موقف الجبهة الشعبية في قضية المرأة


تمهيد : تحتل قضية المرأة أهمية خاصة في التراث النظري للماركسية – اللينينية وفي برامج ونضالات الأحز
حجم الخط
تمهيد : تحتل قضية المرأة أهمية خاصة في التراث النظري للماركسية – اللينينية وفي برامج ونضالات الأحزاب اليسارية الماركسية الثورية. وذلك نظراً لأهمية الدور الذي يجب أن تضطلع به المرأة في النضال من أجل التحرر الوطني والاجتماعي باعتبارها "نصف المجتمع"، وتكتسب مسألة المرأة أهمية خاصة في واقع شعبنا الفلسطيني انطلاقاً من طبيعة المرحلة النضالية التي يمر بها شعبنا وطبيعة العدو الذي نجابهه والذي يعني العمل على تعبئة كل طاقات شعبنا من أجل احتلال المكان اللائق به تحت الشمس، من أجل تحرره واستقلاله وتقدمه الاجتماعي. قضية المرأة من حيث الجوهر هي واقع عدم مساواتها بالرجل، بل وسيطرة الرجل وسطوته عليها، واقع خضوعها وتبعيتها واستعبادها. واقع حرمانها من حقوق عادلة ومشروعة، ومصادرة شخصيتها واستقلالها. سلب إرادتها وحريتها وإكراهها بشتى السبل والوسائل المادية والمعنوية، الحقوقية أو الثقافية على أداء واجباتها، هذا هو الجانب الأول من قضية المرأة، أما الجانب الثاني فهو تحررها من هذا الواقع المهين والبائس واسترداد حقوقها المسلوبة، تحريرها من قيود العبودية ورفع الظلم عنها والتخفيف من معاناتها والاغتراب الذي تعيش. إن الاستقلال الاقتصادي للمرأة هو من بين أكثر المقومات جوهرية لتحرر المرأة، وقد كتب انجلز في هذا الصدد يقول: "لم يكن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق التشريعية سبباً بل نتيجة لاضطهاد المرأة اقتصادياً" وبالتالي فإن تبعية المرأة الاجتماعية هي حصيلة لفقدان استقلالها الاقتصادي ولذلك فإن عودة المرأة إلى الإنتاج الاجتماعي ومساهمتها في العمل الإنتاجي إلى جانب الرجل، هي الشرط الأول والأساسي لتحررها. وبقدر ما هو مهم أن تحصل المرأة على استقلالها الاقتصادي والمساواة في العمل يصعب بنفس القدر تحقيق ذلك من الناحية العملية بسبب الأعباء التي تترتب على عاتق المرأة من العمل المنزلي ومن مهمة تربية الأطفال وتهيئة الأجواء المناسبة للرجل، فضلاً من بقايا المفاهيم والنظرات المتخلفة المتأصلة في الوسط الاجتماعي والأسري المحيط بالمرأة. فالمرأة لا يمكن أن تستطيع التمتع بالمساواة الاجتماعية الكاملة دون أن تحصل على الحقوق المتساوية داخل الأسرة وفي البيت وأن هذه المساواة الحقيقية في الأسرة إذ ترتبط أوثق ارتباط بشرط المساواة المدنية القانونية، والاستقلال الاقتصادي، لكنها في الوقت نفسه، تتأثر بالتقاليد والرواسب الاجتماعية القديمة، إضافة لها أن التغييرات التي تطرأ على البيئة العائلية تجري بصورة أبطأ من تغيير العلاقات الاقتصادية. وفي الوقت الذي تعطي فيه النظرية الماركسية – اللينينية لدور المرأة في العمل ولفعاليتها في ميدان الإنتاج المادي، أهمية استثنائية تتعلق بنمو فعاليتها في العمل وفي مجال الإنتاج، وبأن تحررها الكامل والنهائي ومساواتها الحقيقية بالرجل لا يمكن أن تتم إلا من خلال إسهامها الفعال مع الرجل في العمل الإنتاجي. وبالتالي فاننا في الجبهة الشعبية نفهم قضية تحرير المرأة لا بوصفها قضية خاصة بالنساء وبدرجة نضالهن من أجل المساواة بالحقوق، رغم أهمية هذا النضال وضرورته، بل أن قضية تحرير المرأة، هي من وجهة نظرنا جزء من التحرير العام لكل المظلومين. وبهذا المعنى لا يمكن أن تحقق إلا في مجرى النضال الظافر الذي تخوضه الطبقة العاملة وعموم الفقراء والكادحين والمضطهدين من أجل إسقاط الرأسمالية وانتصار الاشتراكية وبناء المجتمع الاشتراكي. إن تجربة جميع الحركات الثورية تدل بأن نجاح الثورة يتوقف على مدى اشتراك النساء في هذه الثورة، إذ أنه لا يمكن اجتذاب الجماهير إلى العمل السياسي دون اجتذاب النساء إليه. إن قضية تحرر المرأة بوصفها قضية معقدة وشائكة لا ترتبط فقط بالناحية الحقوقية وبالقوانين الرجعية المكرسة لمصادرة حقوقها الأساسية بل ببقايا العادات والتقاليد والرواسب الاجتماعية والفكرية لدى المجتمع ولدى الرجل بوجه خاص، وبمستوى التطور الاقتصادي. إن المرأة الفلسطينية التي شاركت في مسيرة الكفاح الوطني، وأجلت بصورة طوعيه أو إكراهية، نضالها من أجل حقها في المساواة مع الرجل في المرحلة السابقة، من حقها علينا – في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجميع فصائل وأحزاب القوى الديمقراطية الأخرى، أن نقف إلى جانبها بكل وعي والتزام، دفاعاً عن كل حقوقها في المساواة والحرية الشخصية والمدنية والقانونية وغير ذلك من الحقوق، عبر إنهاء حالة الاغتراب للمرأة داخل أحزابنا الفلسطينية، وتعميق المفهوم والعلاقة الرفاقية القائمة على الاحترام العميق والحرص والتوازن الكامل والمساواة، إذ أن تطبيق هذه الممارسة داخل الحزب يشكل مدخلا لتطوير العلاقة الإيجابية مع المرأة، الزوجة، والأخت