الذكرى السنوية الرابعة عشر لاستشهاد قائد كتائب الشهيد أبوعلي مصطفى في قلقيلية رائد نزال

حجم الخط

دائرة الإعلام المركزي 

 

يصادف اليوم الذكرى الرابعة عشر لاستشهاد قائد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في مدينة قلقيلية الرفيق رائد موسى نزال.

 

رائد هو تلك الكلمة العظيمة التي لم يحملها شهيدنا البطل كاسم فقط بل جسدها بروعة في واقع النضال والحياة الاجتماعية لدرجة أنك لو بحثت له عن اسم فلن تجد غير كلمة رائد لتطلق عليه، ففي الحياة الاجتماعية كان صدره وسلوكه مفعماً بالدفء والحنان وروح التعاون والتكافل ونصرة المظلوم وتبني قضايا المحيط أكثر مما يعتني بنفسه.

 وفي الجانب النضالي جسد اسطورة رائعة من الانتماء والتواصل النضالي منذ نعومة أظافره، فمنذ الثالثة عشرة وحتى يوم استشهاده وشعار التواصل النضالي لا يفارق رائد قولاً وعملاً، ففي الأسر كما بعد التحرر كان دائماً ممتشقاً لسلاح النضال والبناء الداخلي حتى يطبق شعاره الشهير( لن أكون عبداً للمرحلة ولن أقبل وعلى الملأ بهذا الموقف المذل لأنني لن أعيش سوى مرة واحدة وسوف أعيشها بشرف).

الشهيد رائد موسى ابراهيم نزال – ماضي، من مواليد الأول من يونيو عام 1969، كان متزوجاً من المناضلة المحامية فاطمة محمد دعنا وله ولد سماه أسير لأنه يقدس الحركة الاسيرة وظل ينتمي لها بكل جوارحه.

كان طالب جامعي سنة اولى في جامعة القدس المفتوحة ويعمل في تربية الأبقار وصناعة الالبان، انتمى للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ نعومة أظافره، وتدرج فيها حتى أصبح عضو لجنة مركزية فرعية في فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة، وانخرط في العمل العسكري حتى أصبح قائد لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى في مدينة قلقيلية، برتبة مقدم فيها.

اعتقل وهو في الثالثة عشرة من عمره لمدة 25 يوماً، ومرة ثانية وهو في الرابعة عشرة لمدة ثلاثة عشر شهراً، ومرة ثالثة وهو في الخامسة عشرة لمدة خمس سنوات على خلفية عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وإلقاء زجاجات حارقة وحرق عدد من سيارات العملاء، قبل نهاية الخمس سنوات بنصف عام قام بإعدام أحد العملاء في سجن جنين وحكم عليه مجدداً بالحكم المؤبد.

تحرر من الأسر في صفقة تبادل أسرى في 9|9|1999.

 

واصل مشواره النضالي منذ اليوم الأول لتحرره من الأسر، حيث انتخب في قيادة منطقة مدينة قلقيلية، وشارك كعضو فاعل في المؤتمر الوطني السادس للجبهة الشعبية، وانتخب كعضو لجنة مركزية فرعية، وإلى جانب عمله في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى عمل على تأسيس فرقة فنية للمسرح والغناء وبذل جهداً كبيراً في بناء لجنة المرأة وساعد في صدور إصدارات للرفاق في الحركة الاسيرة.

استشهد بتاريخ 26|4|2002 بعد معركة بطولية مع قوات الاحتلال الصهيوني حيث اقتحمت قوات الاحتلال الغازية أكثر من عشرة مواقع للبحث عن الشهيد ورفاقه المطاردين وحينما أحكم الطوق على المجموعة طلب الشهيد من رفاقه الانسحاب، وخاض المعركة بنفسه طوال ساعتين للتغطية على جنوده ولم يتمكن القتلة منه الا بقذائف عن بعد لتحول جسده العملاق إلى أسطورة نضالية في التضحية والفداء والتواصل.

وقد أعلن الكيان الصهيوني بعد استشهاد الرفيق نزال أنه اقتحم مدينة قلقيلية بهدف احباط مخطط لتنفيذ عملية تفجير هائلة في مبان شاهقة في " تل أبيب"، "كان الشهيد القائد نزال هو من خطط لها ومسئولاً عن منفذيها". 

