"وعد”: الإصلاح الحقيقي هو الطريق لحل الأزمة السياسية الدستورية

حجم الخط

يصادف الثالث والعشرين من أغسطس الجاري الذكرى الأربعين لهجمة أغسطس على الحركة الوطنية البحرينية وحل المجلس الوطني في السادس والعشرين من نفس الشهر، لتدخل البحرين حقبة معتمة من تاريخها السياسي امتدت أكثر من ربع قرن، مورست خلالها كل أصناف القمع والتنكيل بالمعارضة السياسية ممثلة في تلك الفترة بالجبهة الشعبية وجبهة التحرير، حيث سيق العشرات من كوادر الجبهتين لغياهب السجون وأخذ التعذيب الممنهج أبعادا أكثر خطورة ادت لسقوط الشهداء ومن بينهم  الشهيدين محمد غلوم وسعيد العويناتي وآخرين تحت السياط والبطش بالمعتقلين وإسكات الأصوات المطالبة برفض قانون  تدابير أمن الدولة الذي فرض في نفس الفترة على البحرينيين مذكرا بقانون الطوارئ أيام الاستعمار البريطاني، الذي يمنح صلاحيات حبس المعتقل لثلاث سنوات دون تقديمه للمحاكمات، وهو الأمر الذي يتجاوز ويتعارض مع الدستور، ويقدم المعتقل للمحاكمة بناءا على أفكاره ونواياه، وإخضاعه لمحكمة أمن الدولة التي كانت تعقد جلساتها سرية. لقد أدى كل ذلك لتعطيل مواد رئيسية في الدستور وخصوصا المواد الخاصة بالحياة البرلمانية. إن الشعب البحريني ناضل منذ عشرينات القرن الفائت وحتى الآن، من أجل المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار السياسي عبر سلطة تشريعية كاملة الصلاحيات الرقابية والتشريعية، ومن أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وتعزيز وصيانة الوحدة الوطنية بما يحفظ السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي في البلاد. بعد أربعين عاما من هجمة أغسطس، لاتزال مطالب الحركة الوطنية مرفوعة وتتأكد مع حالة الاستنزاف التي تعاني منها البلاد بسبب المعالجات الأمنية التي لايمكن لها حل الأزمة السياسية الدستورية التي تعصف بالبلاد منذ عدة عقود وتفجرت في فبراير 2011. 

وفي هذه الذكرى، نؤكد على التالي:

أولا: إن الأزمة في البحرين هي أزمة سياسية دستورية بامتياز وينبغي معالجتها على هذا الأساس من خلال حوار وطني يفرز حل جامع يعبر عن مصالح كل الفئات المجتمعية ومكونات الشعب البحريني ويبعد بلادنا عن التجاذبات الإقليمية التي تشهدها العديد من دول المنطقة وخصوصا العراق واليمن وسوريا، على أن يتم تبريد الساحة الأمنية والسياسية بمبادرات من السلطة من شانها إشاعة أجواء الثقة والتأسيس عليها للبدء في الحوار الوطني، وتتمثل في إطلاق سراح الأطفال والنساء والذين يعانون من أمراض مزمنة وطلبة المدارس والجامعات إيذانا بتبييض السجون والإفراج عن جميع معتقلي الرأي والضمير وفي مقدمتهم الأخ المناضل ابراهيم شريف السيد الذي تم اعتقاله بعد ثلاثة أسابيع من الإفراج عنه.

ثانيا: إن الشروع في الحل السياسي على أرضية الإصلاح الحقيقي وتطبيق الملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة التي نص عليها ميثاق العمل الوطني، نحو الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة القائمة على أسس المواطنة المتساوية بمتطلباتها في حق المشاركة الشعبية في صناعة واتخاذ القرارات، من شأنه فتح المجال أمام المصالحة الوطنية وجبر ضرر الضحايا وأسرهم، حيث سبق لجمعية وعد في العام 2005 التقدم بمقترح مشروع قانون للإنصاف والمصالحة الوطنية وأعادت طرحه في جلسات الحوار الوطني العام 2011.

ثالثا: إن عدم الشروع في حل الأزمة السياسية الدستورية أسهم في تفاقم الأزمات الاجتماعية والمعيشية مثل الإسكان والبطالة والأجور المتدنية وتفشي الفساد المالي والإداري وترهل النظام الإداري العام والتمييز، ما ينذر بعواقب وخيمة إن لم تجرى معالجات حقيقية لهذه الأزمات، والبدء في التنمية المستدامة.

رابعا: شكل العجز المتكرر والمتصاعد في الموازنة العامة وتضاعف الدين العام عبئا إضافيا، على كل مفاصل الحياة في البحرين، بما فيها القرارات الصادرة بشأن رفع الدعم عن المواد الأساسية بآليات أعلنت من طرف واحد، بينما تعاني الفئات الاجتماعية من وطأة الغلاء وارتفاع الأسعار والتضخم الذي يستنزف مقدرات المواطنين ويزيحهم إلى مستويات متدنية من الحياة المعيشية ويزيد من تآكل نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع، ما يهدد السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي.

خامسا: مكافحة خطاب الكراهية الذي انتشر منذ العام 2011 في وسائل الإعلام، ما يهدد النسيج الوطني ويفتح ثغرات للتطرف وإشاعة أزمات الثقة بين مكونات المجتمع البحريني الذي يعتبر تنوعه مصدر قوته وإبداعه في شتى المجالات والحقول، الأمر الذي يتطلب سياسة إعلامية واضحة منحازة للوحدة الوطنية، فضلا عن الحاجة الماسة لإيجاد تشريع يجرم التمييز والتحريض على الكراهية.