والأم بما يجسد الموقف الجدلي الصحيح في الجمع بين النظرية والتطبيق، جمع القول والممارسة، وفي ضوء هذه الرؤية يصبح نضال المرأة الآن من أجل حقوقها الشخصية والاجتماعية والمدنية أمر مشروع وضروري، خاصة في ظل تقاعس السلطة الفلسطينية عن القيام بتغيير أو تخفيف معاناة المرأة في معظم جوانبها الحياتية والقانونية، بما يتطلب وضوح موقف كافة القوى السياسية في المطالبة بإلغاء كافة التشريعات والقوانين والأنظمة القديمة، مثل قانون حقوق العائلة لسنة 1954 المعمول به في قطاع غزة، وقانون الأحوال الشخصية الأردني لسنة 1976 المعمول به في الضفة الغربية. قضية المرأة الفلسطينية من وجهة نظرنا في الجبهة: إن أزمة مجتمعنا الفلسطيني –في إطار الأزمة العامة للمجتمعات العربية- بالمعنى المعرفي الشمولي الذي يقوم على ان مجتمعاتنا عموما ، لا تعيش ، أو تنتسب الى زمن حداثي أو حضاري ديمقراطي بالمعنى الجوهري ، وهو وضع جعل من استمرار الأنماط أو الأزمنة القديمة أو إعادة إحيائها عبر إعادة إنتاج التخلف أمرا يكاد يكون طبيعيا بوسائل اكراهية وعنيفة أحيانا ، أو بوسائل تبدو أنها سياسية في أحيان أخرى . ان تراكم هذه المظاهر في حالتنا السياسية الفلسطينية عبر أدوات وعلاقات السيطرة الفردية والبيروقراطية والإخضاع للأغلبية الساحقة من الأفراد في مجتمعنا ، لم تقتصر آثارها الضارة ونتائجها السلبية عند الحق الخاص –للرجل أو المرأة- المرتبط بالمعنى السياسي أو الديمقراطي أو القانوني أو الحرية في الرأي والتعبير فحسب ، بل تمتد الأزمة الى الحق أو الحيز العام لكل المجتمع بكل أفراده من النساء والرجال على حد سواء ، بما يعمق مظاهر الهبوط السياسي على الصعيد الوطني ومظاهر التخلف والتبعية على الصعيد الاجتماعي الداخلي في مثل هذه الظروف من تعمق مظاهر الأزمة بأبعادها السياسية في إطار الصراع العربي – الصهيوني ، أو بأبعادها الاجتماعية في إطار التبعية و الفقر و التخلف العام ، يمكن تناول قضية المرأة الفلسطينية أو العربية ، و هي ظروف توفر الرؤية الموضوعية للرجل و المرأة باعتبارهما كائنان إنسانيان يتلقيان و يتحملان معاً كل نتائج هذه الأزمة السياسية أو الطبقية أو العنصرية أو غير ذلك . و لكن إقرارنا بإمكانية توفر هذه الرؤية الموضوعية للرجل و المرأة معاً في مواجهة الأزمة في الظروف الراهنة ، لا يعني إغفالنا لخصوصية قضية المرأة في بلادنا ، المتمثلة في الجذور الاجتماعية و الثقافية و التاريخية ، التي تشكلت و ترسخت بصورة سلبية عبر المسار التاريخي العربي ، الذي توحد في كل مراحل تطوره ، القديم و الحديث و المعاصر ، في النظرة أو الموقف من المرأة ، الذي يقوم على أنها امرأة وَّلادة أو زوجة أو خادمة أو معشوقة و غير ذلك من الصفات و المفردات التي جمعت في معنى أو مغزى واحد بين المرأة و الصفات المادية أو الجسدية بعيداً عن سمات التفكير و التدبير و تحمل المسؤولية ، ودليلنا على ذلك ما نشاهده أو نقرأه من معطيات في واقعنا الراهن ، حول نظرة الرجل إلى المرأة ، التي ما زالت تقوم على الاضطهاد و الدونية و حرمانها من المشاركة في القرار أو المطالبة بحقوقها أو التعبير عن رأيها ، إلى جانب التعاطي معها كسلعة جسدية و ما تقدمه اليوم البرامج التلفزيونية المعولمة و بعض دور الأزياء و الأفلام السينمائية ، و بعض الكتب و المجلات ووسائل الإعلام …الخ باسم الانفتاح يعزز تلك النظرة . إن طرحنا لهذه الخصوصية المرتبطة بقضية المرأة في بلادنا ، يستهدف التصدي لهذه النظرة الموروثة المستقرة حتى الآن في الذاكرة الجمعية لمجتمعنا ، كامتداد لاستقرارها في العلاقات الاجتماعية و العادات و التقاليد و الأعراف التراثية و الموروثة المشوهة التي تتجدد يومياً في سياق عملية إعادة إنتاج التخلف عبر الأزمة الراهنة في بلادنا ، بما يجعل من التصدي لكل هذه العوامل الموروثة السالبة قضية ترتبط أولاً و أخيراً بالتصدي لأزمة مجتمعنا كله بكل أبعادها ، ذلك لأن أي حديث عن خصوصية المرأة ، أو قضاياها بمعزل عن هذه الأزمة العامة ، لا يرتقي في أحسن الأحوال إلا إلى شكل من أشكال الترميم الظاهري أو الشكلي لبنيان مهترئ ، فالعمل الإصلاحي لا يحل القضايا الأساسية المتعلقة بحرية المرأة ، و لا يحقق لها المساواة في الحقوق المدنية و الاجتماعية ، بالضبط كما هو العمل الخيري أو الاغاثي – السائد اليوم عندنا في ظروف الانتفاضة بصورة خاصة – يظل عملاً هامشياً ، غير أساسي ، لن يقضي على الفقر و الحاجة كما لن يسهم في تعزيز الصمود و المقاومة بقدر ما يسهم في خلق قيم سالبة. فالتحرر الحقيقي للمرأة إذن ، هو التحرر من الاضطهاد الاجتماعي بمساواتها بالرجل في الحقوق ، و في اتخاذ القرار في كل الميادين و على كل المستويات ، و المشاركة في الأنشطة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و الأسرية ، هذا هو التعبير عن حقيقة الارتباط الوثيق بين قضايا المرأة