة شعبنا تزداد مع استمرار الاحتلال ومستوطناته السرطانية، اضافة الى ضرائب السلطة وسلوكها القمعي وديون البنوك...كثيرون منا باتوا مرتهنين للبنوك يا غسان... والمرتهن ببيته وسيارته ووظيفته لا يفكر بالنضال بقدر تفكيره بسداد ديونه والحفاظ على مستوى واسلوب حياته الشخصية... ليست نظرية المؤامرة... انه واقع الحال....

١١-
لا تحزن كثيراً يا غسان للوضع الفلسطيني، ما زال هنالك امل، فحركة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية التي حدثتك عنها قبل سنوات باتت حقيقة سياسية قائمة. حركة تحقق انجازات وتثير مخاوف جديه لدى قادة " الكيان الصهيوني". التأييد والتضامن الشعبي والمؤسساتي الدولي بات اقوى من اي مرحلة سبقت .. كيف نكون في أضعف حالاتنا على المستوى المحلي ونكون في اقوى حالاتنا على المستوى التضامني الدولي؟ انه بفضل وفعل الجيل الجديد من الطلبة والاكاديميين الناشطين في دول الشتات والبعيدين عن تلوث السلطة وفساد العديد من المنظمات غير الحكومية...

١٢-

غسان، لم اتعمد إزعاجك برسالتي هذه لكن كي تطمئن اود في ختامها اعلامك ان " كرمل " بدأت تنطق ببعض الكلام، وتردد اسماء القرى والمدن الفلسطينية وتحمل مفتاح بيت جدها في فلسطين وقريباً ستلتحق بمؤسسة " غسان كنفاني الثقافية". وستواصل السير مع "حنظلة" باتجاه فلسطين... المسألة مسألة الوقت يا غسان، اطمئن سنستعيد البوصلة.... غسان الى اللقاء

* ناشط فلسطيني وعضو تحالف مكافحة العنصرية الصهيونية في كندا