فلسطين: الحركة النسائية بين القومية والعلمانية والسلفية الاسلامية

جاد إصلاح مناضلة في الحركة النسائية وباحثة ايضا. انهت اطروحتها حول تطور حركة النساء الفلسطينيات بعد
حجم الخط
جاد إصلاح مناضلة في الحركة النسائية وباحثة ايضا. انهت اطروحتها حول تطور حركة النساء الفلسطينيات بعد أوسلو. وأهم ما سجلت هو بروز منظمات غير حكومية منذ أوسلو حلت مكان لجان النساء السابقة وغادرت الحقل الاجتماعي وميدان النضالات. هكذا تجردت حركة النساء ببطء من جوهرها السياسي وضعفت لصالح ناشطات الحزب الاسلامي للخلاص اللواتي استفدن من التجربة الشعبية للجان من اجل رسملة مكاسبها. ويتمثل منظور حركة النساء العلمانيات في اعادة بناء عمل تحتي والتاثير في النقاش الايديولوجي مع النساء السلفيات دون نبذ ولا تنازلات. فيما يلي مقابلة اجرتها معها مجلة جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني عام 2005، نعيد نشرها في ذكرى الثامن من آذار يوم المرأة العالمي. ما حصيلة حركة النساء منذ أوسلو؟ اصلاح جاد: اولا لاحظت انه حصل، بعد اوسلو، تغير بالمجتمع المدني مطبوع بتحول الحركات الاجتماعية الى منظمات غير حكومية. وحصل ثاني التغيرات في البنية السياسية الفلسطينية حيث كان للسلطة الفلسطينية ايضا دور في فك تعبئة الحركات الاجتماعية، ومنها حركة النساء. إن تأثير الجهات المانحة للتمويل على توجهات المنظمات غير الحكومية، ووقوع هذه تحت سطوة شريحة اجتماعية من نساء ميسورات ومتعلمات احتوت نضالية سنوات السبعينات، التي كانت اصل تعبئة النساء في مخيمات اللاجئين وفي القرى، عنصران اعادا حركية النساء الى المدن الكبرى والمكاتب، وبالتالي مغادرة الميدان. كانت شبكات النساء في سنوات 1970-1980 تعبيرا عن حيوية الحركة الاجتماعية. كانت بكل قرية مشاريع قائمة، منها مثلا حضانة للاطفال، ومركز صحي، شكلت نقط ارتكاز لمنظمة النساء. وكان ثمة حول هذه المشاريع تباري من اجل ان تتبوأ التساء مكانتهن في الحياة السياسية للقرية والاعتراف بهن كقائدات. ومع المنظمات غير الحكومية تحولت هذه الشبكات الى بنيات مؤقتة لتكوين النساء حول القوانين او الانتخابات.انها مشاريع ممولة لمدة عام او عامين ونادرا ما تفوق تلك المدة. وفور انتهاء دورة التدريب تختفي النساء. انها حالة بعيدة جدا عن المضمون النضالي. لم يعد المقصود اتاحة تنظيم النساء لانفسهن. اعتبرت المنظمات غير الحكومي ان هذا النوع من العمل، حتى لو قامت به نساء، مستعمل من قبل الاحزاب السياسية لتوعية"الجماهير" من اجل نضال التحرر، وانه غير "نسواني" لانه لا يتناول بوضوح المشاكل الخاصة بالنساء، وانه لا يروم تغيير علاقات النساء بالرجال وانه لا يمثل مكسبا للنساء. من جهتي اكذب كليا هذا الزعم. ان تجمع النساء من اجل تنظيم انفسهن، وانشاء حضانة اطفال، وتعيين ممثلات لهن، يعطيهن الكثير من القوة. واتاح لهن ذلك تعزيز وعيهن لذواتهن، ونيل الاعتراف بهن، والضغط على السلطة الفلسطينية عندما قامت. لا يمكن تصور مطالبة النساء بحقوقهن الاجتماعية لدى السلطة الفلسطينية دون ان يشاركن في النضال الوطني. ان المنظمات غير الحكومية، بسعيها الى قصر جهود النساء على الدفاع عن حقوقهن، قد انفصلت عن المجتمع الفلسطيني. ان كانت النساء عرضة لاضطهاد " النوع" فهن قبل كل شيء عرضة لاضطهاد المحتل وللفقر وللاضطهاد الاجتماعي. لقد اصاب الضعف حركة النساء لما غادرت ميدان النضال والميدان الاجتماعي. وبالاحرى منذ الانتفاضة الثانية لما كانت الاولوية من جديد للنضال الوطني، اضطرت تقريبا كل تلك المنظمات غير الحكومية الى وقف نشاطها، بعد استحالة مواصلة مشاريعها. لا يعني هذا انتفاء