الفلسطينية و قضايا مجتمعها في الاستقلال الوطني و النهوض و التقدم الاجتماعي و التنمية و العدالة الاجتماعية و الديمقراطية بالالتحام العضوي بالحامل القومي العربي من حولنا ، و هي قضية يتحمل مسؤوليتها الطليعة المثقفة من الرجال و النساء على حد سواء ، لأن مواجهة جوهر الأزمة الراهنة ، بكل مظاهر التخلف و التبعية و الجهل و الاستبداد و القهر ، إلى جانب الفقر و سوء توزيع الثروة و غياب العدالة الاجتماعية ، يحتم هذا الترابط الجدلي الفعال بين السياسة و الاقتصاد ، أو بين التحرر الوطني و القومي من جهة ، و التحرر الديمقراطي المجتمعي الداخلي من جهة أخرى ، فإذا كان العامل السياسي – في ظل الأزمة الراهنة – يلعب دوراً هاماً في تعزيز الهيمنة السياسية الطبقية البيروقراطية الفردية ، فإن العامل الاقتصادي يعزز و يكمل ذلك الدور في المجتمع عموماً ، و في إخضاع المرأة بصورة خاصة بالاستناد إلى التشريعات و القوانين من جهة أو بالاستناد الى الهيمنة الذكورية الاقتصادية والتاريخية من جهة أخرى ، إذن وفي سياق حديثنا عن قضية المرأة في بلادنا ، فإن التحرر الاقتصادي شرط أولي لكل تحرر مادي أو معنوي ، اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك ، وهنا تتبدى أهمية العمل بالنسبة للمرأة المعزز بالشهادة العلمية كشرط أساسي لعملية تحرر المرأة في سياق العمل ، إذ أن العمل المجرد الذي يتيح دخول أعداد كبيرة من نساء الطبقات الشعبية الكادحة الى سوق العمل المأجور ، لا يوفر سوى شكل من أشكال التحرر الجزئي الاقتصادي ، وهي ظاهرة معروفة في بلادنا ، بحيث تبقى المرأة خاضعة لشروط الاضطهاد والخضوع الاجتماعي داخل الأسرة وخارجها ، خاصة وأن طبيعة التطور المشوه في مجتمعنا ، وتعدد أنماطه ، وتباينها في القرية عن المدينة عن المخيم عن المناطق الفقيرة من حيث العلاقة والموقف من المرأة ، رغم شكلية هذه التباينات التي تتوافق في النهاية أو الجوهر مع طبيعة البنية الذكورية للمجتمع التي لا تقبل الاختلاف أو التعدد في الرأي أو النقاش الحر المفتوح إلا في حالات استثنائية ، والمفارقة ان العدد الأكبر من جماهير النساء في بلادنا –يقبلن بهذه الذكورية في ظل استمرار غياب شعور المرأة بذاتها بصورة واضحة ، بل وتتحمل –بصورة طوعية أحيانا لاعتبارات دينية أو تراثية- النصيب الأكبر من هذا التفرد والاستبداد الذكوري . ولكي لا نساق الى التحليل غير العلمي ، الذي يكتفي بظواهر الأشياء كحقائق فعلية للواقع بعيدا عن جوهره ، نقول ان الخصم الأول للمرأة هو المجتمع بأغلاله وقيوده وفقره وتبعيته الناتجة عن تخلفه وعجزه عن التحرر الوطني والاجتماعي ، وليس الرجل زوجا أو أخا أو أبا …إلخ –الذي يبرز في كثير من الحالات أو أشكال التعامل كخصم في ظرف محدد- فالمجتمع كسبب أولي و رئيسي ، هو الذي يميز بين الطفل الذكر منذ صغره عن أخته التي تتعلم أو تتشرب الرضوخ لأخيها و للجنس المذكر عموماً منذ نعومة أظفارها ، إذن فالرجل كجنس ليس مسؤولاً عن اضطهاد المرأة ، بدليل أنه يتعرض للإستغلال و الإضطهاد أيضاً و هذا بدوره يدفعه إلى اضطهاد المرأة في ظروف القهر و الفقر و التخلف المشترك لكل منهما ، و هو اضطهاد مرفوض بالطبع بغض النظر عن دوافعه و أسبابه . على أي حال ، و بالرغم من هذه الصورة ، و تعدد المعوقات ، فهناك المئات من النساء الطليعيات اللواتي ساهمن بدورهن في مسيرة الكفاح الوطني عموماً و في مسيرة النضال الاجتماعي – الحضاري من أجل تخليصها من كل الموروثات السالبة ، و تحريرها و خلاصها من كافة المعوقات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية على وجه الخصوص ، و في هذا السياق ، فقد شاركت المرأة الفلسطينية في المؤتمر الرابع للمرأة الذي عقد في بكين في 15/9/1995 ، الذي ناقش أهم القضايا المرتبطة بالمرأة : كالفقر و الصحة و العنف و الحقوق ، و دورها في الاقتصاد و التنمية ، و أصدر المؤتمر ما عرف بـ "إعلان بكين" الذي استعرض أهم القضايا و المطالب الخاصة بالمرأة و حقوقها و أكد على الأهداف الرئيسية للمرأة ، الخاصة بمساواتها و تقدمها و زيادة مشاركتها في مختلف المجالات السياسية والثقافية و الاجتماعية والتنموية . وفي هذا السياق، فقد شكلت مبادئ الأمم المتحدة ومنظومة حقوق الإنسان أساسا مرجعياً أضفي مشروعية كاملة وشاملة علي المطالب التي رفعتها الحركة النسائية و شكلت المواثيق الدولية التي تعني بحقوق الإنسان خصوصاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إطاراً قانونياً لمساواة المرأة في الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وجاءت اتفاقية القضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة كتتويج لسياق قانوني تشريعي منصف للمرأة، ويستجيب لمطالبها في المساواة ورفض التمييز ضدها من أي نوع كان . الا ان العلاقات الاجتماعية السائدة في بلادنا حتى اللحظة، ما زالت تشكل