مقتطفات من صحافة العدو : 29/02/2012



هآرتس – افتتاحية -  29/2/2012
إرث بينيش
بقلم: أسرة التحرير

	خيار رئيسة المحكمة العليا المنص
حجم الخط
هآرتس – افتتاحية - 29/2/2012 إرث بينيش بقلم: أسرة التحرير خيار رئيسة المحكمة العليا المنصرفة، دوريت بينيش، لوداع منصبها بتلاوة خلاصة القرار في الالتماس ضد بند في قانون ضمان الدخل يحرم المخصص ممن يملك سيارة، في ظل القول ان البند ليس دستوريا ويمس بالحق الادنى في العيش بكرامة، لم يكن صدفة. فقد جسد فكرها القضائي والذي يقضي بأن ترسيخ حقوق الانسان هو الضمانة لوجود نظام ديمقراطي. بينيش، التي عينت الى المحكمة العليا قبل 15 سنة، بعد اللحظة التأسيسية لـ "الثورة الدستورية"، ستذكر كمن رسخت الحقوق الاساس والرقابة على السلطات. بقيادتها راقبت محكمة العدل العليا اقامة جدار الفصل في ظل التدخل في كل مصادرة، قضت بان السجون لن تخصخص، والزمت الدولة بتحصين المدارس في سديروت. في المجال الجنائي كانت بينيش انتقادية متشددة للمسؤولين عن فرض القانون: في قرار يسسخروف تبنت القاعدة بان المحكمة يمكنها أن ترفض أدلة حققتها الشرطة بطريقة غير قانونية. وفي رأي الاقلية طالبت بالغاء الصفقة القضائية مع الرئيس موشيه قصاب وتقديمه الى المحاكمة. يخيل أن ولايتها تسير على محور في أساسه الفكرة الاساس لاسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ملتزمة بتوازن دائم بين القيم الفردية والقيم الجماعية. "القرارات الصعبة والمضنية للغاية في نظري كقاضية"، قالت أمس، "كانت القرارات المتعلقة بمصير الفرد... تلك القرارات التي يتعين فيها على القاضي أن يتذكر بانه خلف كل ملف يقف انسان مصيره سيتأثر بذاك القرار على مدى السنين". حاولت بينيش الحفاظ على التوازن العام والخاص في فترة صارت فيها قيم الجماعة متملصة، والاستقطاب السياسي والاجتماعي احتدم. وعليه فجدير بالتقدير اصرارها على ان تمنح "معنى تطبيقي لوثيقة الاستقلال والقيم اليهودية والكونية التي تقبع في اساس نظامنا"، على حد قولها أمس. الطابع الذي خلفته وجد تعبيره ايضا في تعيين أكثر من مائتي قاضي، نحو ثلث الجهاز القضائي وبالاساس في كتلة هامة من القضاة الليبراليين في العليا، الذين يفترض أن يشكلوا عونا ضد الرئيس الوافد المحافظ، آشر غرونيس. --------------------------------- يديعوت – مقال افتتاحي – 29/2/2012 الشعب يريد وقودا اجتماعيا بقلم: يونتان يفين 3.17 شيكل. هذا هو سعر لتر الوقود في اسرائيل قبل ان يأتي جميع مقتطعي الأرباح والمقصات في أيديهم، وهي حادة والأرقام عالية. أمس نشر هنا تقسيم الكعكة وأوضح أنه من لتر سعره 8 شيكل يربح المسوق (محطة الوقود) 59 أغورة فقط ويأخذ معبيء الوقود (بخدمة كاملة) 21 أغورة. فأين تختفي 4 شواقل اخرى؟ خمّنوا من فضلكم. ان الدولة تشربها بضريبة القيمة المضافة وضريبة "بلو"، التي هي في ذاتها اختراع رائع ببساطة لكن ليس هذا هو المكان والوقت لئلا نضيع الوقود هدرا. ثمن اللتر في امريكا أقل من نصف هذا لكنهم ما يزالون أسياد العالم ولهذا يجوز لهم، والأسعار هنا تعادل المتوسط الاوروبي لكننا لسنا اوروبا وإن كنا نشتهي كثيرا ان نعتقد هذا. فلماذا يكون الوقود غاليا جدا؟ لأن كل شيء هنا غال، وغلاء المعيشة في اسرائيل غير معقول في أي مجال من الجعة الى الشقة. لماذا؟ لأنه يمكن. لأنهم حاولوا ووافقنا ثم حاولوا مرة اخرى ووافقنا مرة اخرى. ومنذ عقود والدولة تركب الطبقة الوسطى كما يركب فرس فارسه. وترضع منها كل ما يمكن ومتى أمكن ذلك ولا تعيد حتى الحد الأدنى من الخدمة. وماذا عن الشعب، ماذا يريد؟ ستعجبون لكنه لا يريد وقودا رخيصا. وهو لا يحتج الى أسعار جبن الكوتج وقطع الحلوى بل على خنزيرية مبدئية يتم التعبير عنها في مستويين: الاول مستوى أرباب المال الذين يتبولون على الجمهور من فوق خشبة القفز برعاية الحكومة وكأنه لا يوجد هنا غوغل يمكن بمساعدته ان نفحص كم هو سعر "طعمي" (نوع من المأكولات المسوقة) في نيوجيرسي؛ والثاني لحكومة تظن انه يمكن ان تلقي على الجمهور ماءا وأحكاما بلا نهاية. لكن توجد نهاية. وأُعلمت النهاية في الصيف الاخير، وبحسب جميع التقديرات ستترجم الانتخابات القادمة الاحتجاج الى يقظة سياسية. والطبقة الوسطى ستصوت بجموعها لحزبين أو ثلاثة ترفع راية العدل الاجتماعي واذا انتُخب نتنياهو مرة اخرى ايضا فان النتائج ستصيبه بصداع كبير. سيضطر الى حشد ائتلاف مدني كثير الاحزاب وان يفعل آنذاك ايضا أكثر شيء يكرهه في العالم وهو ان يقرر وينفذ، في الاشياء الكبيرة. هذه رؤيا في الغيب، فلنواجه في هذه الاثناء الأوكتان الذي يصعب ان نهبط تحته، لأن السيناريو متوقع سلفا كثيرا: فاما ان يتدخل نتنياهو باعتباره بطل الشعب في رفع سعر الوقود ثم يضربنا بعد ذلك مرة اخرى وإما ألا يتدخل فيرتفع السعر كثيرا ويصرخ الجمهور، وتتمزز المالية اسبوعين لتستمد في كل ذلك شيئا من البقشيش ثم ينقذ نتنياهو البطل