مكان بالمجتمع الفلسطيني لعمل خاص للمنظمات غير الحكومية حول ظفر النساء بحقوقهن. لكن ليس عليها ان تحل مكان المنظمات الشعبية النسائية القاعدية ولا النيل من قيمة نشاطها. كان عليها بالعكس ان تكون امتدادا لها بالاضطلاع بدور حافز لاقتراح سبل تفكير وتجارب جديدة. هذا بينما هي اختارت دور سلطة معتبرة ان لها تجربة ارفع من منظمات القاعدية وان لها تفكيرا اشمل حول العولمة. تحظى المنظمات غير الحكومية بصدى دولي لانه جرى الاستماع اليها في المنتديات العالمية "من اجل عولمة بديلة" وغيرها، و لانها كانت على صلة بالحركات في الخارج لانها تتقن اللغة الانجليزية، ولانها متحدرة من الطبقات الوسطى المثقفة، ولانها تعرف صياغة مشاريع واقناع مانحي التمويل. هذا التحليل هل هو قابل للتعميم على كل حركات النساء؟ ركزت دراستي على عدد من منظمات النساء، أي اشكال التنظيم تلك التي بدات بالظهور خلال الانتفاضة الاولى بدءا من سنوات 1988-1989. درست الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات ولجان النساء التي ظهرت بدءا من 1978 وحركة النساء الاسلاميات. حاولة ايجاد الروابط والنقاط المشتركة بينها. لم يكن للاتحاد العام للنساء الفلسطينيات وجود فعلي في غزة ولا في الضفة الغربية. دخلت كل قيادتها التاريخية مع منظمة التحرير الفلسطينية في 1994 بعد عملية أوسلو. كان الاتحاد رأسا بلا جسد، لانه عديم الانغراس. حاول بعد أوسلو الارتباط بحركة النساء وتوحيدها. لكنها لم يفلح لحد الساعة في ربط صلات دائمة في الميدان. تعاون احيانا مع جمعيات اعمال الاحسان. وعندما نجح في الانصهار باللجان الشعبية طالبت هذه فورا بانتخابات داخلية لتجديد قيادة اتحاد النساء مما ادى الى انحباسات. ظل الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات بعيدا جدا عن الاسلاميات، مطورا علاقات مع المنظمات غير الحكومية لا سيما ان تعلق الامر بالمشاركة في ندوات دولية. واستعمل ما تنتج تلك المنظمات غير الحكومية من معلومات وتأثر بها. وتخلى عن تعبئة نساء العالم العربي من اجل جمع مساعدة للقضية الوطنية في اطار طلب مساعدة لمشاريع لدى البلدان المانحة. كما بدا في استعمال صلاته الامتيازية بالسلطة الفلسطينية والنخب الحاكمة للحصول على هبات لمؤسساته. واظهره ذلك كهيئة شبه حكومية. ويتلقى العديد من كادراته اجوره من السلطة الفلسطينية. يمكن القول انه فقد قيادة الحركة وانه ما زال عاجزا عن تمثيل قاعدة النساء في الداخل والخارج. قامت لجان النساء بعمل في القاعدة بتنظيم النساء في القرى والمخيمات. لم تكن اسبقيتها الحديث بالانجليزية واتقان تقديم مشروع، بل تكوين مسؤولات حسب معايير مغايرة لتلك الخاصة بالمنظمات غير الحكومية. حاولت فحص الاثر السلبي للمنظمات غير الحكومية على تلك اللجان. قمت مثلا بمساءلة لجان النساء في منظمة فتح وقالت لي انها لم تعد تدري كيف تعمل. لم يكن لها تكوين لصياغة مشاريع ولم تكن لها شبكة بالخارج. وكانت تعتقد ان عليها تكوين كادرات في هذا الاتجاه للعمل مع النساء. كان لديها انطباع ان كل ما قامت به مع النساء لا يساوي شيئا. لقد استنبطت حكم المنظمات غير الحكومية وفقدت الثقة بالنفس. لم تستثمر عملها السابق.