قيداً على تحرر الانسان، بسبب تعمق عوامل ومظاهر التخلف الاجتماعي نتيجة التطور المشوه والتبعية وهيمنة الشرائح الاجتماعية البيروقراطية والطفيلية والكومبراورية على النظام السياسي في بلادنا، ما ادى الى انتشار وتعمق مظاهر الاستغلال الاقتصادي والاضطهاد الطبقي والبطالة والفقر التي انعكست بصورة سالبة على حياة المرأة في مجتمعاتنا. إن إقرار" إعلان بكين" كوثيقة إجماع و كدليل عمل لمؤسسات و حكومات المجتمع الدولي الموقعة عليه ، و تأكيده على أن قضية المرأة هي قضية عامة واحدة في العالم كله ، يشكل في حد ذاته بعداً إنسانيا أممياً عاماً، لا يتعارض مع قضايا المرأة الخاصة ، و التفصيلية من حيث حجم الاستغلال و الاضطهاد و حقوق المرأة و درجة تقدمها ، التي تختلف باختلاف المكان و الزمان ، و اختلاف العناصر التاريخية الموروثة ، و الحديثة المعاصرة المكتسبة ، المكونة لقضية المرأة إذ أن خصوصية أوضاع المرأة في بلادنا ، بمعنى اختلافها عن مثيلتها في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا ، لا تتعارض أمريكا صحة القضايا العامة المعاصرة الصحيحة التي أكد عليها "إعلان بكين" ، وفق هذه القاعدة ، فإن وعينا بأهمية الترابط المستقبلي العضوي لقضايا المرأة الفلسطينية بالحركة النسائية العربية ، يشترط إدراك الخصائص المميزة لمجتمعنا الفلسطيني ، و المجتمعات العربية من حولنا ، لإستكشاف و استنهاض عناصر التوحد لقضية المرأة العربية ، في إطار العناصر التوحيدية على المستوى القومي بما يؤدي إلى تقاطع و تطابق العناصر التكوينية الخاصة مع الإطار و الأهداف العامة ، ذلك لأن الحركة النسائية العربية ، لم تزل بعد ،غير موحدة البرامج و الأهداف ، و يغلب على بنيتها التشتت و الضعف ، إلى جانب العديد من الخلافات ذات الطابع الفكري الديني و السياسي ، لذلك فالمطلوب أن تتوحد الطليعة النسوية الديمقراطية في إطار برنامج تقدمي عصري موحد ، يمكنها من النضال لتحقيق أهدافها بالتعاون المباشر مع الرجل عبر الأطر السياسية الحزبية المنظمة ، التي لا يمكن بدونها تفعيل العلاقة بين الأطر النسوية و جماهيرها ، فالعمل المنظم وحده ، الكفيل بتفعيل هذه العلاقة على الصعيد الجماهيري من جهة ، و بلورة دور الحركة النسائية كحركة اجتماعية فاعلة في صفوف الحركة السياسية الوطنية الديمقراطية العامة من جهة أخرى. و في هذا الجانب ، فإن تراجع دور الحركة النسائية كحركة ديمقراطية اجتماعية مطلبية في فلسطين ، هو انعكاس مباشر عن تراجع دور أحزاب التيار الديمقراطي ، بما في ذلك جبهتنا ، في تفعيل القضايا و المطالب الوطنية الديمقراطية للمرأة ، و إذا كان لهذا التراجع أسبابه الموضوعية و الذاتية ، إلا أنه شكل غطاء أو ذريعة لانتقال العديد من الكوادر النسائية نحو العمل في المنظمات و المؤسسات الأجنبية غير الحكومية ، التي انتشرت في مرحلة ما بعد أوسلو بصورة كمية واسعة غير طبيعية ، لاستيعاب هذه الكوادر من النساء و الرجال بل و ساهمت في خلق المناخات و المغريات المادية التي أدت إلى فك ارتباط هذه الكوادر بأحزابها و تحويل معظم النشاطات النسائية و المجتمعية الأخرى و تمركزها في هذه المنظمات بعيداً عن إطار العمل السياسي و دوره في العمل الجماهيري المنظم. و مع إدراكنا لطبيعة هذه المرحلة الانتقالية و تعقيداتها ، السياسية و المجتمعية و التنظيمية – خاصة بعد عملية اعادة الانتشار من قطاع غزة - ، التي ساهمت في هذه الحالة من الركود أو العجز أحياناً الذي أصاب فصائل و أحزاب التيار الديمقراطي فيما يتعلق بقضية المرأة و عدم القدرة على تأطيرها في منظمات جماهيرية أو حركات اجتماعية مؤثرة ، إلا أن الرؤية الموضوعية لطبيعة المرحلة التي تقوم على الجدلية التبادلية في التفاعل بين ما هو وطني و ديمقراطي ، بحيث يصبح تطور و تقدم البعد الاجتماعي الديمقراطي الداخلي شرطاً و مدخلاً للبعد الوطني التحرري ، و ما يعنيه ذلك من انتقال أحزابنا الديمقراطية من شكلها و طبيعتها الريفية إلى الشكل و المحتوى العصري في التنظيم و السياسة و الأيديولوجيا المعبرة عن الواقع ، إلى جانب الأداء و الممارسة الملتزمة بقواعد و ضرورات التخصص لكافة العناوين و القضايا الوطنية و الديمقراطية المطلبية بما يسهم في ارتقاء أحزاب التيار الديمقراطي من حالة الأحادية السياسية التاريخية إلى أحزاب سياسية ديمقراطية اجتماعية تستجيب لمتطلبات الوضع الراهن ، سيشكل ذلك مدخلاً و أرضية لتفعيل دور الأطر النسوية و تحويلها إلى حركات سياسية ديمقراطية ذات طابع جماهيري و اجتماعي ، خاصة و أن الظروف الراهنة التي يعيشها شعبنا ، لم تعد تحتمل مزيداً من تكريس الرؤى التوفيقية أو سياسة المهادنة ، عبر رؤيتنا و تحليلنا لواقع و متطلبات الواقع الاجتماعي ارتباطاً بمصالح الفقراء و الكادحين عموماً ، و بمصالح المرأة الفقيرة و الكادحة خصوصاً ، فهي الأكثر اضطهاداً و معاناة و عطاء و تضحية