الشعب. الى رفع السعر التالي على الأقل – باسلوب لصوص الخيل. وربما ترد طبقة العبيد على الدولة بالعملة نفسها وترفع عليها دعوى قضائية. ان واحدا من اعمالها هو ان تهتم بشرايين نقل مستعملة ونحن في كل يوم نضيع في زحامات المرور 20 شاقلا على الأقل ولن نتحدث عن ساعات العمل. وليس النقل العام الفاشل بديلا حقيقيا. إضربوا التضييع بعدد أيام العمل في عقد وستحصلون على نحو من ربع مليون شاقل لصاحب أجرة متوسطة فاذا اجتهدت المالية فمن المؤكد ان تجد جزءا على الأقل من مئات التريليونات هذه في المعاهد الدينية للعاطلين وفي مستوطنات نائية، والشيء الأساسي ألا يتم المس بالأمن. -------------------------------- معاريف - مقال - 29/2/2012 مع بعض المساعدة من الاصدقاء بقلم: مناحم بن دون الدخول على الاطلاق الى مسألة اذا كان صحيحا أم غير صحيح الهجوم في ايران، والذي الكبار وحدهم كما هو معروف يعرفون كيف يجيبون عليها، ونحن أدنى من العشب (بالطبع، لو كان ممكنا شنق هامان الفارسي الجديد مع حلول "البوريم" (عيد المساخر) دون دفع الثمن، لكنا وقعنا)، يجدر في كل الاحوال أن نعترف، على الاقل امام أنفسنا، باننا سنجد أنفسنا في حالة مغلوطة جدا وخطيرة جدا – وذلك لانه رغم الاستياء المستمر الذي نبديه تجاه العالم، فان ما يفعله العالم من أجلنا في الموضوع الايراني هو على ما يبدو أكثر بكثير مما نحن نفعله من أجل العالم. فهل أنتم ترون، مثلا، اسرائيل تنضم الى مقاطعة ما، من شأنها أن تمس بجيبها، وتتعلق بدولة اخرى ما؟ ولكن ها هي، كل البلدان الاوروبية الغربية والولايات المتحدة واستراليا واليابان تقف حيال ايران ومستعدة لتكبد الخسائر الجسيمة المتعلقة باقتصادها كي تكافح الخطر الايراني. اذن صحيح أن ايران التي أقسمت على تصدير الاسلام الشيعي، تهدد مستقبلا كل العالم (بما في ذلك روسيا والصين اللتين تسندانها اليوم)، ولكن التهديد الفوري هو بلا شك علينا بالاساس. ومع ذلك، فان قسما مركزيا من العالم ينضم الى المقاطعات على ايران، وعلى ذلك نحن ملزمون تجاه العالم بالامتنان الكبير. بشكل عام، الاستعداد العالمي لتقديم التضحيات من أجل عالم أكثر عدلا مؤثر للغاية. فقد بعثت دول الناتو بجنودها للتدخل في الحرب الدموية في البوسنا، لتصفية حكم صدام في العراق، لالغاء حكم طالبان في افغانستان، وغيره وغيره، وفي اطار ذلك تكبدت خسائر رهيبة وانفقت كميات هائلة من المال، حتى عندما لم يكن التهديد موجها اليها مباشرة، او لم يكن عليها على الاطلاق (هل الحرب في البوسنة هددت اوروبا؟). هل انتم ترون حكومة اسرائيل وكنيست اسرائيل وامهات اسرائيل تسمح لجندي اسرائيلي ما أن يتعرض لخطر سقوط شعرة من رأسه من أجل حرب "اجنبية" ما في العالم؟. كم بشعا كان سماع النائب الاول لرئيس الوزراء، موشيه يعلون (المسمى "بوغي"، ولعله من الافضل القول في هذا السياق: "بوكي")، يرد على سؤال في موضوع ايران فيقول: "الصديقون يقوم الاخرون بمهمتهم". والمعنى، امنية خفية في أن يسفك العالم دمه من أجلنا في ايران. المهم، ليس نحن. نحن حساسون على نحو خاص تجاه الاموات، الجرحى والاسرى. صحيح أن اسحق شمير بحكمته وعد جورج بوش الاول في عدم الرد على هجمة صواريخ سكاد لصدام حسين (إذ لماذا نرد نحن اذا كانت امريكا تريد؟)، ولكن المسألة الاكبر هي اذا كنا نفهم الشعور بالامتنان الذي نحن ملزمون به لامريكا وجورج بوش عقب تصفية صدام حسين، الذي عرض وجودنا للخطر بل وتآمر حتى لاجتياح الاردن كي يتسلل الينا من الشرق، ويدور الحديث عن شخص لم يكن حقا يتردد في أن يضحي بعدد لا يحصى من العراقيين (مثلما ضحى في الحرب الايرانية – العراقية) في الحرب ضدنا. حسنا، وقلنا شكرا؟ لا، لا حقا. بالتأكيد ليس بصوت عال بما فيه الكفاية. بالعكس. طلبنا أن يقولوا لنا شكرا، بل وان يعطونا ضمانات مالية كبيرة لاننا ضبطنا أنفسنا. يدور الحديث عن لعبة خطيرة جدا. يخيل أن المسألة التي تقف الان في الولايات المتحدة في مركز الجدال بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبين الجمهوريين وأنفسهم، لم تعد اذا كان يتعين على امريكا أن تقف على رأس المساعي لتصفية نظام آيات الله في ايران، بل اذا كان عليها أن "تسمح لاسرائيل بالهجوم". وفي هذا الوضع من الامور فان من شأن أمريكا بالتأكيد ان تدعنا – بتشجيع من كارهي اسرائيل من نوع رون بول – ان نهاجم بأنفسنا. أردتم هذا؟ تفضلوا، خذوه. ولكن فقط لا تتوقعوا تدخلا امريكيا. وماذا بعد ذلك؟ هل نحن حقا نريد ويمكننا أن نعمل وحدنا في ايران؟ نتنياهو وباراك بالتأكيد يعرفان كيف يجيبان على هذا افضل مني. فضلا عن ذلك، أذكر دوما الاية التوراتية من اصحاح يشعياهو: "لا اداة تنجح معك"، والتي تعني انه لا يوجد سلاح يمكنه أن يتغلب على اسرائيل، اذا ما تصرفت اسرائيل بعدل. في كل موضوع. وبالتالي فان المشكلة ليست القصف في ايران، بل مدى عدلنا. على هذا يتعين علينا أن نعمل المزيد. -------------------------------------------- معاريف - مقال - 29/2/2012 هم خائفون بقلم: شموئيل هولندر "رأيتكم في قصر يدكم فتفطر قلبي دمعا"، هذا ما بدأ به الشاعر حاييم نحمان بيالك قصيدته الشهيرة التي كتبت في أعقاب مشاركته في المؤتمر الصهيوني في بازل في العام 1931. قوة هذا القول تنطبق اليوم على الكثير من السياسيين عندنا. فهم يتطلعون بكل عزمهم للوصول الى السلطة، ولكن ما أن ينالوها حتى يخافوا من الحكم. وهم يتحدثون كثيرا عن انعدام قدرة الحكم، ولكن في حالات عديدة لا يدور الحديث عن عدم قدرة على الحكم، بل على الخوف من الحكم. في السنوات العديدة التي أديت فيها مهام مناصب رفيعة مختلفة في خدمة الدولة حصل لي أن تحدثت مع سياسيين من كل ألوان الطيف السياسي. يوجد فارق كبير بين ما يفكرون به حقا وما يسمحون لانفسهم بان يقولوه علنا. لا يمكن اتهامهم. فمنتخبونا في أغلبيتهم الساحقة هم أشخاص ذوو نوايا طيبة، ذوو كفاءات كثيرة وبعيدون عن الفساد الشخصي. هم حقا يريدون العمل من أجل الجمهور والدفع بالاجندة السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي يتبنون غير أن الكثيرين منهم مفزوعون أكثر من ان يستطيعوا عمل شيء. ها هي بعض الخطوط لشخصية السياسي الخائف. فهو قلق من التقارير عنه في وسائل الاعلام، وعليه فانه يجتهد للامتناع عن أعمال أو أقوال تسمح لها بان توجه اليه لسانها اللاذع؛ فهو غاضب من المحكمة العليا ويعتقد أنه يدخل مجالات ليست له، ولكنه سيصرح بحماسة عن معارضته لكل مس بصلاحياتها وعن "تمسكه بمبادىء الديمقراطية". كما أنه مقتنع بان مراقب الدولة سار شوطا بعيدا في انتقاده الذي يعض وخلق وضعا من شلل في المنظومات في الخدمة العامة وخاف من اتخاذ القرارات. ولكن علنا سيصرح عن "اهمية مؤسسة رقابة الدولة في الحفاظ على الادارة السليمة"، وان كان في خفاء قلبه يصلي الا تصل الرقابة الى بوابته. ويتملكه الرعب من الجهاز القضائي خشية لا سمح الله "ان يحيكوا له ملفا"، وبالتالي فانه لن يتجرأ على التصويت ضد موقف النيابة العامة للدولة ووزارة العدل؛ وهو يعتقد بان المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية يغزون مجالات هي من شأن السياسة بوضوح ويكبلون المنتخبين وادارات الوزارات، ولكن عندما يرفع الى الحكومة مشروع قرار للجنة، عينتها هي لتحديد ولاية المستشارين القانونيين، مثل القرارات التي اتخذت بالنسبة لاصحاب المناصب العليا الاخرى في الوزارات الحكومية، فانه يستسلم دون تحفظ لمطلب الطغمة القضائية. فمن يرغب في التورط معهم؟ يقول لنفسه بصمت. السياسي يخاف ايضا من المحاسب في الوزارة ومن المرجعية في قسم الميزانيات، ولكنه لن يفكر بالمبادرة الى عمل يأخذ من أيديهما خيوط ادارة شؤون الدولة ونقلها الى الحكومة المنتخبة؛ وهو يشكو من الموظفين الكبار في وزارته ممن برأيه لا ينفذون سياسته، ولكنه يخاف ان يدعوهم الى النظام ويضعهم في مكانهم خشية أن يتوجهوا الى مراقب الدولة أو احدى الجهات التي عينت نفسها حارسة على طهارة الحكم او الى صحفي محقق ما في وسائل الاعلام، فيتهمونه بالفساد السلطوي. واذهب بعد ذلك لتثبت بانه لا توجد لك اخت. من ناحية معينة هذا الوضع مريح للسياسي الخائف. اذا سُئل لماذا لم يعمل على دفع هذا الموضوع او ذاك في مجال مسؤوليته، يمكنه أن يشرح بانه لم تكن لديه امكانية. وانه لا توجد قدرة على الحكم. في بواطن قلبه تجده حقا لا يريد أن يحكم. هذا خطير جدا. السياسي الخائف سيقرأ هذا المقال ويوافق، بينه وبين نفسه بانه توجد حقيقة كبيرة في هذه الاقوال. ولكنه ابدا لن يعترف بذلك علنا. ----------------------------------------------------- هآرتس - مقال - 29/2/2012 حكومة مُخدّرة بقلم: تسفي برئيل بعد ان تم البرهان على فائدة المريغوانا الطبية حان وقت الفحص عن نجاعة مخدر الهذيان "ال.اس.دي" في حل مشكلات استراتيجية. وتشهد التجارب الاولى بنجاح يفوق المتوقع. وهي تُجرى في هذه الايام كالمتوقع في اسرائيل رائدة التطويرات الطبية. بدأت التجربة الاولى قبل نحو من سبع سنين وستنتهي في شهر آذار وحظيت باسم "تجربة ميغرون". وقد تم الفحص فيها عن هذيانين. الاول ان المحكمة العليا تستطيع ان تفرض قضاءها على الحكومة؛ والثاني ان حكومة اسرائيل ستنجح في اقناع المستولين الذين بنوا هذه البؤرة الاستيطانية باخلائها طوعا. ان مجموعة البحث، أي حكومة اسرائيل، تناولت طوال فترة التجربة الحبوب الصغيرة وانشأت لنفسها واقعا متوهما هاذيا الى ان نجحت في ان تقنع حتى نفسها بأنها تنفذ أوامر المحكمة العليا، فهي تنفذ القانون وتبرهن على قوتها في وجه المستوطنين. كان الاقتناع عميقا جدا الى درجة ان الهُذاة توهموا أنهم نجحوا حتى في بيع المستوطنين خطة اخلاء رائعة يحظى بحسبها المستوطنون ببيوت جديدة – على حساب الدولة – ولا يضطرون الى الاخلاء الى ان تكون هذه البيوت جاهزة، وفي ذلك الوقت ايضا سيبقى جزء من البيوت