لا اقول إن هذا هو السبب الوحيد لازمة اللجان: فثمة اسباب اخرى منها ما اصاب الاحزاب السياسية من ضعف والانقسامات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، لكن يبقى تاثير المنظمات غير الحكومية على حركة النساء احدى العوامل الرئيسة. درست كيف تهيكل مشروع تغيير القوانين في النقاش حول الدستور الفلسطيني المقبل من 1998 الى 2000. كان هذا المشروع يطالب بوحدة منظمات النساء. ابرزت كيف ان منظمة غير حكومية قامت، في سعي الى التحكم وفرض نفسها كقوة سائدة في هذا المشروع، باضعاف وتقسيم لجان النساء ومواجهة بعضها بالبعض. كانت تعتبر نفسها الاكثر اهلية لقيادة وتربية النساء وكان لديها المال. وكان هذا التقسيم في صالح الاسلاميين. مثلا في النقاش حول قانون الاسرة كانت السداجة المفرطة ونقص الاستعداد وغياب الوحدة الداخلية بمختلف المنظمات عناصر في صالح الاسلاميين. ولم يحظ المطلب المزدوج المتمثل في المساواة التامة واستبدال القانون الديني بقانون مدني مدعومة ولا مفهومة من قبل قاعدة منظمات النساء. وكان رد الاسلاميين قويا بقدر ما كانت اعداد المعركة ضعيفا. ولم تتخذ السلطة الفلسطينية موقفا واضحا. وشعرت باقي منظمات النساء انها ادخلت في صراع لا تلم به. وحاولت التهرب بربح الوقت. وامسك الاسلاميون بهذا النداء للشروع في هجوم مضاد شمل كافة مطالب النساء. والذين واصلوا عمل لجان النساء القديم عبر مشاريع صغيرة مستجيبة لحاجاتهن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في الاماكن المتضررة بالفقر، هم الآن الاسلاميون الذين تمكنوا من توسيع نفوذهم بين النساء. انهم يقومون تقريبا بنفس ما كانت تضطلع به لجان النساء ، مقتبسين افكارها، و طرقها في التعبئة، وحتى شعاراتها، ناسخين نمط تنظيمها لا سيما تلك الخاصة باللجان الماركسية. قاموا مثلا باحداث مدرسة تكوين كادرات للنساء، ولهم "مكتب سياسي". وواصلوا بناء ما كان قائما مستفيدين من هذه التجربة لرسملة مكاسبها. وهذا ما يفسر نجاحهم الكبير في غزة والضفة الغربية. وهو نجاح يتعين وضعه بموازاة ما تعرض له الاسلاميون من اضطهاد من السلطة الفلسطينية. عندما قمت باستجواب مناضلي حزب الخلاص الاسلامي ( الجناح السياسي لحركة حماس)، كانت اغلبية مكاتبهم تعرضت لهجمات من السلطة الفلسطينية، وصودرت حواسيبهم واغلقت مجلاتهم... واعتقل العديد من كادراتهم. لو سلموا من قمع السلطة الفلسطينية واعيدت الاتصال بين غزة والضفة الغربية، كان امكن لنساء الحركة الاسلامية أن يمارسن في وقت وجيز تاثيرا على النساء بفعل فعاليتهن الفائقة في التنظيم القاعدي و صواب نقدهن لمطالب المنظمات غير الحكومية . كان خطابا مثمرا جدا يعزل خطاب المنظمات غير الحكومية بصدد حقوق النساء والمطالبة بمكانة في المجتمع. كن يقلن: " نحن في طور حاسم من التحرر الوطني يتطلب الكفاحية، ووحدة الجماعة وتضحية الفرد. لسنا بعد في طور مطالبة الفرد بحقوقه"، مع الاعتراف بان للنساء حقوق لكن يجب الا تضعف هذه المعركة النضال من اجل الحقوق الوطنية. قبل الاسلاميون ان النساء مضطهدات وضحايا اضطهاد اجتماعي لا يتحمل الدين وزره بل التقاليد التي تستدعي التطوير. انهم يعتبرون ان الاسلام يطلب تنظيم النساء من اجل تحرير بلدهن، ويطلب تربيتهن وتنظيمهن وتسييسهن، ويطلب ان يكن فاعلات في تنمية مجتمعهن. تتمثل المفارقة في أن 27% من اعضاء منظمة الحزب الاسلامي نساء و15 % من اعضاء مكتبه السياسي نساء، أي اكثر مما في منظمة التحرير الفلسطينية. التقيت نساء قويات، بتربية جيدة، حصل الكثير منهن على الماستر في الفيزياء والكيمياء او الهندسة. لا اريد القول عن مستقبل النساء هو في مجتمع اسلامي، لكن إن افضل طريقة لموازنة خطاب الاسلاميين هي تعزيز عمل النساء العلمانيات. ان ما يمارسن من ضغط يجبر الاسلاميين على اعتبار مكاسب النساء. مثلا يتعذر عليهم اذا كانت النساء يعملن مطالبتهن بالبقاء بالبيت. ان اتاحت الكادرات العلمانيات ولوج النساء الى الجامعات، لا يستطعن التراجع. انهن مجبرات على الانطلاق من حالة المجتمع وتطور الوعي. ومن هنا اهمية تعزيز السياق العلماني لانه سيؤثر على الاسلاميين حتى وان ظل هدفهم هو اقامة دولة اسلامية. لا يستند الاسلاميون عند صياغة خطابهم بصدد النساء على النصوص الدينية بل ينطلقون مما يسمعون حولهم. ورغم الطابع التفاعلي لخطابهم منحهم عملهم على شاكلة منظمة ماركسية قوة كبيرة للتعبئة والتاثير على النساء بتكوين كادرات نسائية. ماذا كانت عواقب الانتفاضة على تطور حركة النساء ؟ كانت الانتفاضة الثانية مطبوعة بدرجة عنف غير مسبوقة قياسا بالانتفاضة الاولى. كانت التعبئة خلال الشهرين الاولين شبيهة بالتي شهدتها الانتفاضة الاولى. وجرى قمع تلك المظاهرات، حيث كانت النساء نشيطات للغاية، قمعا دمويا من طرف جيش الاحتلال. واحبط حجم الخسائر من قتلى وجرحى النساء عن المشاركة فيها وافضى الى عسكرة الانتفاضة التي كبحت التعبئة الشعبية. ومرة اخرى آلت مهمة تامين بقاء الاسرة الى كاهل النساء: علاج الجرحى، والبحث عن السجناء، وتدبر المعيشة بينما الزوج عاطل او سجين. تقهقرت حياة النساء واصبحت اصعب. اضعفت الانتفاضة الثانية اليسار والنشاط النضالي كثيرا وعززت الاسلاميين. وهذا ليس في صالح النساء ولا في صالح حقوقهن. استند الاسلاميون كثيرا على النساء لاعمال النجدة الطارئة، ولمساعدة النساء الفقيرات، ولخلق ورشات عمل بتطوير جمعيات احسان. بينما كانت نساء المنظمات غير الحكومية اقرب الى الشلل لانهن لم يتكيفن مع العمل في سياق من هذا القبيل. ومع ذلك بدات نساء اللجان استعادة سلطتهن القديمة بتنظيم انجاد السكان بالحضور في كل لجان الطوارئ، لكن مع نقص كبير في الامكانات. اذا اخذنا مثلا منظمة نساء حركة فتح، لم يعدن يتوصلن باموال من منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تعد السلطة الوطنية الفلسطينية تدعمهن وتوقفت مشاريعهن. وجرى تعيين العديد من قائداتهن في السلطة الفلسطينية. حدث فراغ وحال غياب الديمقراطية الداخلية بتلك المنظمات من التزود بكادرات جديدة. ماذا يمكن ان تكون عليه افاق حركة النساء؟ لكي تكون حركة النساء في موقع قوة يجب اعادة بناء عمل في القاعدة والنظر بعين ناقدة للنجاحات والاخفاقات. اعتقد انه يجب تفادي نبذ حركة النساء الاسلاميات. كما اسلفت، ان عدم سعي النساء الاسلاميات الى بناء خطابهن بالاستناد على نصوص دينية يعطي النساء العلمانيات امكانية التاثير على منظور الاسلاميات وخطابهن ويتيح تفادي الانحباسات. لا ينقسم الخطاب بصدد الحقوق في هذه الاستراتيجية الى حقوق النساء من جهة والحقوق المدنية والسياسية من جهة اخرى. والا وجب علينا التنديد بالاضطهاد الممارس ضد الاسلاميين. لا يمكن ان نطالب بحقوقنا وفصلها عن السياق السياسي. انها مرحلة بالغة الاهمية لاقامة علاقة ثقة بين التيارات العلمانية والاسلاميين. ان قبول الاسلامين الاعتراف بواقع اضطهاد النساء يفتح افاقا حول الاجراءات الواجبة لدفع المجتمع اماما. ستكون ثمة دوما نزاعات سياسية وايديولوجية، وهذا مامول. لن نصل الى اتفاق تام، لكن يمكن بنظري ان تؤثر النساء العلمانيات في النقاش الايديولوجي مع الاسلاميين. لكي نعمل معا يجب ان نعرف خلافاتنا، والا نتوافق، مع ايجاد نقاط التقاء. يجب مقاومة ضغوط الاسلاميين الذين يطلبون مثلا من النساء ارتداء الحجاب. يجن ان نبقى واضحين ونقول لهم:" لا ، انا احترم اختلافك فاحترم اختلافي . اذا كنتم تطلبون من السلطة الاعتراف بكم يجب ان تقبلوا ان تكون امراة علمانية مختلفة عنكم. التعددية لا تتجزأ". يجب في الآن ذاته مواصلة النقاش والحفاظ على هويتنا واستعادة ميدان العمل الاجتماعي والالتزام. حاورتها اتيان مونيك مجلة جمعية France Palestine Solidarité عدد مارس 2005 "من اجل فلسطين"