في ذات الوقت ، من غيرها من النخب النسائية تاريخياً و راهناً . فالمعروف –لكل متابع أو باحث أو مؤرخ- لتاريخ نضال شعبنا الفلسطيني و ثورته ضد الاستعمار البريطاني و الحركة الصهيونية ، أن المقاومة الفعلية ، بالتحضير و الإعداد أو المواجهة و الاستشهاد استندت في سياق تطورها من الفكرة الى التنظيم الى الحركة الثورية على الجماهير الشعبية الفقيرة و الفلاحين بصورة خاصة ، دون أي دور ملموس للنخب الشبه إقطاعية أو كبار الملاك (الأفندية) الذين كانوا واجهة هشة تصدرت قيادة الحركة الوطنية لحماية مصالحها الطبقية و علاقاتها مع القوى العربية الرجعية و غيرها ، و لم يكن غريباً أن جماهيرنا الشعبية المناضلة رفعت شعارها المعروف المعبر عن حقيقة الصراع آنذاك ، "يسقط الاستعمار و الصهيونية و الافندية" و في خضم هذا الصراع الوطني قامت المرأة الفلسطينية الفقيرة بالمشاركة مع الرجل ، زوجاً كان أو أباً أو أخاً، فباعت ما تمتلكه من مصاغ لتأمين البندقية ، و قامت بدورها في تأمين المعدات و السلاح و الغذاء و المعلومات ، "و بعضهن خضن مقاومة عنيفة بجانب رجالهن في ذلك الوقت و منهن من لبست الزي العسكري ، و تدربت على المقاومة المسلحة ، مثل فاطمة غزال ، التي استشهدت في معركة عزون ، و مناضلة أخرى أطلقت النار على كابتن بريطاني في مركز جنين و أردته قتيلاً ، و ريفيات حكم عليهن بفترات سجن عالية تراوحت بين سبع لعشر سنوات ، إلى جانب "أخوات القسام" في حيفا القديمة اللواتي خضن غمار مقاومة شرسة بجانب رجالهن" ، و في الجانب الآخر من الصورة نجد أن "نساء النخبة نجحن في تأسيس منظمات نسوية كانت مقتصرة بالأساس على تلك الشريحة من النساء ، من العائلات "العليا" أو "العريقة" ، المدنية والمتعلمة ، كما أن الأنشطة التي قامت بها نساء النخبة في ذلك الوقت كانت مستمدة بدرجة كبيرة من رؤيتهن لواقعهن الطبقي ، ومحدودة بحدود هذا الوعي ، وعندما نرى كيف انعكس فعل المقاومة (من قبل النسوة الفقيرات) على نساء النخبة ، سنجد أن الفجوة كانت كبيرة ، إذ كانت النخبة ترى دورها بالأساس (دورا فوقيا متعاليا) يقوم على النظرة "الخيرية" ، نظرة الأعلى للأدنى ، الغني للفقير ، ولم تساعد هذه النخبة (من زوجات وبنات كبار الملاك آنذاك) في تشكيل قيادة للنساء الريفيات أو تشكيل أي قاعدة لهن في الريف ، حيث لم تكن نساء الريف هدفا للتنظيم أو للمشاركة في أنشطة نساء النخبة ، الاستثناء الوحيد لذلك ، كان مشاركة الأخت ميمنة ابنة المناضل عز الدين القسام في مؤتمر "نساء الشرق" عام 1938 ، الذي نظمته هدى شعراوي لمساندة قضية فلسطين ، حيث ألقت معظم المشاركات كلماتهن بالفرنسية والإنجليزية ، وعندما جاء دور ابنة القسام لتلقي كلمتها فقدت الوعي ولم تنطق بكلمة واحدة " ، وهو مشهد معبر نتركه بلا تعليق . وبحلول النكبة الأولى عام 1948 ، التي فرضت على جماهيرنا الشعبية أوضاعا طارئة غير عادية حيث ترافق وجود "مجتمع اللاجئين" في الضفة وقطاع غزة ، والشتات عموما ، مع انهيار كامل لقاعدتهم الاقتصادية أو الإنتاجية التي كانت تقوم عليها علاقاتهم وحياتهم قبل النكبة، فقد فرضت الظروف "الجديدة" ، على اللاجئين من أبناء شعبنا والنساء بصورة خاصة ، ممارسة سلوكيات لم تستوعبها المفاهيم والقيم والعادات التقليدية في القرى والمناطق الفقيرة من المدن ، مثل اضطرار المرأة للعمل ، والاستقلال النسبي للأبناء ، و البطالة ، و الفاقه و العوز و الحرمان و المعاناة ، حيث أسهم كل ذلك في خلق حالة من الاغتراب ، لدى الرجل و المرأة ، فالوضع البائس في المخيمات ولّد انسحاقاً ثقيلاً مادياً و معنوياً ، مثل وقوف المرأة في طوابير لاستلام الإعانة ، و هو أمر كريه لم تعهده أو تتوقعه في أحلك الظروف من قبل ، و تفشي الأمراض و الشعور بالدونية ، الذي ترافق –بصورة موضوعية- مع كل أشكال و مشاعر الحقد الوطني ضد العدو الصهيوني ، إلى جانب مشاعر الحقد الطبقي على الصعيد الاجتماعي ، في إطار حالة الاغتراب الجماعي الذي عمق في صفوفهم التمسك بهويتهم الوطنية و حقهم في العودة ، فالخلاص بالنسبة لهم لم يكن يعطي الأولوية لتحسين الأوضاع الحياتية ، بل التخلص من علة هذا الوجود الجديد أو اللجوء في المخيم ، و ليس من المبالغة في شيء القول بأن المرأة الفلسطينية في مرحلة ما بعد النكبة كان لها الدور الحاسم ، و بصورة عفوية ، في تأجيج المشاعر الوطنية و الحفاظ على الهوية و حق العودة ، إلى جانب تأجيج المشاعر الطبقية و الاجتماعية ، نظراً لشدة وعمق معاناتها ، وتماسها اليومي المباشر مع كل مظاهر الحرمان والمرض والمعاناة اليومية التي فرضت عليها تدبير ما لا يمكن تدبيره لأطفالها وأقاربها في سياق المعاناة الأوسع على مساحة المخيم التي تلف الجميع من أبنائه وبناته في إطار من الرهبة والقسوة والخوف من الغد ، والترقب والريبة ، والحذر والاستنفار الدائم ، شكلت كلها مدخلا واسعا لاندفاع أبناء المخيم ومشاركتهم النوعية والكمية الهائلة في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ما بعد النكبة الأولى (1948) إلى يومنا هذا . و لكن رغم عمق تأثير ذلك الدور العفوي للمرأة الفلسطينية ، في مخيمات الضفة و القطاع و الشتات ، و بالرغم مما تعرضت له من صنوف الاضطهاد ، لم يكن هناك أي دور ملموس للحركات أو المنظمات النسائية حتى عام 1964 حينما تأسس "الاتحاد النسائي الفلسطيني" الذي كان من أهم أهدافه "رفع مستوى المرأة اقتصادياً و اجتماعياً و صحياً و رعاية المرأة العاملة و رعاية الأمومة و الطفولة" ، و بعد إنشاء م.