وأكد جيش الكيان آنذاك في تصريح صحفي فإن الشهيد نزال كان مسؤولاً عن عملية حافلة "كارني شومرون" التي وقعت في شباط/فبراير الماضيين، وأسفرت عن مقتل ثلاثة صهاينة وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين.

كما اتهمت مصادر في الكيان الشهيد  القائد نزال بأنه "مسؤول عن سلسلة من العمليات المسلحة، وإلقاء العبوات الناسفة على جنود الاحتلال.

الى ذلك، وقالت صحيفة " يديعوت احرونوت" الصهيونية نقلا عن مصادر عسكرية صهيونية قولها أن اقتحام مدينة قلقيلية تقرر بعد أن "وصلت معلومات (..) الى الأجهزة الأمنية الصهيونية مفادها أن عملية هائلة ستقع في مبان شاهقة في مركز إسرائيل (تل ابيب) وأن المشرفين على تخطيط هذه العملية هم عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". 

وقد "تم خلال العملية العسكرية والتي أدت لاستشهاد القائد نزال العثور على سيارة مفخخة وبها كمية كبيرة من المتفجرات.. وحسب تقديرات جيش الاحتلال فالسيارة كانت معدة للتفجير في "تل ابيب".

 

وصرح وزير الخارجية الصهيونية، المجرم " شمعون بيرس"، آنذاك انه "تم خلال الأيام الأخيرة تفادي مأساة كبيرة يعود الفضل بذلك قبل كل شيء الى القوات الإسرائيلية"، وذلك باغتيالها القائد نزال المخطط الأساسي لهذه العملية.

رائد رجل المواقف:

ما أكثر المواقف التي يمكن للمرء الحديث عنها، فرائد معروف برجل المواقف الشجاعة والشهامة والتضحية، الإنسان عند رائد موقف، إما أن تكون أو لا تكون، تلك هي قناعاته التي عاشها طوال حياته.. تلك القناعات التي كان يدفع مرات كثيرة ثمنها غالياً وتجده مسروراً غير عابئ بالنتائج الشخصية، لقد أرضى ضميره وقناعته.

ما أعظم روحه...!! أجمل شيء لديه انه مقتنع بعمق أن مهمة إصلاح وتغيير العالم مهمة شخصية تقع على عاتقه حتى لو كان الرجل الوحيد في العالم الذي يحمل هذا الإيمان الثوري.... وعندما تقول له: هذا صعب أو مستحيل أو لا أمل في الإصلاح.... يقول لك " ينبغي أن نحاول ونحاول، لا شيء مستحيل في نظري".

رائد الطفل كان يحمل في رأسه أحلاماً كبيرة، وعندما كبر، مارس أحلامه الثورية بحرارة وتوقد ولم يتوقف لحظة واحدة، حتى إن البعض وصفه "بالمرجل الذي يغلي طوال الوقت"... لا تتعب يا رفيق، أوقد في أعماق ذاتك نار الغضب ونار الثورة ونار التضحية، واجترح المعجزات، فالمجد لا يصنع من فقاقيع الهواء، إنما تستله من أعماقك الثائرة كما الناصر صلاح الدين، وتصنع النصر أو تصنع الشرف.. كيف لا وأنت من دفع الموت بالموت.. يا رجل المواقف فأي مواقف سنكتب عنك؟ .

كتب عنه القائد أحمد سعدات قائلاً:

إن الشهداء لا يمرون في صفحات تاريخنا إلا حروفاً وكلمات معمّدة بالدم وسطوراً نسجت من أشلائهم الممزقة؛ فالعقل القيادي الفلسطيني، وأنا واحد منهم ينبغي أن يستلهم عند كل موقف ومنعطف، بمأثرة الشهداء الأبرار، وأن يزداد صلابة وتمسكاً بالقضية والموقف، وكلما ساور أحدنا الوهن أو الشك فثمة في مواقفهم ما يغني وينير لنا الطريق ويقودنا للنصر المحتم.