القديمة على حاله. ليس هذا اخلاءا – بناءا كالمعتاد لكنه هذيان بناء بلا اخلاء. وفي مقابلة هذا فان المجموعة الخاضعة للبحث، أي مستوطني ميغرون ومجلس "يشع" ومجموعة رجال الدين الذين أداروا التفاوض، قد نظروا وبحق الى الحكومة نظرهم الى من تناول حبوبا. فهم يعيشون في واقع حقيقي. وهم يُملونه ايضا بخلاف الحكومة. وقد قضوا بأن ميغرون لن تُخلى، ومن كان يعتقد أنها ستُخلى فيجدر به ان يتناول حبة اخرى. لم يكد ينقضي تأثير هذا الهذيان حتى بدأت تجربة طبية جديدة أكثر ثورية من سابقتها يقترح فيها وزير النقل العام انشاء سكة حديدية في الضفة الغربية بطول 475 كم فتُربط رام الله بالخليل، واريئيل بنابلس، والعفولة بجنين، والحلم القديم بالطبع وهو ربط حيفا بدمشق أو ربما بحمص فقط. سينطلق القطار سريعا بين جبال وبين صخور في غور الاردن على طول "محور سكة حديد الغور"، وسيركب المقطورات اليهود والفلسطينيون معا في أخوة رائعة، والاردنيون الى جانب اخوتهم من عوفرة. والتجديد الكبير هو أن النداء في القطار سيكون بالعربية ايضا لا كما في دولة اسرائيل، وأصبح هذا الهذيان يكلفنا نحوا من 3 ملايين شيكل وهو مبلغ ضئيل اذا قيس بالفائدة الطبية التي ستنتج عنه وهو أرخص كثيرا من "تجربة ميغرون". لكن لن تُنتج فائدة طبية فقط من قطار المناطق. ان فائدة القطار تقاس على نحو عام بحسب عدد السكان الذين يخدمهم. وهنا يتوقع تجديد: فأولا ستُبنى البنية التحتية وبعد ذلك سيأتي الزبائن. واذا كان المستوطنون في العهد السابق هم الذين جلبوا الشوارع الالتفافية الى المناطق (وهي التي سيمكن بيعها للسلطة الفلسطينية مع اقامة سكة الحديد) فان القطار الآن سيسبق الموجة التالية من المستوطنين ويعرض عليهم خدمة نقل استطاع أسلافهم ان يحلموا بها فقط. وحينما يوجد قطار يمكن ايضا انشاء مصانع وغرس مزارع تُحمل منتوجاتها في المقطورات وتصدر عن طريق دمشق الى ايران ومن الاردن الى السعودية (فهم في اوروبا سيقاطعون هذه البضاعة المنتجة في المناطق)، وسيستطيع سكان القدس ان يصلوا الى تل ابيب سريعا عن طريق محطة اريئيل وقلقيلية ورأس العين. ويُشك في ان يروا ذات مرة القطار من تل ابيب الى القدس. وسيُحمل في هذه القطارات سلام حقيقي ايضا. من سيصون المقطورات في المناطق؟ ومن سينظفها؟ ومن سينشيء منصات؟ ومن سيراقب التذاكر؟ ستنشأ آلاف اماكن العمل الجديدة للفلسطينيين حتى لا يبقى من يتظاهر أو يرمي الحجارة. وبعد لحظة وقبل ان ينقضي تأثير الحبة بقي سؤال صغير فقط وهو متى؟ لكنه سؤال لا حاجة اليه. فالهذيان وضع يسبب الادمان ويصبح دائما وهو لا يحتاج الى برنامج زمني. يبدو أننا سنبتلع حبة جديدة في الغد. وهي التي تسبب هذيان مهاجمة ايران. لماذا لا؟ اذا كانت الحكومة على يقين بأنها تستطيع ان تنتصر على مستوطني ميغرون وتحلم هاذية بشبكة قطارات في المناطق، فكيف يمكن ان نتناول حلم الهجوم على ايران بصورة مختلفة؟ يمكن على الأقل ان نسجل براءة اختراع لاستعمال جديد لمخدر الهذيان. ----------------------------------------------------- هآرتس - مقال - 29/2/2012 إبلاغ ما هو مريح بقلم: اسحق ليئور لو أن الفلسطينيين أنتجوا فيلما عن أطباء اسرائيليين يطرحون جريحا فلسطينيا خارج المستشفى، ثم يطرحه رجال الشرطة بعد ذلك خارج سيارة الشرطة ليموت في الظلام لندد رئيس الحكومة بالرعايا لتحريضهم على أسيادهم. ولو أن مخرج سينما اسرائيليا أنتج فيلما وثائقيا عن طرح السجين الذي لم يُمول علاجه في شيبا لحظي بمظاهرة من قبل منظمة الرقابة، "اذا شئتم"، ولاقترحت وزيرة الثقافة على المخرج ان يصنع فيلما عن علاج اولاد فلسطينيين في مستشفياتنا. تعلمون ان هذا الفيلم قد صُنع وهو فيلم "حياة غالية" لشلومي الدار. وحظي الفيلم بجوائز كثيرة منها جائزة الاكاديميا التي تحمست جدا لحساسية المراسل الممتاز. وكان هذا في الأساس فيلم دعاية جيدا. وقد وثق توثيقا جيدا الاخلاص الرائع للاطباء الذين يعالجون الاولاد المرضى من غزة والاولاد من اسرائيل. ولم يذكر الدار كيف منعت اسرائيل بصورة منهجية طوال عشرات السنين بناء نظم طبية في المناطق المحتلة وكيف تمنع نقل معدات طبية الى القطاع كي يستطيع اولاد مرضى الحصول هناك على العلاج، وكيف ان علاج المرضى من المناطق المحتلة هو جزء من صناعة تجلب الى المستشفيات في البلاد مالا جما، بدفع فوري وبغير تخفيض (بخلاف صناديق المرضى التي تدفع أقل من ذلك وفي وقت طويل). من الذي يدفع؟ متبرعون والسلطة، التي تمنع اسرائيل بين الفينة والاخرى، بزعرنة استعمارية اعادة الاموال التي تستحقها. ما الصلة بين كل هذا والفضيحة التي كشف عنها حاييم لفنسون في صحيفة "هآرتس" في 17/2؟ ان الزعزعة لاستماع القصة محرجة كالقصة نفسها تقريبا. إما طرح المريض في الظلام حدث قبل "الرصاص المصبوب"، حيث فعل شباننا الممتازون اشياء فظيعة بجموع الناس والنساء والاولاد العاجزين. وأصبحت جرائم الطرف المنفذ جزءا من الحروب المنسية. ولم يُحاكم أحد على جرائم حرب ولا داعي ايضا لدخول نقاش في الفرق بين جندي يطلق قذيفة فوسفورية على بيت وبين طيار يسقط قنبلة على حفل تخريج رجال شرطة وبين هذين وطرح سجين جريح من سيارة شرطة. ان السيد ينسى عذاب العبد. والماضي يبتلع الفظائع. الى جانب "الرصاص المصبوب"، أدى شيبا ايضا دورا ايديولوجيا في تحسين صورة الاسرائيليين. وليس فيلم الدار وحده هو الذي لمع نجمه في هذه المعركة. فقد كتبت البروفيسورة دفنه برينبويم – كرميلي من جامعة حيفا عن مسار عذاب الاولاد من غزة في طريقهم الى شيبا، وعن وسائل الاعلام التي تطمس على سياق الحصار والنفقة الكاملة على العلاج: "يظهر من الوصف تفضل انساني من دولة غنية متقدمة تنقذ حياة اولاد دولة فقيرة ما... يكمن مثل قاسٍ بصورة خاصة في تصريح مدير المركز الطبي شيبا وهو: نريد ان ننشيء هنا مركز سلام، وان نعيد ربط فرقنا الطبية بفرق من غزة، وان نسمي المركز بأسماء بنات الدكتور أبو العيش اللاتي قُتلن في "الرصاص المصبوب"، وان نعلن بصوت مرتفع أنه توجد حياة وأنها يجب ان تستمر وإن لم يشتمل عليها تقرير غولدستون ايضا". وكان عند المدير العام ايضا ما يقول عن التقرير، ان تصور الاسرائيليين لأنفسهم بُني بواسطة طيبة القلب الخالية من المصالح، وكل ما عدا ذلك "شاذ". نعود هنا الى طرح الجريح الفلسطيني والى تعلقنا الساذج بقصة مفردة. ان المناطق المحتلة في الشرق والغرب غارقة في عدم العلم. والاحتلال يتحول الى سلسلة طويلة من القصص التي تثير القشعريرة التي لا يبلغ أكثرها ألبتة الى الاسرائيلي على مبعدة صرخة من الظلام. ورويدا رويدا يفقد الاحتلال الاطار السياسي لمعارضيه في اسرائيل ويغرق في ثقافة الخبز والتسلية. ان عدم العلم لا يتصل بمنع تقديم التقارير بل بتقديم تقارير بصورة مُضيقة وهو يتملق تصور المستهلكين لذواتهم. ان استسلاما خالصا لليمين الاستعماري يُحدق بنا. وماذا عن القصة المزعزعة؟ آه، انها تجعلنا مرة اخرى نشعر كم نحن حساسون لا قُساة فقط. --------------------------------------- معاريف – مقال – 29/2/2012 حل الهستدروت بقلم: نداف هعتسني حتى قبل وقت غير بعيد كان هناك من اغدق على عوفر عيني، رئيس الهستدروت، ثناءً جما بلا حدود، لدرجة انه زعم ان عيني هو الرجل الكبير المسؤول في الاقتصاد. النقيض لشخصية زعيم العمال الفوضوي وعديم المسؤولية. وحتى لو كان ذات مرة ما هو حقيقي في هذا الثناء، فان سبب اغداقه انقضى دون أن يخلف أثرا. عمليا، حتى احتجاج الصيف الاخير اكتفت الهستدروت ورئيسها بحماية مصالح مجموعات العمل المدللين والاكثر قوة في البلاد. تحقيق الهدوء الصناعي من جانب هذه المجموعات، وان كان شائنا وباهظ الثمن، الا انها لم تصبح هدامة بالنسبة لنا جميعا. يبدو أن التحدي دفع القطط السمان الى الحراك. لدرجة أن الهستدروت اصبحت منظمة خطيرة، منظمة تمس كل يوم بالعمال الاجيرين ومن شأنها أن تدفع كل الاقتصاد الى الانهيار. خذوا مثلا نزاعات العمل التي اقرت في الهستدروت هذا الاسبوع فقط. ضمن امور اخرى، عرقلت الهستدروت بالتهديد الاصلاحات التي كان يفترض أن تخفض اسعار رحلات السفر لنا جميعا. لماذا؟ لانها تريد أن تدافع عن سيطرة عاملي ال عال وامتيازاتهم. نزاع عمل آخر من شأنه أن يوقف قريبا الدولة بأسرها ينبع من رغبة الحكومة في أن تستخدم بطاقات ذكية كي يكون ممكنا الرقابة على اسطول السيارات الحكومية. وهذا لن تسمح به الهستدروت والسواقون الذين تحت رعايتها بكل ثمن – أحد ما سيكتشف حقا ماذا يفعله بعض من السواقين الحكوميين في ساعات العمل؛ ناهيك عن تبني هذه الفكرة في قطاعات اخرى مدللة من الهستدروت. تصوروا البدء بالزام كل موظفي احكومة والشركات الحكومية بان يكونوا يخضعون لاشراف فاعل، يتأكد من أنهم يعملون على مدى كل ساعات العمل. هذا لا يعقل. كما أن تجند عوفر عيني من أجل اللجنة الوقحة لعاملي القطار يؤشر الى العصر الجديد للهستدوت. يدور الحديث عن صراع ليس بينه وبين الرزق بكرامة شيء. هذا صراع على القوة والسيطرة حسب افضل معايير الهستدروت – نجاعة متدنية، أجر عالٍ وامتيازات بلا حدود. قبل اسبوعين فقط اوقفت الهستدروت الدولة بسبب عامي المقاول. كم من الازدواجية الاخلاقية ينطوي عليها مثل هذا الاعلان من جانب منظمة تشغل هذا القدر الكبير من عاملي المقاول الذين يكسبون أجرا متدنيا، مثلما كشف النقاب عنه في برنامج "همكور" (المصدر). فضلا عن ذلك فان مجرد محاولة الاملاء على الحكومة بان تشغل كل موردي الخدمات لها كموظفي دولة هي وصفة مؤكدة لتحويل اسرائيل الى اليونان. هكذا يخلد انعدام النجاعة ونصل الى الافلاس الوطني. المشكلة هي انه فضلا عن الفساد والازدواجية الاخلاقية للجان الكبرى، فان صراعها الحالي يمس بنا جميعا. فالكهرباء غالية ايضا بسبب الدفعات الزائدة والتقاعدات لعاملي شركة الكهرباء. المنتجات المستوردة غالية أيضا بسبب ابتزاز عاملي الموانيء. من الصعب تخفيض