الشبكة النسائية "الأورومتوسطية" والمرأة الفلسطينية

حجم الخط
في لحظة عربية لم تستقر بعد لكنها أتاحت الفرصة أمام تغيير الأنظمة السياسية الفاسدة والديكتاتورية، وقرعت جرس الإنذار في آذان أنظمة قامت بتقديم نموذجها للتغيير عبر إجراء الإصلاح والتعديل على أنظمتها، تفاعلت المرأة الفلسطينية من تيارات سياسية واجتماعية متنوعة، في إطار اجتماع محلي بحضور تمثيلي للشبكة النسائية "الأورومتوسطية" لتعزيز حقوق المرأة في المنطقة التي تجمعها، بهدف الإعلان عن نقل فعاليات الشبكة إلى فلسطين، وللتباحث حول خطة المرأة الفلسطينية لتطبيق توصيات مؤتمر إستانبول الوزاري لدول حوض البحر الأبيض المتوسط الذي انبثقت عنه الشبكة. ما بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، التي يجمعها التاريخ والجغرافيا، ويجمع نساءها الواقع التمييزي والاتفاقيات والأدوات والآليات الدولية المصادق عليها التي تنظم مقاومة التمييز ومجابهته، تأسست الشبكة الأورومتوسطية. وفي إطارها تباحثت النساء أو تفاوضت النساء في إستانبول عام 2006، نساء من ثماني دول عربية في جنوب البحر المتوسط وشرقه يعشن في بيئة اجتماعية متجانسة؛ ويمتلكن ثقافة ولغة واحدة ومتشابهة.. تجادلن مع نساء أوروبيات من ست دول أوروبية، ربما يحملن سحنات وملامح مختلفة نسبياً، ولهن تكوين خاص من نتاج ومكونات ثقافة مغايرة، إضافة إلى تعاملهن مع ثقافات أخرى كإفراز طبيعي للتنوع الديمغرافي وعوامل الهجرة، بوجود نساء تركيات يتقاطعن مع العربيات والأوروبيات في الثقافة ويتقاطعن في الظروف التمييزية وفي المصالح النسوية لتحقيق المساواة. في الاجتماع "الأورومتوسطي" المنعقد في رام الله، وضع على الطاولة واقع المرأة الفلسطينية المتنوع وبرامجها المختلفة، برامج وواقع ورؤى المرأة اللاجئة في لبنان إلى جانب مثيلتها من برامج المرأة في فلسطين التاريخية، بدءاً من المناطق السليبة في العام 1948، إلى النساء الرازحات تحت الاحتلال الاستيطاني، من القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بهدف استعراض وفحص البرامج المتنوعة المتداخلة والمتمايزة تبعاً لتنوع الواقع المعاش وللظروف المختلفة، وللنظر إليها من خلال منظار الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها دول الشبكة من جانب، ولكونها إحدى الأدوات التوحيدية والمشتركة لنضال النساء عبر الحدود السياسية التي تتيح المجال لأشكال من التضامن الأممي مع النساء الفلسطينيات في نضالهن من أجل تحقيق التحرر الوطني، فضلاً عن إتاحتها المجال أمام آليات عمل تتناول تفعيل الالتزام الدولي المهم بقضايا المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال، بسبب الخصوصية التي تميزها عن جميع نساء الشبكة "الأورومتوسطية"، التي جعلتها تحمل برنامجاً مركباً تتصدّره: أولوية المساهمة في النضال الوطني التحرري، وبما يثقل ويؤثر في تدفق وتركّز نضالها الاجتماعي والديمقراطي. ليس سراً كون "إسرائيل" إحدى دول الشبكة "الأورومتوسطية"، التي تهرب إلى شمال البحر بسبب إقصائها عن نسيج دول جنوبه وشرقه، الأمر الذي يحول الشبكة المتوسطية إلى أحد ميادين وساحات النضال والاشتباك النسوي الفلسطيني مع السياسة الاحتلالية وأشكالها وإفرازاتها العدوانية والعنصرية، وقد أثمرت الساحة المتوسطية عن تبني الشبكة لغة وقراءة غير ملتبسة للقرار 1325، حيث تم تبني مصطلح الاحتلال عوضاً عن مصطلح الصراع والنزاع المسلح الوارد في نص القرار، إضافة إلى تبنيها ضرورة إصلاح الاتفاقيات الدولية بما يخدم إزالة اللبس عنها والذي تؤيده المرأة الفلسطينية. ليس غريباً أن تتنازع الاجتماع مناخات وأهواء متنوعة شتى، فمن جانب سيطر على خلفيته العامة "تسونامي" التغيير العربي والتحولات السياسية والاجتماعية الزاحفة نحو الجميع وعلى المرأة بشكل رئيس، حيث يبدو واضحاً من المقدمات الآخذة في التبلور في الدول التي نجحت، تونس ومصر، في تغيير أنظمتها السياسية بمساهمة مسؤولة وفاعلة للمرأة، أو في الدول التي استجابت جزئياً لرياح التغيير بإحداث إصلاح ما على أنظمتها كما في الكويت، بأن مكاسب المرأة تتعرض بشكل منتظم للاحتواء والاستبعاد عن عمليات وبنى صنع القرار المشكلة لمستقبل بلادهن، وذلك مع تزايد نفوذ القوى الأصولية وتدخلها في الحياة العامة والسياسية، التي تريد إتباع وإعادة المرأة إلى البيت، وإعادة تنظيم إخضاع تفلتها من قبضتهم. لقد أتت الانتخابات في تلك الدول بهياكل أبوية وتقليدية سحبت المكتسبات التي حققتها المرأة بنضالها وجهدها، واستبدلت الهياكل الاستبدادية بهياكل أخرى مستبدة من منطلقات وخلفيات أخرى. اجتماع رام الله الذي ضم أكثرية اللون السياسي والاجتماعي تميّز بقراءته النقدية للاتفاقيات الدولية، لكنه لم يضع قراءته الكاملة لمجريات ونتائج الانتفاضات العربية وأثرها على الوضع الفلسطيني، لكنه رأى مبدئياً أن الحراك العربي عاجز عن تحقيق الشعارات التي رفعتها الجماهير مطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين دون تمييز، دون استكمال مهمات التحول الديمقراطي ووضع أساسات الدولة المدنية التي تضع نفسها دستورياً على مسافة واحدة من جميع المواطنين، وتضمن تحقيق العدالة والمساواة للجميع دون تمييز. لا بد من مدّ النقاش على مداه الواسع، دون الرهان كثيراً على الشبكات المؤقتة والموقوتة بحدود المشاريع، دون أن يسحب الكلام على الانتقاص من أهمية إطار حوض البحر المتوسط المهم سواء توافر المشروع من عدمه. لكن يبقى أن أطر المرأة الفلسطينية مدعوة لقراءة الواقع التنظيمي لها ولبرنامجها وأدواتها، وللأثر المتوقع من المحيط العربي على وضعيتها ومكتسباتها. وأول الكلام ما يجب أن تقوم به من إصلاحات على أدواتها التنظيمية، لجهة وضع حد لأشكال الشرذمة والتفتت الذي يشهده الحيز النسائي، لصالح تقوية ذاتها وحضورها.. حتى لا تجد نفسها وقد أصبحت في مربع الصفر على الخريطة.. وخارج المكان والزمان.. وللحديث بقية... .