شيخ المعتقلين القائد أبو رفعت، محمد نعيرات رفيق درب رائد

كان الأكبر سنا في كافة المعتقلات، عندما التقاه رائد كان قويا ذو مراس وروح مرحه، فأحبه رائد وظل مرافقا له طوال فترة اعتقاله، وعندما الم المرض بالشيخ الجليل، اتخذه رائد أبا، وقام على رعايته بأدق التفاصيل الشخصية لسنوات، حتى عندما أصيب أبو رفعت بمرض "الزهايمر" المرافق للشيخوخة.. نسي أبو رفعت معظم الناس إلا رائد ظل ماثلا في مخيلته.... كيف ينسى من أسقاه وأطعمه وقضى حاجته وهو يغني له فرحا كما تغني الأم لطفلها الرضيع.

رائد أو أبو النزال كما يناديه أبو رفعت أقوى من مرض "الزهايمر" في دماغ الشيخ، عندما تحرر أبو رفعت من الأسر كان "الزهايمر" قد نال منه كثيرا، وفي حفل الاستقبال، كان ما لا يقل عن مائة شخص جالسين ومنهم من كان من أعز أصدقائه ومن اقرب المقربين له وهو صامت لا يعرف أحدا حتى جاءت شقيقة رائد للسلام عليه وعندما سمع اسمها الكامل، فرح كطفل وطوال ساعتين يتحدث ويسأل عن "أبو النزال" وسجنه بأدق التفاصيل، فكيف ينسى الشيخ دماء الشاب المتوقد الذي ضخ في عروقه الدفء والحنان والمحبة والإخلاص كما لو أن "أبو رفعت" عاد إلى بطن أمه.

لقد بكى أبو رفعت عندما سمع باستشهاد رائد، ترى أي نوع من الدموع تلك التي بللت وجه الشيخ ؟!

لا يعرف أحد الإجابة أو أن يجيب، سوى رائد نفسه.

الرسالة الأخيرة لرائد :

صوت سماعات الجيش ينادي ويطلب الاستسلام ويختلط بصوت الرصاص وانفجارات القذائف وهو محاصر في مربع صغير – مطلع درج -..الدرج في ذهن رائد يختلط بأحلام الصبا ، وصوت الحرب يختلط بأحلام المتمرد الثائر، يبدو أنها موقعتك الأخيرة أيها المحارب، الطائرات تحلق في السماء والدبابات والدوريات تطوق كل المنطقة ولم تترك أي منفذ للانسحاب، الجيش يبعد عنك خطوات، جدار واحد يحميهم ويحميك من رصاصاتكم المتبادلة.

أن تكون ندا في معركة لا ندية فيها من ناحية عسكرية، أمر في منتهى الشجاعة والتضحوية ويحتاج إلى قرار استشهادي من الطراز الجيفاري.

كان رائد قبل ذلك يحلم بان لا يختفي المطاردين عند دخول الجيش، وكان يقول متى سنخرج لمواجهة هذه الدبابات بالصواريخ بدل من الاختباء في المنازل والبيارات.

 

والآن لا يملك صواريخ أو دبابات... كل ما يملكه بندقية "كلاشنكوف" وبضع مخازن وقنبلة يدوية ولكنه صمد ساعات.

كان يدفع الموت ويؤجله بشجاعة نادرة وتنطلق من رشاشه دفعات قصيرة من الرصاص تمنع الجنود من التقدم، ثم يعود إلى مكمنه حيث ينتظره أسير وفاطمة ووالده وكل أحبته، يشد على أيديهم ويخاطبهم قائلا لا تخافوا.

يمر طيف أسير وفاطمة في خياله، ويتذكر أنه عصر ذلك اليوم ذهب للمنزل خلسة واستحم وبدل ملابسه وترك صور أسير وفستان الزفاف على سرير النوم وخرج.

يبتسم ويتذكر كيف ألح على زوجته العودة من الجامعة يوم أمس وأنه مشتاق لرؤيتها ورؤية أسير ولو لساعة واحده ثم تعود للجامعة رغم معرفته بصعوبة الطريق، كان يلح كالطفل، "بدي إياكم وبس".

ترى هل كان يعرف انه على موعد مع القدر ؟!

لا لن تكون النهاية، الأبطال الحقيقيين يا رائد بلا نهايات، يستجمع قوته ويقترب من "درابزين" الدرج ويطلق الرصاص مرة أخرى على الجيش وتختلط أصوات الانفجارات مع صوت أسير وهو ينادي : بابا بابا .. وتمر صور أسير في رأسه قبل أن تفتته شظايا القذائف .. ويظل صدى أسير "بابا بطل" يتردد ويصنع مجدا ونورا يضيء لنا الطريق.