الجمارك، تقليص الضرائب، فتح السوق وتعزيز قوة الشراء لدى العاملين ايضا بسبب الوضع التنظيمي الذي بواسطته تسيطر الهستدروت علينا جميعا. وعليه، حان الوقت لتفكيك قوة اللجان الكبرى وتحطيم منظمتهم العليا – الهستدروت. الاحرى، ان يشلوا الاقتصاد حتى اشعار آخر. هذا هو السبيل للتأكيد لرعاياهم بان هذه المنظمة لا تمثل حقا مصالح العاملين. -------------------------------------- يديعوت – مقال – 29/2/2012 رئيس اركان الحروب بقلم: يهودا شوحط كان محاربا مجيدا ورئيس اركان ممتازا وسياسيا منفلت اللسان ومحبا للنساء والمعروضات الأثرية – ربما بنفس القدر – وكان ايضا رجل عائلة مختلفا فيه. ولا يكاد يوجد انسان بالغ في اسرائيل لا يعرف موشيه ديان، وبرغم أنه مات قبل ثلاثة عقود فان ديان ما يزال يعيش في الواقع الاسرائيلي ويثير الاشتياق الى جانب العداء. وكما يحدث احيانا مع الرموز، يصعب التفريق بين الحقيقة والاسطورة. الآن بعد نحو من ثلاثين سنة على موته، نكشف لاول مرة عن جزء من اليوميات الشخصية – العملياتية لديان حينما كان رئيس هيئة الاركان. ففي مئات الصفحات التي حُفظت جيدا في أرشيف الجيش الاسرائيلي وجهاز الأمن يبسط ديان مواقفه المتعلقة بقضايا مختلف فيها، ويوثق الجدالات المريرة والحوادث التي كانت له مع عدد من كبار مسؤولي الجيش الاسرائيلي والدولة ويكشف عن عدد من القصص لن يحب كثيرون قراءتها. ان المجلدات العشرة من اليوميات (1953 – 1958) كتبها باسم ديان رؤساء مكتبه وبخاصة مردخاي (موريله) بار أون (وضُم الى هذا التقرير مقابلة معه) الذي كتب سبعة منها. وقد اخترنا ان نحصر العناية في أواخر سنة 1956 ايام حرب سيناء (عملية كديش) التي خرج اليها الجيش الاسرائيلي بتعاون مع فرنسا وبريطانيا وتأييدهما الحماسي وهما اللتان أرادتا "إحداث نظام" في الشرق الاوسط. وكان ديان، إذ كان رئيس هيئة اركان مهيمنا في فترة حكومة بن غوريون، مشاركا جدا من وراء ستار ايضا في الاجراءات السياسية، ويمكن ان نستدل من اليوميات على علاقاته المتميزة برئيس الحكومة وسياسيين كبار آخرين مثل موشيه شريت الذي عارضه بشدة. ولم يُخف ديان ايضا عداءه الكبير للضباط الشباب الذين خدموا تحت إمرته – اريئيل شارون وقائد منطقة الجنوب آساف سمحوني خاصة الذي قاد عملية كديش. يفصل ديان في يومياته رؤيا بن غوريون التي حظيت بتأييده وهي: اسرائيل الكبرى التي تمتد من الليطاني الى سيناء وتشتمل ايضا على يهودا والسامرة اللتين لم تكونا بعد تحت سيطرة اسرائيل، وكان هناك جزء مركزي آخر في الخطة وهو التعاون مع العراق واحتلال سوريا على يده. وبعد نصر اسرائيل الكبير في عملية كديش أصبحت حماسة ديان مسيحانية تقريبا، فهو يصف بحماسة وتفصيل مناظر سيناء وكنوزها الأثرية. لكن اسرائيل اضطرت في غضون زمن قصير الى الانسحاب من سيناء على أثر ضغط دولي ثقيل. ويتناول الجزء الاخير اللواء سمحوني والعداء الشخصي الشديد بينه وبين ديان، الذي لم يستطع ان يدعه ايضا بعد ان قُتل سمحوني في حادثة طيران. "يستطيع شارون ان يغادر" قبل الحروب بين الجنرالات في يوم الغفران، وقبل الجدل في عدم إطاعة الامر العسكري في المعركة على المتلا في عملية كديش، سُجلت واقعة شديدة بين اريئيل شارون وديان على أثر "عملية شومرون" لاحتلال شرطة قلقيلية. وقد تولى شارون قيادة عملية الرد (على مقتل اسرائيليين اثنين قبل ذلك بمساء في تلموند)، التي نفذت في العاشر من تشرين الاول في 1956 وانتهت الى موت 18 من محاربي الجيش الاسرائيلي. في التحقيق الأولي بعد العملية انتقد شارون الذي كان آنذاك مقدما في الثامنة والعشرين، رئيس هيئة الاركان ديان واشتكى من أوامر عسكرية متناقضة تلقاها من القيادة العليا ومن تغييرات في خطة العملية عرفها متأخرا جدا. "توجد مزاعم مريرة جدا"، قال شارون وقصد الامر العسكري باحداث مهلة عشر دقائق بين اطلاق النار والانقضاض الذي "لم ينفذه شارون ولم يُمضه وتحدث عن هذا في حلقة واسعة وبصورة صلفة"، بحسب ما قال ديان. بعد ذلك بثلاثة ايام، في التحقيق الرسمي رد ديان على مزاعم شارون بشدة. "برغم عدم التلطف في الامر، ينبغي ان نتذكر دائما ان رئيس الاركان في مستوى قيادة أعلى. وينبغي ألا تُغير أبدا التراتبية في الجيش... يمكن الانكسار وترك الاطار اذا لم نقبل مبدأ التراتبية. ومن الخطير على وجه خاص حينما توضع على الطاولة قصة أمر من أعلى لم ينفذ لأنه لم يقنع. ترمي هذه القصة فقط الى تمجيد من لم ينفذ الامر العسكري والى المس بمكانة الرتب العليا... من الخطير جدا التدهور في منزلق الصلف والتنديد والانتقاد العقيم. وهذا يثير بي باعتباري عسكريا الاشمئزاز". شرق اوسط جديد في اثناء المباحثات مع الفرنسيين والبريطانيين في عملية كديش بدأوا في اسرائيل يتسلون بفكرة شرق اوسط جديد. ولم يقصدوا بالطبع حلم شمعون بيرس بعد سنين بل شيئا أكثر اتصالا بالكتاب المقدس. "يقصد بن غوريون ان يأتي الى باريس ويعرض على غيموليه (رئيس حكومة فرنسا) التباحث في مشكلات عامة في الشرق الاوسط"، كتب ديان قبل الخروج للحرب بعشرة ايام. ما هي الخطة؟ توسيع حدود اسرائيل من الليطاني الى سيناء، واحتلال العراق لسوريا ومساعدة المسيحيين في لبنان على السيطرة على الحكم في الدولة. "تُطور امكانات اتصال بالبريطانيين ويبالغون في خطط عن تنظيم من جديد لخريطة الشرق الاوسط، أي ان يدخل العراق الضفة الشرقية ويبتلع سوريا، وان يصبح لبنان دولة مسيحية وتحتل اسرائيل الضفة الغربية وتتوصل الى اتفاق مع نوري السعيد (رئيس حكومة العراق) وان تُسكن نصف مليون لاجيء بنفقة مالية امريكية وان توسع اسرائيل حدودها حتى نهر الليطاني وتحتل غزة وجزءا من سيناء". لمن سيصوت الغزيون؟ قبل 55 سنة وقبل ان تنتهي عملية كديش، أقلقت قضية غزة قادة الدولة. كانوا آنذاك كما يبدو ما يزالون متفائلين وآمنوا بصدق ان وكر الأفاعي المستقبلي يجب ان يكون جزءا لا ينفصل عن اسرائيل بل عن مجلسها النيابي. اقترح ديان في البداية ان تصدر اسرائيل في غزة صحيفة يومية بالعربية لأهداف دعائية. في يوم الجمعة الثاني من تشرين الثاني 1956، في منتصف الليل اجتمع كبار القادة في جهاز الامن للتباحث في غزة المحتلة. ووثق مردخاي بار أون ما جرى. "يجب ان نصنع هناك نظاما وان نحصل على ضرائب"، قال ديان. "سنهتم بمسألة تمثيلهم في الكنيست بعد ذلك... يجب من جهة السكان ان نعتبرهم جميعا بمثابة لاجئين وان نشجع مؤسسات اجنبية على العناية بهم من جهة الاقتصاد والمساعدة والصحة، وينبغي بالطبع ان نحاول احتجاز أكبر عدد من الأسرى". واقتُبس من كلام آساف سمحوني، قائد العملية الذي قال "يجب ان نُفرد لغزة قوة عسكرية ناجعة. فالشرطة وحرس الحدود وجهات الاحتياط غير ملائمة. انهم ببساطة يخافون ولا يتحركون. وهناك خشية من انحلال من الداخل". بعد ذلك بيومين في الرابع من تشرين الثاني، وبعد ان تم احتلال القطاع، سافر ديان مع حاشيته لجولة في غزة. "الاراضي في القطاع كله مفلوحة بصورة حسنة وتبدو الزراعة مُعتنى بها وهناك أزهار وحدائق فواكه ونخيل. ويلاحظ فورا لدى أول نظرة اكتظاظ كبير للسكان. ويُذكر قطاع غزة بمناظر لم نرها منذ ثماني سنين فهناك أكواخ داخل البيارات، وبيت وبرك، وبدو مفرقون هنا وهناك... وبيوت من مواد بلا حجارة، وهنا وهناك دائل أثرية على بقايا قديمة". وبعد ذلك حفر ديان في دير البلح وباعت أرملته لمتحف اسرائيل عددا من المعروضات. الموت للسالبين بدأت منذ أول يوم من القتال في الجنوب تصل من الجبهة تقارير مقلقة عن جنود ومدنيين اسرائيليين يسلبون كل ما يتاح لهم. وأعلن ديان محاربة هذه الظاهرة، ويُذكر هذا الشيء على طول يومياته كلها مرة بعد اخرى. "يهيج في غزة سلب ويريد آساف (سمحوني) ان ينشر تحذيرا في الصحف"، كتب بار أون في الثالث من تشرين الثاني. "يعارض موشيه هذه الصيغة ويُجيز نشر اعلان ان غزة منطقة عسكرية مغلقة بسبب الأخطار (الالغام والقناصة وما أشبه). لا يجوز التمكين من الوصول الى الحوانيت واذا احتيج فانه ينبغي اطلاق النار على سيارات تخرج الغنائم. ان مدينة مغلقة مع حظر تجول تُمكّن من سلب حوانيت أصحابها غير موجودين". ومن الغد خرج ديان في جولة ميدانية وأبلغ قائلا: "يجب على الشخص ليصل الى داخل المدينة ان يمر بثلاثة حواجز أو اربعة من انواع مختلفة وان يتم تفتيشه... تمت هذه التشديدات أمس بعد ان شاع عار السلب، فقد بدأ عسكريون ورجال شرطة والبلدات الحدودية ويهود عاديون يتدفقون ويضعون أيديهم على ما يجدون. وبأمر شخصي من بن غوريون تم اتخاذ خطوات شديدة جدا، فقد أُطلقت النار على يهودي على يد الحرس وقُتل، وجمع آساف سكرتيري الكيبوتسات ووبخهم توبيخا شديدا واعتقلت الشرطة يهودا كثيرين واضطرت بعض المنازل الى اعادة الغنائم... قُبل في الاثناء اقتراح ايلي زعيرا بيع المعسكرات (القصد الى المعسكرات المصرية) لتجار العريش. ليدفعوا وليغزوا المعسكرات كالجراد ويحلوا كل ما استطاعوا". ذكريات من سيناء احتلت اسرائيل شبه جزيرة سيناء في سبعة ايام. ووصف ديان الذي جاء الى المكان مع حاشيته ما رأته عيناه: "في المفترق احتفال. الجميع يحتضن بعضهم بعضا هناك. وتلتقي أنت في المفترق فجأة اصدقاء لم ترهم منذ حرب التحرير. اجل أي مكان رائع للقاء". وقد ضم ديان ورئيس مكتبه الى اليوميات الشخصية رسائل استسلام كبار قادة الجيش المصري ووثقا، بشاعرية تقريبا، الجولات الاستطلاعية الكثيرة في شبه الجزيرة. "السبت، 3 تشرين الثاني. نمر بخط سطح الماء ويبدو لعيني ساحل البحر المذهب، خليج السويس مع أزرق عميق ومن بعيد افريقيا الكبرى. شعرت لاول مرة بمجاورة حقيقية لقارة جديدة قريبة جدا. انه الشعور بعوالم تنفتح، الشعور بالتجديد والبدء والشعور بالخروج الى الفضاء يشبه شعورا وطنيا جديدا وكأننا خرجنا من ركننا الصغير... ينبغي ان نسلك سلوك أصحاب بيوت يُعدون أنفسهم للبقاء هنا آلاف السنين الاخرى. انتظرنا هذا وقتا طويلا. ويخطيء من