ت.ف تأسس "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" عام 1965 ، و أهدافه "تعبئة المرأة الفلسطينية في جميع المجالات و النهوض بمستوى المرأة الاجتماعي و الاقتصادي و الصحي و الثقافي و القانوني …الخ" إلى جانب بعض الجمعيات الخيرية في الضفة و القطاع ، إلا أنه طوال المرحلة من 1948 –1967 ، لم تتبلور حركة نسائية ذات طابع وطني اجتماعي ، على الصعيد الجماهيري في أوساط النساء الفلسطينيات، و ظل نشاط الاتحادات و المنظمات و الجمعيات الخيرية النسوية ، قاصراً على أعداد محدودة من النساء عبر اللقاءات و الاجتماعات النخبوية أو في إطار الأحزاب السياسية الوطنية و القومية و اليسارية آنذاك امتداداً في الأوساط الاجتماعية للنساء ، خاصة في المناطق الفقيرة من المدن، و القرى و المخيمات ، حتى هزيمة حزيران 1967 ، و صعود نشاط و فاعلية حركة المقاومة الفلسطينية كعنوان وإطار رئيسي تغلّب على كل النشاطات المدنية و الاجتماعية الأخرى، مما أدى إلى تراجع نشاط الجمعيات و الاتحادات النسائية –على قلته و ضعفه- لحساب فصائل المقاومة الفلسطينية ، التي استوعبت معظم العناصر النسوية العاملات في النشاط العام و اندماجهن في العمل السياسي عبر علاقتهن التنظيمية مع هذا الفصيل أو ذاك . و في هذه المرحلة منذ عام 67-1993 شاركت المرأة الفلسطينية بصورة واضحة رغم نسبيتها في مسيرة النضال الفلسطيني، بكل أشكاله، في الكفاح المسلح، وعلى الصعيد الوطني الاجتماعي، و في العمل السري المنظم في الضفة و القطاع و قامت بتنفيذ الكثير من المهمات التي لم تتوقف عند الجانب النضالي أو التنظيمي السري أو الاعتصامات والمظاهرات والمهام الوطنية الأخرى بل امتدت في تطويرها نحو الإسهام في تشكيل العديد من الأطر والمنظمات و الجمعيات النسوية ذات الطابع الجماهيري الوطني العام إلى جانب بعض المنظمات النسوية التي اتخذت في تشكيلها لوناً سياسياً أو حزبياً يعبر عن الانتماء لهذا الفصيل أو ذاك، ولكن العضوية في هذه المنظمات النسوية (السياسية و الخيرية الاجتماعية) اقتصرت على أعداد محدودة من النساء ، فرغم نشاطاتها الوطنية الملموسة ، إلا أنها لم تأخذ بعداً جماهيرياً، ولم تتحول إلى حركات ذات طابع اجتماعي أفقي على صعيد المجتمع الفلسطيني أو القطاع النسائي في الضفة و القطاع، كما اقتصر دورها عبر حشد النساء في الفعاليات و المناسبات الوطنية لهذا الفصيل أو ذاك، و المفارقة، أن الاحتلال، ساهم في إفساح المجال للمرأة الفلسطينية في الضفة الغربية في زيادة واتساع نشاطها السياسي والاجتماعي، بعد قرار الحاكم العسكري الإسرائيلي في 12/4/1976 بتعديل قانون الانتخابات الأردني لسنة 1955 ، حيث أعطى هذا القرار الحق لكل عربي يبلغ 21 سنة فما فوق –و من ضمنهم النساء- بالتصويت في الانتخابات البلدية، و قد كان هدف الاحتلال من إصدار هذا القرار، العمل على إيجاد قيادة للشعب الفلسطيني لفرض صيغة "الحكم الذاتي" بديلاً للقيادة الوطنية في م.ت.ف، و لا شك أن مشاركة المرأة في هذه الانتخابات ساهمت مع مشاركة الرجل في إفشال المخطط الصهيوني، حيث أدت الانتخابات إلى نجاح معظم قوائم القوى الوطنية والقومية المرشحة وكان لهذه العملية دورها في تزايد دور المرأة الفلسطينية و مشاركتها في العملية السياسية، التي أدت إلى اعتقال المئات منهن و تعرضهن لأحكام قاسية و طويلة . وفي أجواء المد الوطني التي خلفتها انتخابات البلديات عام 1976 و مع تزايد النشاط السياسي بتأثير العمل الطوعي الواسع في صفوف المرأة، تم الإعلان عن تشكيل "لجنة العمل النسائي" في الضفة الغربية في آذار 1978 ، التي ضمت في صفوفها المئات من الكوادر النسائية النشيطة من كافة الفصائل و الانتماءات السياسية و لكن بصورة نخبوية أيضاً لم تستطع التعبير عن الحالة الوطنية العامة كحركة اجتماعية، و بعد أقل من عامين، سرعان ما أدت الخلافات والمواقف الفئوية إلى تفكك هذه اللجنة، و انتهى الأمر بتشكيل أطر نسوية جديدة مثل "لجنة المرأة العاملة" 1980 ، و "لجنة المرأة الفلسطينية" مارس 1981 و "لجنة المرأة للعمل الاجتماعي" حزيران 1982 ، تميزت برامجها بالجمع بين القضايا الوطنية السياسية و القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة بالذات مثل تحرر المرأة و مساواتها