يظن انه يستطيع اخراجنا من هنا بسهولة...". وفي فترة اسبوعين منذ انتهت الحرب عاد ديان الى الميدان عدة مرات. "يوم الاحد، 18 تشرين الثاني، كان اليوم كله جولة عسكرية أثرية على طول ساحل البحر، من غزة الى العريش... ان المنطقة تثير الاهتمام كثيرا من جهة أثرية. تجولنا في تل العجول المليء ببقايا من اعمال حفر غريستنغ وبيتري وكين في رفح. وفي تل الشنار وجدنا خزفا ملونا مع نماذج جميلة حقا فوق التل... وجندنا البدو حولنا لمتابعة الحفر...". بعد ذلك باسبوع عاد ديان في جولة شمالي سيناء يصاحبه رحبعام زئيفي الذي كان آنذاك رئيس مقر قيادة الجنوب. "قرب الينبوع (في قطيفة) توجد مجموعات مفرقة من البدو الجائعين، كل بدوي وكتيبة ذبابه الشخصية. يوجد هناك نحو من ألفي عائلة من أبناء الطرابين والعزازمة الذين تمتعوا حتى الآن بمساعدة الاونروا، لكنهم لم يروا منذ حدثت العملية أحدا ولم يحصلوا على كسرة خبز. وهم في الاثناء يغزون السيارات المفرقة في الصحراء ويسلبون السلاح والطعام والاطارات وكل ما يتاح لهم وينقلون كل ذلك الى الاردن. البندقية في الاردن سعرها 30 دينارا وهو سعر جيد بالنسبة لبدوي جائع وهي تعادل المخاطرة التي يقوم بها. وسمعنا من الاسرى المصريين كيف كانوا يخافون من البدو أكثر مما يخافون من الجيش الاسرائيلي حينما كان البدو ينقضون على الفارين ويضربونهم على رؤوسهم ليحظوا بالملابس والمتاع الشخصي". كتب موريله في يوميات ديان: "أمر موشيه بأن يُعرض على البدو عملية نقل جماعي الى الاردن أو الى كل مكان آخر لابعادهم عن قطيفة الى ما حول العريش حيث يستطيعون ان يُشملوا في عمليات وكالة الغوث ويكونوا تحت رقابة أكبر. وان تهدم بيوت قطيفة تماما وتردم البئر هناك كي تكف عن كونها مركزا لهؤلاء المساكين". ينبغي مضايقة الامم المتحدة حل محل فرح النصر في حرب سيناء خيبة الامل سريعا منذ ان تبين ان العالم يضغط على اسرائيل للانسحاب. واختفت الابتسامات في هيئة القيادة العامة سريعا وحل محلها – وما أعجب هذا – غضب على الامم المتحدة وعلى حلفاء اسرائيل الذين لم يقفوا الى جانبها. اقترح ديان ان يُخرج من الفور مراقبو الامم المتحدة من غزة، "لنقف الآن خاصة على الاختلاف بين منطقة غزة التي لا جدل بحسب تصورنا ألبتة في أنها لاسرائيل وبين سيناء – ان رمي المراقبين خارجا سيظهر ان هذه منطقة ليس للامم المتحدة ما يشغلها فيها". ويتهرب الشيخ، كما يكتب ديان. "لا امكانية الآن لزيادة الخصومة مع الامم المتحدة بطرد الضباط، وهو طرد يمكن ان يتم في واقع الامر بالقوة فقط وسيحدث جلبة وضجيجا... بسبب سلوك قاسي من قبل دولة اسرائيل في مواجهة المؤسسة الدولية المقدسة"، هكذا يحلل ديان موقفه. "استقرت آراؤنا على ان نستعمل عليها (منظمات الامم المتحدة) سلسلة عمليات مضايقة تُكرِّه اليها بقاءها هناك وتجعله بلا طعم وفائدة". بعد ذلك بايام معدودة، في جلسة هيئة القيادة العامة أبلغ ديان ما يلي: "في حديث حر وافق جميع الحضور (ومنهم اسحق رابين) على قرار الحكومة المتوقع على الانسحاب من سيناء بسبب الضغط السياسي. وزعم غاندي بتسرعه انه حتى لو كلفنا الاصرار على سيناء قصف تل ابيب وعشرة آلاف قتيل فانه يجدر الاصرار، لكن لا أحد قبل رأيه بل ان الرأي الذي عبر عنه أثار غضب الحضور على كفة العقل وعدم الجدية". بعد الحرب فورا تم تبادل أسرى ويمكن لهذا الاقتباس من كلام ديان ان يلائم ايضا الصفقات مع حزب الله وحماس: "ان الجندي المصري باعتباره انسانا ليس له قدر في نظرهم ألبتة. أُخرج وانظر كم من الجهد تبذل دولة اسرائيل لافتداء كل أسير فرد، وعدم اكتراث المصريين بازمة 5 آلاف عائلة". "أبطل الانتصار؟!" أُفرد جزء من يوميات ديان للصراع الشديد الذي نشب بينه وبين قائد منطقة الجنوب وقائد عملية كديش الراحل آساف سمحوني. فقد زعم ديان ان سمحوني عمل بخلاف الأوامر العسكرية حينما أمر اللواء السابع بالتقدم الى داخل سيناء. بعد وقت قصير تبين ان سمحوني قتل بتحطم طائرة نقلته هو والمقدم درومي عائدين من منطقة الجنوب بعد نهاية الحرب، لكن موته لم يهديء الجبهة ايضا، ففي الحادي عشر من تشرين الثاني، يوم الاحد صباحا، في جلسة مع رئيس الحكومة بن غوريون، طلب رئيس الحكومة منح سمحوني رتبة لواء (قتل سمحوني إذ كان عقيدا). "يعارض موشيه ويطلب اعفاءه من هذا الامر"، كُتب في يوميات العمليات. "ان التمجيد مخصص حتى الآن فقط لجهد في ميدان القتال لا لتميز في القيادة أو في الادارة، هذا الى كون آساف لم يتميز في قيادة المعركة وادارتها". بعد مرور بضع ساعات تمت جنازة سمحوني. وأبنه بن غوريون تأبينا مؤثرا مليئا بالعاطفة وشعر ديان مرة اخرى بعدم ارتياح. وفي الختام خرج ديان من هذا الصراع ويده هي السفلى. فقد خُلد اسم سمحوني وكذلك تعبير "جنرال النصر" بأسماء شوارع مختلفة في البلاد. ونشر في المدة الاخيرة بحث قام به يوآف ابن سمحوني أوضح ان أباه قد عمل بحسب أوامر هيئة القيادة العامة.