بالرجل من حيث الأجور والعمل وغير ذلك من المسائل والنشاطات الاجتماعية كالعناية بأسر المعتقلين و الزيارات التضامنية للمعتقلات، وإصدار الكتيبات والنشرات في مناسبة يوم المرأة والمناسبات الوطنية الأخرى، على أي حال، و رغم تقديرنا لكل هذه النشاطات النسوية، وتعدد منظماتها الذي ساهم بصورة غير مباشرة أو مرسومة في خلق مناخ عام من الحوار و التعدد الديمقراطي بالمعنى الاجتماعي والسياسي العام في إطار النخب النسوية، إلا أن هذه المنظمات والجمعيات التي ضمت في صفوفها أعداد كبيرة نسبيا (تتراوح بين 100-500 عضوه) لم تكن هذه العضوية تعبيرا عن شكل ومضمون الالتزام السياسي بالمعنى الحزبي المطلوب ، بقدر ما كانت –وما زالت- تعبيرا عن طبيعة تكوين هذه الأطر النسوية التي لم تشترط موقفا سياسيا مسبقا ، كما ان انفتاحها أو غياب شروط الانضباط التنظيمي فيها الى جانب هامش الحرية المتاح في الحركة أو الممارسة أو الظهور ، كل ذلك وفر المناخ أو عوامل الجذب لمجموعات من النخبة النسائية في المشاركة في هذه الأطر ، مع إقرارنا بوجود قيادات نسائية من الكوادر المنظمة في الفصائل والأحزاب الوطنية كانت لهن أسبقية المبادرة والقيادة والدور ، وفي هذا السياق ، لم يكن للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية دورا هاما أو ملموسا بصورة مميزة في الضفة أو القطاع في تلك المرحلة وما بعدها والى اليوم ، وفي هذا الصدد فإن المبادرة الى إجراء الانتخابات الديمقراطية في الاتحاد العام للمرأة وكافة الاتحادات والمنظمات والمجالس الشعبية والحكومية خطوة يجب أن تضغط جميع القوى باتجاه تحقيقها كضمانة وحيدة لتفعيل وتطوير هذه المؤسسات وأدائها لدورها الوطني والسياسي والاجتماعي. ومع تفجر الانتفاضة الشعبية في ديسمبر 1987 ، واستمرارها حتى عام 1993 ، تطور دور المرأة الفلسطينية في سياق تطور واتساع المشاركة الجماهيرية الشعبية في كل مناطق الضفة والقطاع ، بما دفع إلى تشكيل "المجلس النسوي الأعلى للأطر النسوية في م.ت.ف" لقيادة العمل النسائي ، وفي هذه الأثناء برز دور المنظمات الأهلية ، أو الغير حكومية ، ولكن عبر تنسيقها شبه الكامل مع أحزاب وفصائل الحركة الوطنية آنذاك ، وبدأت في الظهور بعض المنظمات النسوية غير الحكومية التي تعددت نشاطاتها وتميزت بتطورها عن السابق في مجالات البحث والتدريب والتعبئة ونشر الوعي ، رغم اختلاف كل منها في طريقة النشأة أو الأهداف أو أساليب العمل والاتصال والبرمجة أو المنهجية ، وهي كلها عوامل ساهمت إيجابيا في تخريج العديد من الكوادر النسائية التي ظلت في معظمها مرتبطة –في تلك المرحلة- بالتزام معين بأحزاب وفصائل الحركة الوطنية . بالمقابل كان لنشاط المرأة الفلسطينية الفقيرة في مخيمات وقرى الضفة والقطاع ، دورا بارزا وملموسا بصورة يومية في مقاومة الاحتلال عبر الانتفاضة ، فقد قدمت المرأة الفلسطينية نسبة 7% من شهداء الأعوام 1987-1997 و9% من جرحى الانتفاضة، وأكثر من 500 معتقلة فلسطينية في السجون الإسرائيلية طوال مرحلة الاحتلال والانتفاضة ،فيما قدمت المرأة حوالي 5.9% من شهداء انتفاضة الاقصى خلال الفترة 29/9/2000 – 31/12/2003 بمعدل13.8 لكل 100 الف نسمة، اضافة لحوالي 9.7% من الجرحى بمعدل 2 لكل 1000 نسمة ، ومنذ انتفاضة الاقصىتم اعتقال اكثر من 300 امرأة، اضافة الى 3 معتقلات رهن الاعتقال سابقا، ولا تزال 109 امرأة رهن الاعتقال ويشكلن 1.8% من اجمالي عدد المعتقلين الموثقين ومن هذه المعتقلات 40 معتقلة ما بين متزوجة وأماً، علاوة على معتقلتان أنجبتا في السجن . وقد تميز هذا الدور بطابعه العفوي غير المنظم في جمعيات أو منظمات غير حكومية أو أطر نسوية أخرى، فقط كانت الدوافع الوطنية –عبر انتماء كل الجماهير الشعبية الصادق للقضية الوطنية مدخلا ووعاء عبر عن حالة التوحد الشعبي الداخلي والتفافه حول الشعار المركزي التوحيدي الناظم لكل الجماهير على قاعدة وحدة الأرض والشعب والمنظمة بكل فصائلها من أجل تقرير المصير وحق العودة والدولة . ومع هبوط وتائر النضال الشعبي العفوي والمنظم، على أثر مؤتمر مدريد عام 1990 ، بدأت تتأسس ولأول مرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية العديد من المنظمات النسوية غير الحكومية وغيرها من المنظمات العاملة في حقول أخرى، بعيدا عن الأحزاب والفصائل الوطنية ودون الرجوع إليها أو الحصول على أي شكل من أشكال الشرعية فيها خاصة مع تراجع وتفكك "المجلس النسوي الأعلى" ، حيث انفردت المنظمات النسائية غير الحكومية في هذا الجانب، وتحولت بعد ذلك الى مجموعات نخبوية ضيقة "لا تستهدف تنظيم النساء أو حتى بناء صلة مستمرة معهن، سوى نشر الوعي بين صفوفهن حسب الميزانية والخطة المقررة للمشروع، وهذا وحده ليس كافيا لجعل النساء قوة منظمة قادرة على تحقيق ما تريد، فكثير من الحركات الاجتماعية النشطة ترفض المقولة الماركسية بأن هناك وعيا زائفا يستدعي طليعة تعمل على نشر الوعي بين الجمهور" بما يؤكد "أن هذه المنظمات غير الحكومية النسوية لا تستهدف تنظيم النساء، وهياكلها غير مهيأة لذلك، فهذا الشكل من التنظيم يتيح فرصا أقل للنساء مما كانت تتيحه الجمعيات الخيرية القديمة، فتلك الجمعيات على الأقل لها جمعية عمومية تضم أحيانا عددا كبيرا من النساء وإن كن يجتمعن مرة كل عام، أما المنظمات غير الحكومية، فتعتمد بالأساس على رأس أساسي يدير المنظمة ومجموعة موظفات كفؤات ومجلس أمناء محدود العدد لرسم السياسات ، ويخشى أن يحول هذا الشكل من تنظيم العلاقة مع القاعدة النسائية مرة أخرى الى علاقة (Patron-Client) خاصة في ظل غياب علاقة مستمرة بين المنظمة وبين المجموعات المستهدفة" . بعد أوسلو ، وقيام السلطة الفلسطينية عام 1994 ، استمرت هذه الأوضاع وتطورت بنفس الأساليب وتزايد انتشار المنظمات غير الحكومية بصورة غير اعتيادية طوال الاحد عشر عاماً الماضية بما يزيد عن ألفي منظمة ، منها لا يقل عن نسبة 10% منظمات ترتبط شكليا أو عمليا بقضايا المرأة دون اعتبار جدي للقضايا السياسية عموما وللقضايا الطبقية الاجتماعية المتعلقة بالمرأة بشكل خاص ، وكأن هذه المسألة ، أو البعد الطبقي الذي تفاقم خلال السبع سنوات الماضية ، لم يعد له أي مكان على جدول أعمال المنظمات النسائية غير الحكومية ، حيث يبدو أن الحديث عن "الجندر" أو النوع والقضايا الشكلية المشابهة له الأولوية على القضايا الطبقية والاجتماعية التي يمثل تناولها والتعرض لها وتغييرها أساسا موضوعيا لمواجهة وحل قضايا المرأة الأساسية : الفقر والتخلف والاضطهاد المجتمعي ، وذلك لن يتم إلا في إطار الالتزام والانتماء السياسي الديمقراطي الكفيل وحده بتأطير الحركات الاجتماعية الجماهيرية النسوية و غيرها من اجل تحويل المجتمع الفلسطيني و نظامه السياسي بصورة ديمقراطية تكفل تغيير و إزالة كافة مظاهر التخلف و الاضطهاد و الفقر و التبعية ، و تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة للمرأة و غيرها من المواطنين ، ففي هذا الإطار المنظم و عبر العلاقة الديمقراطية العصرية المتجددة مع كافة المنظمات و الجمعيات تكمن إمكانية تغيير كافة القوانين التي تميز بين المرأة و الرجل أو تحط من قدر النساء أو تعرقل الدور الريادي للمرأة و مشاركتها الفعالة المتساوية في كافة القضايا و الأنشطة السياسية و الاجتماعية و القانونية و الثقافية و الانتخابات و غيرها ، إلى جانب صياغة و إقرار القوانين التي تحول دون المس بكرامتها أو الإساءة إليها في الأسرة و المدرسة و الشارع و مكان العمل أو أي مكان أو إطار اجتماعي آخر . ذلك أن المرأة الفلسطينية التي شاركت في مسيرة الكفاح الوطني ، و أجلت بصورة طوعيه أو اكراهية ، نضالها من أجل حقها في المساواة مع الرجل في المرحلة السابقة ، من حقها علينا –في الجبهة و جميع فصائل و أحزاب القوى الوطنية الديمقراطية الأخرى- ان نقف إلى جانبها بكل وعي و التزام ، دفاعاً عن كل حقوقها في المساواة و الحرية الشخصية و المدنية القانونية و غير ذلك من الحقوق ، عبر إنهاء حالة الاغتراب للمرأة داخل أحزابنا الفلسطينية ، وتعميق المفهوم والعلاقة الرفاقية القائمة على الاحترام العميق والحرص والتوازن الكامل والمساواة ، إذ ان تطبيق هذه الممارسة داخل الحزب يشكل مدخلا لتطوير العلاقة الإيجابية مع المرأة ، الزوجة ، والأخت والأم بما يجسد الموقف الجدلي الصحيح في الجمع بين النظرية والممارسة . وفي ضوء هذه الرؤية يصبح نضال المرأة الآن من أجل حقوقها الشخصية و الاجتماعية و المدنية أمر مشروع و ضروري ، خاصة في ظل تقاعس السلطة الفلسطينية عن القيام بتغيير أو تخفيف معاناة المرأة في معظم جوانبها الحياتية و القانونية ، بما يتطلب وضوح موقف كافة القوى السياسية في المطالبة بإلغاء كافة التشريعات و القوانين و الأنظمة القديمة ، مثل قانون حقوق العائلة لسنة 1954 المعمول به في قطاع غزة ، و قانون الأحوال الشخصية الأردني لسنة 1976 المعمول به في الضفة الغربية . إننا في الجبهة الشعبية –نؤكد التزامنا ، في سياق عملية النضال الوطني الديمقراطي ، بالوقوف ضد كل المحاولات التي تهدف إلى خنق صوت المرأة الفلسطينية و حقها في التعبير عن رأيها و مطالبها القانونية المجتمعية العصرية الحديثة التي تتطلع إليها ،لأن قضية المرأة في رأينا تتجاوز التفاصيل العامة –رغم أهميتها- المرتبطة بمواضيع الزواج الإكراهي المبكر أو الموقف ضد تعدد الزوجات أو التوريث أو الشهادة في المحاكم ، فهي قضية وطنية ديمقراطية ترتبط بعملية التطور و النهوض ، لنصف المجتمع ، و بالتالي فإن الانتصار في هذه القضية سيشكل الخطوة الرئيسة عبر العمل المنظم المشترك بين الرجل و المرأة معاً ، نحو تقدم مجتمعنا على طريق التطور الديمقراطي العقلاني الحديث عبر الانعتاق من كل مظاهر التخلف و التبعية و الفقر و القهر و الاستبداد .